انطفأ المخرج المسرحي الفلسطيني مازن الغطاس قبل أيام بينما كان يحاول أن يمسك بقليل من أطياف الفرح الهارب وهو بين أحضان أسرته. توقف قلبه فجأة بعد مسيرة عطاء طويلة بدأها منذ السبعينات من القرن الفائت على خشبات المسارح البلدية، ومتنقلاً عبر عواصم المنفى وعائداً الى الجليل متحدياً تخلف الرقابة الدوغماتية ليؤسس للمسرح الفلسطيني بيتاً وهوية. راهن مازن الغطاس على ثقافة المتلقي ودوره وعلى أهمية تنشئة أجيال تتذوق العمل المسرحي الذي لم تكن أوضاع البلاد تسمح به في فتراتها العصيبة لأسباب سياسية. وأثمرت جهوده في استخلاص العبر من الماضي ليدّخرها في مشاريعه التي قيض لمعظمها النجاح بعد جهد ومثابرة، فيما ظل هاجسه الأول الحفاظ على الهوية العربية الحضارية للأقلية الفلسطينية داخل الصخب الاستهلاكي للحياة الغربية مع ما أصاب هذه الهوية من تشويه وضلال بفعل التمييز والاقصاء. وكان عميق الايمان بأن الحفاظ على الهوية منوط بالابداع وال ولد مازن الغطاس في قرية الرامة في محافظة الجليل عام 1954 تلقى تعليمه الأول في مدارس القرية وسافر بعدها الى أوروبا الشرقية في السنوات التي حضنت أقطارها وجامعاتها أحلام كثر من الشباب الفلسطينيين المثقفين. حاز شهادة الماجستير في جامعة كييف في الاتحاد السوفياتي السابق عام 1983 متخصصاً في التمثيل والإخراج. وعاد الى فلسطين ليخرج مسرحية"الدب"لأنطون تشيخوف عام 1984 ومسرحية"مغتصبة"للشاعر سميح القاسم بالاشتراك مع فرقة"يُعاد"الفلسطينية، ثم مسرحية"موتى بلا قبور"لجان بول سارتر على خشبة مسرح القصبة في القدس. من أشهر مسرحياته"الضياع"للكاتب فؤاد مهنا، من بطولة الفنان فراس سويد، قدّمت بالتعاون مع مسرح"شروق"في الجليل وحققت رواجاً ثم أخرج مسرحية"طفل النور"عن رواية"ليلة القدر"الشهيرة للكاتب المغربي الطاهر بن جلون من تمثيل الفنانة الهام عراف وغناء هالة قسيس ونبيل دوحا، وكانت هذه أول مسرحية يخرجها مسرح"اللاز"الذي أسسه كمسرح عربي مستقل عام 1994 ونالت الجائزة الأولى في مهرجان المسرح الدولي في بوغوتا كولمبيا وعرضت في برشلونة ورومانيا.انجازاته المهمة وضعته في مقدم الاسماء المسرحية في المسرح العربي في فلسطين، وبقي على تواصل مع مناطق غربي النهر ومحافظة غزة، فأخرج تباعاً مسرحية"رابطة دم"للكاتب الجنوب افريقي أتولد فوغارد ومسرحية"سيف ديموقليس"للشاعر التركي الشهير ناظم حكمت ومسرحية"جزيرة المعز"للكاتب الايطالي أوغو بيتي ومسرحية"زغرودة الارض"من تأليف الكاتب سهيل أبو نوارة. وكان أول المساهمين في مشروع"مهرجان عكا الدولي للمسرح"في سنواته الأخيرة .