لعب المسرح العربي في فلسطين دوراً في بلورة توجهات الرأي العام وتثقيف ميوله الوطنية والتعبير عن طموحاته ومعاناته محافظاً في الوقت عينه على الرموز التراثية العربية التي صمدت في وجه تقلبات الزمن. في الأسبوع الأخير وضمن الفعاليات الثقافية الشتائية التي يعدها المنتدى الثقافي استضافت خشبة مسرح "شروق" في قرية البقيعة في أعالي الجليل أول عروض مسرحية "أوبريت البيت" من كلمات الشاعر سميح القاسم لتتبعها عروض أخرى تقدمها المسارح الوطنية مثل مسرح الغربال ومسرح الميدان والحكواتي بمعدل عرض واحد على الأقل كل شهر حتى بداية الصيف. ويعتبر مسرح "شروق" أقدم مسرح فلسطيني في الجليل بناء على ما ورد في كتاب "جذور المسرح العربي في فلسطين". وكان أول عروضه في العام 1941 مسرحية بعنوان "كذبة يا أبي" عرضت برعاية قائمقام عكا في حينه عبد الرازق قليبو الذي تبرع بتكاليف إخراجها. وكان الممثلون من الشباب الهواة مع تغييب لدور المرأة لأن الفتيات لم يكن يسمح لهن بالتمثيل بسبب العادات الإجتماعية والتقاليد. واستمرت الحركة المسرحية في الجليل بين نشاط وركود في فترة الحكم العسكري الذي فرض على الأرياف الفلسطينية حتى نهايات السبعينيات فتأسس المسرح الشعبي في العام 1978، وبعد عشر سنوات سمي بمسرح "شروق"، وهو وارث نواة المسرح الجليلي الأول الذي أسسه الهواة في العام 1941 في حين كانت يافا العاصمة الاقتصادية والثقافية لفلسطين. وكانت الأرياف الشمالية أبعد من أن تحلم بتأسيس مسرح رسمي كما هي الحال في المدينة. يذكر أن مسرح شروق عرض مسرحياته في السنوات العشر الأخيرة في الكثير من الدول الأوروبية وفي الأردن وتونس وجمهورية مصر العربية ولاقت اهتماماً كبيراً لتوجهاتها الإنسانية في عرض تجربة الإنسان الفلسطيني. ويعتبر مسرح "شروق" مثله مثل سائر المسارح في فلسطين من الأدوات الثقافية المهمة التي يحتاج اليها الشعب الفلسطيني في الداخل. فمثل هذه المسارح قمينة حقاً بالحفاظ على ذاكرته الجماعية وعلى تراثه الثقافي. كما انها قادرة على بلورة صورته كشعب يملك إرثاً حضارياً مميزاً. ولعل مشاركة شاعر مثل سميح القاسم عرف بشعره النضالي والوطني، تعتبر التفاتة مهمة من الشعراء والأدباء الى هذا النوع من الفن وأقصد المسرح. فاللقاء بين الشعر والمسرح هو من أرقى اللقاءات الفنية.