غادر الفارس البافاري يوهان شيلتبرغر منزله الكائن بالقرب من مدينة ميونيخ في العام 1394م بصحبة أحد الأمراء الألمان، للانضمام الى القوات الأوروبية المسيحية المتحدة تحت قيادة سيغموند ملك هنغاريا لقتال العثمانيين ووقف توسعهم في أوروبا. في ذلك الوقت كان السلطان بايزيد على حصار مدينة القسطنطينية، وعندما سمع بهذا الحلف المسيحي، رفع حصاره عن المدينة، وتوجه الى منطقة نيقوبولس، حيث دارت معركة من أهم معارك العصور الوسطى في أوروبا، نجح خلالها السلطان العثماني في دحر القوات المسيحية، وتشتيت شمل الفرق العسكرية الأوروبية المتحالفة 1394م، قبل أن يعود الى حصار القسطنطينية مصطحباً معه الكثير من الأسرى، كان من بين هؤلاء الفارس شيلتبرغر الذي لازم السلطان بايزيد، الى ان تمت هزيمة الأخير وأسره بواسطة تيمورلنك في سهول أنقرة 1402م، لينتقل شيلتبرغر أسيراً الى معيته حتى وفاة تيمور. وبعدها كان من الطبيعي أن ينتقل الى العمل تحت قيادة ابنه ميران شاه. حدث ذلك قبل أن ينجح الأسير شيلتبرغر في الفرار والعودة الى موطنه في العام 1427م، بعد رحلة طويلة استمرت لثلاث وثلاثين عاماً ظل خلالها أسيراً في كنف المسلمين. وترك لنا وصفاً عن مشاهداته وتصوراته عن الاسلام والمسلمين، وعلى رغم أنها محكومة بمسألة أسره وعبوديته، وما تخللها من مسحة أسطورية، ومعلومات غير حقيقية ونبرة تحريضية، فإن رؤيته وعبوديته، وما تخللها من مسحة أسطورية، ومعلومات غير حقيقية ونبرة تحريضية، فإن رؤيته عن الاسلام ساهمت في شكل كبير ومؤثر في المعرفة الأوروبية عن الاسلام والمسلمين في العصور الوسطى. تحدث شيلتبرغر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه ولد في الجزيرة العربية لأبوين فقيرين في العام 609م، وان يوم ولادته شهد هدم ألف كنيسة وكنيسة كعلامة على ما سيسببه في حياته للمسيحيين من آلام. وفي عمر الثالثة عشرة طلب محمد مرافقة بعض التجار في رحلاتهم التجارية الى مصر، فوافقوا على أن يقوم برعاية الخيل والإبل. وعندما استقرت القافلة في احدى القرى المسيحية في مصر، لاحظ قسيس القرية وجود سحابة سوداء تظلل الصبي الصغير أينما حل، فجمع التجار وأخبرهم ان الصغير ما هو الا ابن نبي، وان النبوءات القديمة تذكر مسألة السحابة، وتذكر أيضاً أن هذا النبي سيأتي بعقيدة تناهض المسيحية، وسيعاني منها المسيحيون أشد المعاناة. ثم خاطب محمداً"ستصبح معلماً عظيماً وستأتي بعقيدة معينة بين الكفار، وستحكم المسيحيين بقوتك، كما سيكون لخلفائك مجد عظيم، وأنا أتوسل اليك ألا تمس جنسي الأرميني بسوء!؟". وعندما عادت القافلة الى وطنها، بدأ محمد في الدعوة الى الله خالق السماوات والأرض ونبذ الأصنام صنيعة البشر. وتحتك الأسطورة بالواقع، اذ يحكي شيلتبرغر أن ملك بابليون وشعبه آمنوا بالنبي الجديد الذي"أصبح ملكاً عظيماً... وأصبح مثل البابا أو الحبر الأعظم"قبل أن يتزوج أرملة الملك! ثم تتحدث الرواية، بطريقتها، عن استعانة النبي بأربعة رجال من أعوانه، حيث تولى عمر مسؤولية التشريع الديني، وپعثمان التشريع الدنيوي، بينما ولى أبو بكر شؤون الحسبة والموازين والصناعات، أما علي فقد تولى في ما بعد الرئاسة على جميع قومه، وأرسله الى الجزيرة العربية لإدخال المسيحيين الموجودين بها ذلك الوقت الى دينه، وأمره باستخدام السيف لإكراه الناس على دخول الدين الجديد. كما ادعى شيلتبرغر أن محمداً أمر باضطهاد المسيحيين، وكل من لا يدين بعقيدته ليل نهار، عدا الجنس الأرميني، فلم يأخذ منهم سوى جزية بسيطة للغاية، لأنه قد سبق أن وعد القس الأرميني بذلك. كما يدعى أن النبي قد عقد تحالفاً ضد العالم المسيحي بأسره، وكان على كل مسلم اذا أراد أن ينضم الى ذلك التحالف أن يقسم ألا يدع نصرانياً حياً اذا لقيه، واذا أسره لا يبيعه من أجل الربح بل يقوم بقتله. واذا لم يفلح المسلم في قتل مسيحي ابان المعركة فعليه أن يشتري واحداً ويقتله! وأطلق على كل من ينضم لصحبة كهذه لقب الغازي ويوجد منهم الكثير لدى العثمانيين حيث تحضهم شريعتهم على معاداة المسيحيين. ومن الواضح هنا أن وطأة الأسر لسنوات طويلة لدى العثمانيين والمغول المسلمين جعلت شيلتبرغر يقدم للغرب الأوروبي المسيحي والبابوية خطاباً تحريضياً ضد الاسلام بصفته يدعو الى استئصال المسيحيين. وهي دعوة هنا لمعاودة محاربة العثمانيين والقصاص من المسلمين. كما يذكر الفارس البافاري شيلتبرغر أن المسلمين يؤمنون بأن المسيح قد ولد من عذراء، وأنها بقيت كذلك بعد الولادة، وأنه كلم أمه في المهد وطمأنها، كما يؤمنون بأنه أفضل الأنبياء، وأنه لم يرتكب ذنباً قط، ولا يعتقدون أنه صلب، بل ان شخصاً آخر هو الذي صلب، ومن ثم فعندهم أن المسيحيين أصحاب عقيدة خبيثة: اذ كيف يصلب المسيح خير أصفياء الله، الذي لم يرتكب ذنباً قط؟ ان صلبه يدل على افتقار حكم الله للعدل، اذ كيف يصلب بريئاً؟ ولا يفهمون مسألة الثالوث المقدس باعتبارها هرطقة خبيثة. ويدعى شيلتبرغر أن المسلمين يعتقدون أن أي أراض يستولون عليها من المسيحيين، لم تؤل اليهم بفضل قوتهم وحكمتهم فقط، بل بسبب ظلم المسيحيين وغطرستهم، ومن ثم فقد قضى الله أن يستولوا على الأراضي من المسيحيين لأنهم لا يديرون شؤونهم الروحية والدنيوية بالعدل. ويذكر ان المسلمين يعلمون ان النبوءات المسيحية تتحدث عن طردهم من تلك الأراضي والبلاد ومع ذلك فإنهم لا يخشونها، ما داموا متمسكين بأسس عقيدتهم الصحيحة، وذلك لأن المسيحيين لم يلتزموا بتشريعاتهم ولا بالعقيدة التي أتاهم بها المسيح، ولا ينفذون شريعة الانجيل وأحكامه، بل يلتزمون بقوانين روحية ودنيوية خاصة تعارض تلك الموجودة في الانجيل الحقيقي الذي تمتاز جميع أوامره وشرائعه بالعدل والقداسة. أما الشريعة والعقيدة التي وضعوها وابتدعوها فمحرفة وجائرة، تم وضعها لتحقيق المنفعة والمصلحة التي تخالف شرع الله، وبرر المسلمون أن ما فيه المسيحيون من اضطراب وشقاء ما هو الا أمر كتبه الله عليهم لظلمهم وشرورهم. ويتحدث شيلتبرغر عن تحول الكثير من المسيحيين الى الاسلام، ويذكر بالتفصيل أركان هذه العملية، حيث يقف الشخص المسيحي أمام جميع الرجال ليرفع اصبعه قائلاً بصوت عال"لا اله الا الله، محمد رسول الله"ثم يتوجه ناحية الشيخ ليكرر هذه الشهادة أمامه ويتوجب عليه انكار الديانة المسيحية. ثم يلبسونه ثوباً جديداً، ويربط الشيخ عصابة جديدة على رأسه ومن ثم يبدو مسلماً. اذ كانت عصابة المسيحيين زرقاء واليهود صفراء. ثم يقومون باركابه فرساً، ويسير العوام أمامه، والشيوخ خلفه في موكب يضج بالطبول والصنج والمزامير، ويأخذ المسلمون في البكاء احتفالاً بهذه المناسبة، وكذلك في التهدج وتمجيد النبي محمد. بينما يردد المرتد عن المسيحية وراء الشيوخ"لا اله الا الله والمسيح عبده ومريم أمته ومحمد خير رسله". وبعد أن تنتهي جولتهم الصاخبة في جميع شوارع المدينة يأخذونه في النهاية الى المسجد من أجل اتمام ختانه. ثم يبدأون في جمع الصدقات له ان كان فقيراً. كما يخصه الأمراء باهتمام خاص، ويغدقون عليه الأموال من أجل ترغيب المسيحيين في ترك دينهم واعتناق الاسلام. واذا أرادت امرأة أن ترتد عن المسيحية، يتم أخذها أيضاً الى الشيخ، لتردد الكلمات السابقة، قبل أن يأخذ الشيخ بزنارها ويشقه نصفين ويجعله على شكل صليب. وعليها أن تنكر الديانة المسيحية. ويستمر الفارس الأسير شيلتبرغر في روايته التحريضية ضد الاسلام والعثمانيين المسلمين، وحث القوى المسيحية الأوروبية على مهاجمة العثمانيين واسترداد الأراضي المسيحية في الامبراطورية البيزنطية والبلقان، حيث يتطرق لصلاة الجمعة عند العثمانيين المسلمين، فيذكر أنه بمجرد انتهائها ترتج جنبات المسجد، عندما يرفع المصلون أياديهم بالدعاء لأن ينتقم الله من المسيحيين... مرددين خلف الامام"... اللهم فرق جمعهم! اللهم شتت شملهم!!". * مؤرخ مصري.