هم بحسب تعبير واحد منهم، حفنة من اناس يؤدون مهمة لا يريدها احد.. أو بالأحرى لا يريدها احد على الشكل الذي يريدونه هم. إنهم نقاد السينما العرب.. مجموعهم لا يتعدى الدزينتين، منتشرون بين مدن عربية عدة. يعرفون بعضهم بعضاً. ويتحدثون عن الأفلام بحماسة مع بعضهم بعضاً. وحين يكتبون يفوتهم أنهم غالباً ما يكتبون فقط ليقرأوا بعضهم بعضا. هذا حين يكتبون نقداً حقيقياً. أما حين يخبرون أو يمدحون او يسطحون كتاباتهم.. فما اكثر القراء! سمير فريد هو واحد منهم. ولعله في رأي كثر، عميدهم. يبدو، مثل كل اهل السينما من الذين لا يمضون عمرهم تحت الأضواء، دائم الشباب على رغم تجاوزه الستين. هو الأكثر حضوراً والاكثر تفرغاً في هذه المهنة، منذ اكثر من أربعة عقود. أسس مجلات وأقفلها. نشر كتبا وأعاد نشرها. رأس مهرجانات وانسحب منها. كتب مقالات وجمعها ثم فرقها. يقيس ذكرياته على وتيرة المهرجانات التي يحضرها أكثر من خمسين، وعلى وتيرة الصداقات التي يقيمها. أسمه أول اسم يخطر على البال حين يفكر احد بالنقد السينمائي. السينما تفرحه. والسياسة تغضبه. بدأ ماركسياً جمهورياً.. وهو الآن يناصر أميركا ويحن الى عهود الملوك. تناقض؟ أبداً.. بحسب رأيه."كل ما في الامر أن الخيبات تكاثرت الى درجة ضيعنا معها البوصلة"يضيف. بالنسبة الى زميله الشاب وائل عبدالفتاح، آن الاوان لأن يصدر أحد كتاباً عن سمير فريد، بعدما اصدر هو كتباً ودراسات عن العشرات، بمن فيهم شكسبير، أستاذه الكبير ومثله الأعلى. وهذا الكتاب صدر اخيراً بالفعل عن منشورات"المهرجان القومي"الحادي عشر للسينما المصرية، في عنوان"سمير فريد: مغامرة النقد".. وهو على شكل حوار طويل بين فريد وعبدالفتاح، مضافاً اليه ملف كامل حول كتب سمير فريد ونشاطاته وحياته، وصور بالعشرات تجمعه بأصدقائه. يستهل عبدالفتاح كتابه بمقدمة يتطرق فيها الى مغامرة النقد التي خاضها سمير فريد طوال خمسة عقود. يقول:"هذه مغامرة النقد. في الستينات لم يكن هناك نقد سينمائي. كانت الكلمة غريبة على اوساط الفن والصحافة. كان هناك محرر فني مشغول بالأخبار الفنية أو الدعاية للأفلام... النقاد هم كتاب يكتبون انطباعات عابرة عن الأعمال الفنية. لم يكن لفكرة النقد السينمائي المعتمد على منهج مكان في الصحافة العادية. سمير فريد اختار الصحافة. اختيار اوقعه بين سطوة المؤسسات السياسية الكبيرة وبين مزاج لم يتعود على فكرة نقد الأفلام الصحافة الفنية كانت مغرمة بتتبع أخبار النجمات والتسلي بالنميمة.. وفقط. كما كانت السينما في اول عهدها بالقطاع العام. أي ان الدولة دخلت بشكل مباشر في ملعب إنتاج الأفلام. في الوقت الذي يتخرج جيل جديد بأفكار متمردة ومشاغبة.. وتحتاج الى ملاعب مختلفة. وموقع الناقد بين كل هذه التقاطعات... وفي مرمى كل المؤسسات الدولة، شركات الإنتاج، الجمهور، نظام النجوم. والنقد جزء من الصحافة. والصحافة مهمتها توجيه الجمهور..." إذاً لم تكن المهمة سهلة بالنسبة الى سمير فريد وزملائه من الذين اختاروا النقد السينمائي كما عرفوه في الصحافة الغربية لا"النقد السينمائي"الذي كان يملأ صفحات الجرائد والمجلات. مهمة، لا بل مغامرة يحدثنا عنها سمير فريد من خلال أسئلة واجوبة، تملأ صفحات مشوقة، خاتماً إياها بالقول:"إنني لا اتوجه بمقالي للفنان. إنني أتوجه بعملي للقارئ المتفرج لعلي ألفت نظره الى اشياء تساعده على تلقي العمل الفني على نحو افضل بحكم تفرغي لذلك العمل وبحكم عدم تفرغه.. هذا هو الناقد بتعريف إليوت، وهذا هو الناقد كما أفهمه... إنه متلق جيد... او يفترض انه جيد، ينقل تلقيه الى الآخرين... إنه لا يتفوق على المتلقي العادي، ولكنه يعرف تاريخ الفن وأسرار لغته، ولهذا يمكن أن يقدم للمتلقي العادي مفاتيح لا يراها... ربما لا يراها...".