فيما تراوحت ردود الفعل في الساحة الحزبية في إسرائيل على خطاب رئيس الحكومة ارييل شارون في الأممالمتحدة بين التنديد والانتقادات الشديدة في أوساط اليمين وسدنة المستوطنين وبين الترحيب الى درجة التهليل في صفوف الحزبين الكبيرين"شينوي"و"العمل"، أجمع كبار المعلقين في الشؤون الحزبية على أن شارون ألقى"خطاب الانفصال والوداع"عن حزبه"ليكود"وحدّد الخطوط العريضة لسياسة الحزب الجديد الذي سيقيمه ليمثل"تيار الوسط". قاد وزير المال الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو حملة معسكر المتشددين في حزب"ليكود"الحاكم ضد زعيم الحزب رئيس الحكومة ارييل شارون على خلفية مضمون خطابه في الأممالمتحدة مساء أول من أمس، فاعتبره تأكيداً نهائياً على أن شارون يميل لتطبيق سياسة اليسار الإسرائيلي و"تقديم المزيد من التنازلات، أي اقتلاع المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية وطرد سكانها من منازلهم". وأشار الى أن الخطاب لم يتضمن الحديث عن إصرار إسرائيل على تعزيز الكتل الاستيطانية الكبرى من الضفة الغربية، وأن شارون استرسل في الحديث عن"حقوق الفلسطينيين"من دون أن يتطرق الى الاستحقاقات الإسرائيلية من الفلسطينيين. وتابع أن"ليكود"لا يرفض فكرة التخلي عن مناطق فلسطينية محتلة وليس معنياً بالسيطرة على الفلسطينيين"إنما معني بالحصول على شيء مقابل أي انسحاب". وأضاف غامزاً من قناة شارون، ان الاختبار الحقيقي للسياسي لا يكمن في التمتع بشعبية دولية قصيرة المدى، بل بتأكيد"المواقف والمصالح الوطنية"، وعندها سيحظى الزعيم باحترام وتقدير حقيقيين. ورأى أحد أركان معسكر المتمردين داخل"ليكود"ميخي رانسون، أن خطاب رئيس حزبه جسّد سياسة اليسار الإسرائيلي وأن"شارون أعلن عملياً الطلاق من ليكود". وقال"مجلس المستوطنات"إن رئيس الوزراء يتبع سياسة خاطئة ستقود إسرائيل الى التنازل عن كل المستوطنات وتعيد إسرائيل الى حدود العام 1967. واضاف بيان صادر عن المجلس، أن شارون"الذي جلب الخراب على مستوطنة نتسريم لن يتردد في ممارسة المراوغات الايديولوجية هذه المرة أيضاً من دون أن يرف له الجفن ويجلب الدمار على المستوطنات ويجزئ العاصمة". في المقابل، دافع القائم بأعمال رئيس الحكومة ايهود أولمرت عن شارون، وقال للإذاعة الإسرائيلية إن رئيس حكومته ألقى"خطاب مصالحة وأمل"، وأنه يريد اتمام مهمة حياته"بتأمين شروط بقاء إسرائيل ومستقبلها ووفقاً لرؤيته". ورفض اعتبار الخطاب"وداعياً وطلاقاً من ليكود"، وقال إن التيار المركزي في الحزب يدعم شارون"من منطلق المسؤولية عن أمن الدولة ومستقبلها". وزاد انه لا يعرف أحداً في إسرائيل يكفر بحق الفلسطينيين في إقامة دولة"هي ضرورة لا يمكن التنصل منها. من لا فقه ذلك، فإنه لن يدرك الواقع الذي يعيشه القادة المُلقى على كاهلهم مصير الشعب الإسرائيلي والدولة". ورحب زعيم حزب المتدينين المتزمتين ابراهام رابيتس بخطاب شارون ووصفه ب"الخطاب اليهودي الأسمى الذي ألقاه رئيس حكومة إسرائيلية"، مضيفاً أن حركته"يهدوت هتوراه"ستدعم كل من يضمن المستقبل اليهودي للدولة. ورحب زعيم المعارضة البرلمانية رئيس حزب"شينوي"يوسف لبيد بتصريحات شارون، وقال إن الخطاب كان"خطاباً سياسياً رائعاً عبّر فيه شارون عن طموح لتحقيق السلام وبدد المخاوف من أنه سيستغل المنصة لتملق متمردي حزبه". وقال الوزير العمالي بنيامين بين اليعيزر إن شارون تبنى عملياً سياسة حزب"العمل"القاضية بوجوب التخلي عن حلم أرض إسرائيل الكبرى من أجل تحقيق السلام الحقيقي. واضاف زميله الوزير اسحق هرتسوغ ان الخطاب يشكل الأرضية لمواصلة الشراكة الحكومية بعد التفاهم مع"ليكود"وشارون في شأن الخطوات السياسية المقبلة. من جهته، انتقد زعيم حزب اليسار"ياحد - ميرتس"يوسي بيلين خطاب رئيس الحكومة، وقال إن اليد الوحيدة التي مدّها شارون كانت لمركز"ليكود"، وانه عملياً لم يقدم أي اقتراح سياسي جديد"إنما بقي راكناً حيث هو منذ الانسحاب من غزة، ونقل الكرة الى الملعب الفلسطيني من دون أن تكون لديه النية لاسترجاعها". ... والإعلاميون يجمعون أنه"خطاب طلاق" إعلامياً، اتفق أبرز كتبة الأعمدة في الصحف العبرية أمس، على أن شارون ألقى في خطابه في الأممالمتحدة ب"كتاب الطلاق"من حزبه"ليكود"الذي أقامه بنفسه قبل 28 عاماًَ، وأنه خلافاً للتوقعات، لم يعبأ بحركة التمرد ضده داخل الحزب ولم يتملق"المتمردين"على رغم الاجتماع الساخن الذي ينتظره في مركز الحزب في 26 الجاري، موعد بدء المعركة الرسمية لمناهضي سياسته لإطاحته. وكتب ناحوم بريناع وشمعون شيفر في"يديعوت أحرونوت"أن شارون عمد الى إلقاء"خطاب اجماع ووفاق... اجماع في البيت حول فكرة أرض إسرائيل، لكن بموازاة التنازل المؤلم عن أجزاء منها... مع السلام والمصالحة مع الشعب الفلسطيني، لكن قبل ذلك مع اقامة جدار فاصل بيننا وبينهم... مع إقامة دولة فلسطينية لكن ليس قبل دحر الإرهاب ووقف التحريض وثقافة الكراهية". وأشارا الى تأكيدات شارون"على عدم التنازل عن حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية في حدود قابلة للدفاع وبأمن ومن دون تهديد الإرهاب". ولفتا الى أنه كرر ثلاث مرات في خطابه مسألة"وحدة مدينة القدس". وكتب المحرر في الصحيفة سيفر بلوتسكر أن شارون وجه خطابه لمصوّتي اليسار والمركز من دون تضمينه أي فقرة تملق لناخبي"ليكود"التقليديين. ورأى في مضمون الخطاب انزياحاً عن المركز الايديولوجي ل"ليكود"، وتحركاً نحو اليسار"ما ينهي عملياً زعامته للمعسكر اليميني الصقوري في إسرائيل". وزاد أن شارون القى خطاباً"بيريزياً"أي تبنى المواقف المعتدلة لزعيم حزب"العمل"شمعون بيريز. وزاد:"منذ أمس الأول لم يعد شارون يعتبر أعضاء ليكود ويكترث بمواقفهم... لقد أخذ يرعى في حقول أخرى". وختم المعلق أن شارون هيأ في خطابه للفوز في الانتخابات البرلمانية المقبلة على رأس حزب جديد طرح الخطوط العريضة لبرنامجه السياسي:"من على منصة الأممالمتحدة، ودع شارون حزب وأرض إسرائيل الكاملة". وعزا المعلق في"هآرتس"آلوف بن"اعتدال"خطاب شارون، الى ادراك الأخير أنه خاسر معركته داخل"ليكود"،"فتوجه الى طريق جديدة، الى جمهور ينشد السلام والهدوء ومستعد للانفصال عن أراضٍ فلسطينية". وأضاف أن شارون ذكّر في كلامه ب"الخطابات السلمية"لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق اسحق رابين. ورأت معلقة في"معاريف"أن شارون بدا"ناضجاً"أكثر من أي وقت مضى لإقامة حزب جديد بعد أن اختار طريقاً وليس حزباً ليكود.