تجمعت كل التناقضات في المشهد السياسي المصري بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت الاربعاء الماضي بفوز مرشح الحزب الوطني الرئيس حسني مبارك بنسبة 88.5 في المئة من مجموع الاصوات الصحيحة التي اقترع أصحابها، وحلول رئيس حزب"الغد"الدكتور أيمن نور ثانياً بحصوله على 7،6 في المئة وحصول رئيس حزب"الوفد"الدكتور نعمان جمعة على نسبة 2،9 حل بها ثالثاً. فالحزب الوطني احتفل بالفوز ونظم، بعدما اعلن رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات المستشار ممدوح مرعي النتيجة، مسيرات في المحافظات المختلفة طافت احداها مساء أول من امس حول منزل مبارك الذي يستقبل اليوم أعضاء ونواب الحزب في البرلمان، وسيلقي عليهم بياناً ينتظر أن يعلن فيه خطوات تنفيذ البرنامج الذي خاض الانتخابات على أساسه، أما نور فأصر على التشكيك في النتائج وقرر اللجوء إلى القضاء ساعياً الى ابطالها وإعادة الانتخابات مرة اخرى، متحدياً"الوطني"ومبارك، وكذلك أمين لجنة السياسات في الحزب الحاكم جمال مبارك. أما"الوفد"فيبدو أنه سينشغل في الفترة المقبلة بأوضاعه الداخلية بعدما ساد الاحباط أوساط الحزب إثر مجيء رئيسه جمعة ثالثاً بعد نور. ويستعد البرلمان المصري لاستقبال الرئيس المنتخب الاربعاء المقبل ليؤدي اليمين الدستورية ليمارس مبارك بعدها مهامه لولاية خامسة بخطاب سياسي لنواب البرلمان المصري والشعب يتوقع أن يؤكد استمرار سياساته الاقتصادية والاجتماعية، وتعهده تنفيذ برنامجه وسعيه الى حل مشكلة البطالة والمضي في الاصلاحات السياسية. ويستعد الحزب الوطني لعقد مؤتمره السنوي الرابع في 29 ايلول سبتمبر الجاري على مدى ثلاثة ايام برئاسة مبارك لإقرار برنامجه الانتخابي لخوض الانتخابات التشريعية. ورغم الهزائم التي لحقت بالاحزاب السياسية ممثلة برؤسائها، إلا أن جمعة ونور ورئيس حزب الحر الدستوري ممدوح قناوي ورئيس حزب الأمة احمد الصباحي ورئيس حزب الوفاق رفعت العجرودي ورئيس حزب مصر 2000 فوزي غزال ورئيس حزب الاتحاد ابراهيم ترك ورئيس حزب مصر العربي الاشتراكي وحيد الاقصري رفضوا تقديم استقالاتهم عقب هزيمتهم في الصندوق الانتخابي، وبرر كل منهم اسباب فشله بأنها خارجة عن ارادته وتعود الى أعمال التزوير التي ارتكبها الحزب الوطني. وقال جمعة إنه كان عازفا عن الترشيح ولكنه خضع لإرادة الهيئة العليا للحزب وقبله رغم انه كان يعلم مسبقاً بالنتائج. وعزا الاقصري اسباب الهزيمة الى التزوير، بينما أوضح شلتوت ان الاستقالة غير واردة، ورفض الصباحي الاستقالة، واعتبر ترك الهزيمة بأنها تجربة وليست سقطة سياسية. ورفض نور تقديم استقالته مؤكداً أن حزبه لا يزال ناشئا ولكنه حقق كسباً كبيراً في الشارع السياسي، وليس من حق الحزب عند خسارة معركة الجلوس في البيت وانتظار الفرج، بل يجب الاستعداد للمعارك القادمة خصوصاً انتخابات مجلس الشعب في تشرين الثاني نوفمبر المقبل. وعقد نور مؤتمراً صحافياً أمس أعلن فيه رفضه نتائج الانتخابات التي اعتبرها"غير معبرة عن الواقع مطلقاً"، وأكد أن نسبة المقترعين"لم تصل الى 23 في المئة"، وتوقع أن يعلن نادي القضاة قريباً تقريراً"يكشف ذلك الأمر جلياً"، وقال إن الأصوات التي حصل عليها حتى مساء أول من أمس كانت تقترب من 32.5 في المئة ولم يتبق سوى ثلاث محافظات لم يتم فرزها، وتساءل"كيف يحصل مبارك على نسبة 88 في المئة". ورحب نور بالمشاركة في حكومة ائتلافية اذا عرض الأمر عليه"ولكن بعد الرجوع الى الهيئة العليا للحزب"، وأعلن أنه سيعقد مساء اليوم اجتماعاً طارئاً لأعضاء الهيئة العليا للحزب لبحث الاجراءات التي يمكن اتخاذها ازاء ما حدث في الانتخابات الرئاسية. ووجهت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أمس في تقريرها حول الانتخابات انتقادات حادة إلى لجنة الانتخابات الرئاسية، واعتبرت أنها"أحد أهم مصادر إرباك عملية الاقتراع"، واستغربت تشكيل اللجنة وصلاحيتها الفضفاضة وتصريحات مسؤوليها التي اعتبرت انها"كادت تطيح بمجمل العملية الانتخابية"، مشيرة إلى قرار اللجنة استبعاد عدد كبير من القضاة واستبدالهم بمحامين يعملون في الحكومة وهيئة قضايا الدولة. ولاحظ التقرير حدوث تجاوزات ابرزها استخدام الجهاز الإداري لوسائل المواصلات بالهيئات الحكومية وهو ما يتعارض مع القانون. ورأى التقرير أن الكشوف الانتخابية"كانت المعضلة الأساسية في العملية الانتخابية"، لافتاً إلى اختلاف الكشوف الانتخابية التي حصل عليها المرشحون عن تلك التي تسلمتها اللجان الانتخابية. وقال التقرير"اتضح جليا أن الحزب الوطني استطاع أن يحشد أنصاره معتمداً على قواعده وتنظيماته في حين خلت غالبية اللجان من أي من مندوبي المرشحين". وقال الأمين العام للمنظمة السيد حافظ أبو سعدة ل"الحياة": إن"ما حدث من انتهاكات أو تجاوزات لا يفقد الانتخابات مشروعيتها"، وأقر بأن ما جرى لم يكن يؤثر على النتيحة النهائية"لوجود فوارق ضخمة في النتائج بين المرشحين".