تعطل الريموت - كونترول لدي وأصبت بحيرة شديدة: كيف عليّ أن أجلس ملء الكنبة وأمدّ قدميّ مسترخياً وبين يديّ هذه"الآلة"الصغيرة التي تخوّلني التنقل من محطة الى أخرى أو الانتقال من عالم الى آخر وسع"الخريطة"الفضائية. وطوال ليالٍ تحولت الى مشاهد"قديم"يلزم نفسه بالنهوض كلما أراد تبديل قناة أو البحث عما يهوى مشاهدته... وكنت كلما ضجرت من محطة نهضت من جديد بحثاً عن محطة أخرى ثم الى الكنبة من جديد، وهكذا دواليك. خلال تلك الليالي اكتشفت فعلاً سطوة الريموت - كونترول والدور الرئيس الذي بات يؤديه في حياتي، كمواطن صالح يجلس أحياناً أمام الشاشة الصغيرة ليتفرّج على مشاهد من العالم، تختصرها أمام عينيه صور بالألوان ولقطات وتحقيقات وبرامج. ليس هو الكسل الذي جعلني أهوى هذه الآلة الصغيرة مع انني كسول فعلاً في النهوض عن الكنبة عندما أشاهد التلفزيون، بل هناك أمرٌ يتخطى مسألة الكسل، يمكن وصفه ب"السحر"الذي يمارسه الريموت - كونترول جاعلاً مني مثلاً سيداً حراً قادراً بكبسة زر أن أغير"الصورة"المبثوثة أمامي. وبهذه الآلة أيضاً أشعر بأنني قادر على الانتصار لمحطة دون أخرى، أو لبلد دون آخر، وكأنني أعيش لحظات المشاهدة مثلما أريد وليس مثلما تفرضه عليّ محطة ما. وتذكّرت خصوصاً أيام ما قبل الريموت - كونترول، عندما كنا ندير الشاشة ونبحث عن المحطات بأصابعنا نمررها على العلبة الواقعة في أسفل الشاشة. لكن القنوات في تلك الأيام كانت محصورة جداً ولم تكن تتخطى الثلاث وإحداها بالفرنسية على ما أذكر. هذا طبعاً في لبنان الذي يقال انه أول من أسس محطة تلفزيونية في العالم العربي. هكذا لم نكن نحتاج الى أن نقوم ثم نقعد ثم نقوم... الآن تغيّر الأمر تماماً وأصبح الريموت - كونترول سلطة بذاتها. ما لا يعجبك تقضي عليه بلحظة ثم تفتش عما يعجبك. وأحياناً تتمتع فقط بكبس الأزرار واستعراض المحطات استعراضاً مجانياً من غير أن تركز على محطة واحدة. والآلة الصغيرة هذه تخولك أيضاً أن تشاهد أكثر من محطة في وقت واحد، إن كنت تملك تلفزيوناً حديثاً جداً. إنها السلطة المتوهمة التي تستمدها من الريموت - كونترول، هذه الآلة أو هذا الشر الذي لا بد منه. بضع كبسات ثم تسافر عبر العالم، عبر المحطات، تجتاز الحدود في ثوان، مغامراً من غير أن تترك الكنبة التي تتربع عليها كرئيس"مخلوع"لم يبق له سوى هذه السلطة... سلطة الريموت كونترول.