"إي أر تي" السينما تعرض الفيلم الواحد مرات عدة خلال اليوم الواحد وعلى امتداد فترة زمنية تتخطى الشهر وتكاد تطاول الأشهر. تبثه وتعيد بثه، تفصل بين عرض وآخر بعدد من الفيديو كليبات التي لا تنتمي بالضرورة إلى آخر إصدارات الغناء. نجوم كعمرو دياب ونوال الزغبي في صور حفظت لهم عن أغنية كانت ضاربة يوماً ما، فتستعيدها قناة السينما، كفاصل ترفيهي لا يسعى لمنافسة قنوات التخصص الموسيقي، قبل أن تعود لبث الفيلم الحديث الإصدار، الفيلم الواحد. ليس بوسع "إي أر تي" السينما أن تتميز من خلال تخصصها في بث الأفلام، فللأفلام قنوات كثيرة، تتنافس في ما بينها، تسعى للتميز من خلال: أبيض وأسود أو آخر إصدارات الألوان، عيد ميلاد فنانة أو برامج تناقش الأفلام أو تستضيف الفنانين أو تمنح أحدهم برنامجاً... وسائل كثيرة لاستقطاب المعجبين لا يبدو أن "إي أر تي" السينما معنية بها. هذا هو الفيلم وسنبثه كثيراً فتتابعونه متى شئتم. ومن جهتها أعلنت شاشة "موفي تشانل" عن قناة أنشأتها تبث الأفلام ذاتها التي تعرضها القناة الأم لكن بعد مرور ساعة زمنية على بدئها. لن تأسف لمتابعة فيلم من منتصفه، أمامك فرصة لتتابعه كاملاً. أما "إي أر تي" السينما فلا تحد نفسها بزمن، تعيد وتستعيد بلا عذاب ضمير، تفرض نفسها كفريدة من نوعها من دون منافس. وهي غير معنية بالتنويع. التنويع يتخذ فيها طابعاً عمودياً: تكرار عرض فيلم أول واحد، في حين أن الحياة التنافسية التلفزيونية تستلزم طابعاً أفقياً: عرض واحد أو عرضين لأفلام كثيرة. ومن هنا، ربما، يمكن تمييز ملامح علاقة مستجدة تنشأ بين التلفزيون والمواطن: التلفزيون بات من المسلّم به في حياة المواطن، القنوات المتخصصة مسلّم بها، الفضائيات في كل بيت أيضاً، هكذا سيطر الهدوء على شبكة شديدة المنافسة لدرجة أن تنتج قناة تتخصص في عرض الفيلم الواحد. ما عاد البث مفاجئاً، وإنما هو التكرار الهادئ الذي ينأى بنفسه عن منافسة عقيمة، فالتلفزيون هنا وباق ومسيطر ولن يهرب، فلمَ العجلة والتشنج عند البث؟ وإضافة إلى ذلك، تؤدي "إي أر تي" السينما دوراً مرادفاً في تصنيف الأفلام. عاش فيلم "اللمبي" فترة زمنية أطول من تلك التي عاشها "الرغبة"، وبطلته نادية الجندي. ما يعني أنه يمكن اعتبار "اللمبي" فيلماً، كمسرحية "مدرسة المشاغبين"، يصلح للمتابعة المتكررة، كحدوتة الشاطر حسن، تعاد وتكرر إذ ان قيمتها لا تكمن في التشويق. ف"اللمبي" هو اسم يطلق، شعبياً، على شخصية الشاب المصري الفقير إبن مصر القديمة، "البلطجي" الذي يتمتع بالقلب الطيب. وترجمته التلفزيونية غنية بتفاصيل تلك "الشخصية"، كخصوصية تقدّم كاملة على الملأ، فلا تسأم عين من تملّك تفاصيلها. كما أنه فيلم يستخدم الكوميديا كعنصر يرافق المنتوج السينمائي كما يرافق الحياة العادية فيحلو حفظ تفاصيل تلك الكوميديا، إطاره الاجتماعي هو حياة الأكثرية الساحقة الغائبة سينمائياً من العرب، الحلم فيه يكاد يلامس حدود المعقول وإن تخطاها تكون المفاجأة حاضرة في الفيلم وخارجه. أما "الرغبة" الذي لم يشهد مدة عرض "قياسية"، فهو دراما سينمائية، قصة ذات بداية ونهاية، مساحة الحلم فيها معدومة، مساحة الضحك فيها معدومة، مساحة التراجيديا فيها كالقدرات التمثيلية يمكن استهلاكها من متابعة المرة الثانية. هدوؤها يملي على المتفرج هدوءاً شبيهاً، هدوءاً يشبه التسليم لها بزمام السلطة، كرباط مقدس، كإدمان، كأكثر الشاشات قدرة على تغييب الإرادة، على تهميش دور الريموت كونترول، كأكثر الشاشات قدرة على ممارسة التنويم المغناطيسي. كتكرار هادئ لعرض واحد، لا يتغيّر.