أسئلة واستفسارات كثيرة بدأت تطرح أخيراً في بعض الدول المنتجة للنفط حول جدوى زيادة الطاقة الإنتاجية من النفط الخام وبناء مصافٍ جديدة لمقابلة زيادة الطلب العالمي. والسؤال المطروح من البعض هو: ما هي الجدوى الاقتصادية لذلك؟ أليس من الأفضل الإبقاء على المعدلات الحالية من الإنتاج والاستفادة القصوى من الأسعار الحالية وخلق ميزان دقيق في الأسواق النفطية بالكاد يلبي الطلب والنمو العالمي المتزايد على النفط؟ هذه الأسئلة المطروحة في بعض وسائل الإعلام بحاجة إلى أجوبة واضحة وصريحة لكي نستطيع أن نوازن بين وجهتي نظر الدول المنتجة والمستهلكة للنفط معاً". هناك من يقول أن الدول المستهلكة للنفط قد تكون مسؤولة عن ارتفاع الأسعار وذلك بسبب طلبها المتزايد وعدم قدرتها على تخفيض الاستهلاك. وقد أدت هذه الظاهرة إلى ارتفاع الأسعار إلى أكثر من 70 في المئة منذ منتصف العام الماضي. وما زالت أسعار النفط في ارتفاع طالما استمر الطلب العالمي المتزايد على النفط من دون وجود طاقات إنتاجية فائضة وطاقات تكريرية ملائمة. وللحقيقة، لم يتوقع أحد أن يتزايد النمو عليه بهذه المعدلات، ولكن دخول المستهلك الجديد"العملاق"الصيني، غير الفرضيات القديمة ليصل الطلب العالمي على النفط إلى 84 مليون برميل يومياً وليتزايد بنحو اثنين في المئة سنوياً. وهناك من يقول أن المطلوب في الوقت نفسه هو أن تزيد الدول النفطية من معدلات إنتاجها، وخصوصاً دول أوبك، حيث أن الدول النفطية من خارج المنظمة تنتج بكامل طاقتها. وليس بمقدورها في الظروف الحالية زيادة إنتاجها بكميات ضخمة تلبي الارتفاع المتوقع في الطلب العالمي. ومن ثم، سيعتمد العالم مستقبلاً على نفوط دول الخليج العربي والتي تمتلك أكبر كميات من الاحتياطات النفطية المؤكدة. وبالنسبة للدول المنتجة، يتضح أنه من الصعب جداً على أي دولة نفطية تخفيض أو التوقف أو حتى عدم زيادة الإنتاج لأن الاعتماد العالمي على النفط في تزايد مستمر وفي جميع أنماط حياتنا اليومية، وخصوصاً في قطاع المواصلات. ومن ثم، فأن أي خفض عن المعدلات الحالية سيؤدي إلى مشاكل كبيرة في الوقت الراهن. وقد استثمرت بعض الدول المصدرة منذ سنوات في بناء مصاف ومحطات وقود في الدول المستهلكة. وهي ما زالت تبحث عن أسواق جديدة واعدة. وآخر مشروع في هذا المجال هو بناء مصفاة جديدة في الصين بمشاركة شركتي أرامكو السعودية وإكسون موبيل الأميركية، ما يعني شراكة واستثمار ومصالح مشتركة بين المنتج والمستهلك على المدى الطويل. إن الجدوى الاقتصادية هنا تنطلق من أن زيادة الإنتاج هو مطلب عالمي طالما أن هناك استمرارية في نمو الطلب على النفط وطالما أن الزيادة في معدلات الإنتاج لن تؤدي إلى تخمة في الإمدادات النفطية. لقد حاولت بعض الدول المستهلكة الحد من معدلات الطلب على النفط وذلك بفرض ضرائب عالية ما بين 45 و70 في المئة. ولكن على رغم ذلك، لم تستطع أن تقلص أو أن تخفض من نمط ومعدلات الاستهلاك. فقد استطاع المستهلك التأقلم والتعامل مع الضرائب العالية، ورجع إلى قيادة السيارات الكبيرة والتي تحرق كميات ضخمة من البنزين. في الوقت نفسه، فإن مسؤولية دول أوبك، بحسب ميثاقها وتصريحات الوزراء المسؤولين عنها، هو استقرار أسعار النفط.. ومن ثم، يتوجب على دول المنظمة زيادة إنتاجها بمعدلات مناسبة ومن دون تردد في الوقت الحالي، والمساعدة في إعادة الاستقرار إلى الأسواق العالمية، وذلك ضمن سياسة تحقق مردوداً مالياً مناسباً، ومع استعداد الشركات النفطية العالمية المشاركة والاستثمار في مجال التنقيب والبحث عن النفط تحت شروط ونظم عالمية عادلة للطرفين. لكن من الصعب في الوقت نفسه أن نتوقع من الدول المنتجة الاستثمار أيضاً في بناء مصاف جديدة لتلبية زيادة الاستهلاك في الدول الصناعية، وخصوصاً مع القوانين والنظم الصارمة المفروضة حالياً والتي لا تشجع الربحية في هذا الجزء من الصناعة. فلو كان هذا القطاع من الصناعة مربحاً في الدول الصناعية لكانت الشركات المحلية استثمرت فيها. وعلى رغم كل هذا، فإن أسعار النفط سترتفع بشكل متواصل اذا لم يجر بناء وتحديث مصافي التكرير في الدول المستهلكة. وفي هذا المجال، لا تفتأ الدول المنتجة تؤكد أننا جميعاً مع الحفاظ على البيئة وعلى الصحة ومع إصدار القوانين الصارمة في هذا المجال. ولكن في الوقت نفسه، يتوجب على الدول المستهلكة أن تشجع وتساهم وتوفر التسهيلات المالية والقانونية لبناء وتحديث المصافي. لكن من نافل القول، أن بناء مصاف عالمية جديدة ليس من مسؤوليات الدول المنتجة. فهذا النوع من الاستثمارات يعتمد في نهاية المطاف على المردود الاقتصادي لهذه المشاريع. أما زيادة معدلات البحث والتنقيب عن نفوط جديدة وزيادة الإنتاج فهي فعلاً من مسؤوليات جميع الدول المنتجة للنفط من دون استثناء. كاتب ومحلل نفطي.