أخيرا، وصلنا الى حلقة الاستنتاج اذا ما كان قرار ايقاف التنقيب عن النفط سديدا؟ بالتأكيد لن تكون اجابتنا قاطعة بغياب الارقام الدقيقة التي تحسم مدى فائدة هذا القرار من عدمه. لكن الطلب العالمي في المديين المتوسط والطويل لا يحفز على الاستثمار في التنقيب والاستكشافات مع وجود كميات كبيرة من الاحتياطيات لدينا على أساس المعطيات الحالية واحتمالية ألا تكون الأسعار المستقبلية أفضل بكثير من الأسعار الحالية بل قد تكون أسوأ إذا ما تم حسابها بقيمتها الحالية والحقيقية. وهذا يتوافق مع مصالح الأوبك بألا ترتفع الأسعار إلى الدرجة التي تعزز من الجدوى الاقتصادية لبدائل الطاقة الأخرى وتضعف النمو الاقتصادي العالمي. كما أن مخزون النفط العالمي مازل يكفي ل 40 عاما بمستوى الإنتاج الحالي، وسوف يعزز من عمرها ارتفاع كفاءة استعمال بدائل الطاقة الأخرى. لا سيما أن كثافة استخدام الطاقة ما يعني مقدار الطاقة المستخدمة لإنتاج السلع والخدمات، أو استهلاك الطاقة لكل دولار من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في الدول المستهلكة للنفط قد تغيرت. فإذا ما استبعدنا التغير في كثافة الطاقة نتيجة لتحولات الهيكلية وأخذنا التغير نتيجة لرفع كفاءة الاستخدام، لوجدنا أن إجمالي استهلاك الطاقة في الولاياتالمتحدة وكذلك إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في أوائل الخمسينيات والسبعينيات ارتفعا بنفس المعدل بأقل من 1% سنويا، بينما ظلت أسعار النفط الحقيقية ثابتة خلال نفس الفترة. لكن تلك العلاقة تغيرت في منتصف السبعينيات وحتى 2008م، بعد أن ارتفع استهلاك الطاقة بأقل من ثلث متوسط معدله السابق، بينما استمر إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في النمو بمعدل تاريخي. إن تلك الفجوة بين النمو الاقتصادي ونمو الطاقة الاستهلاكي أدى إلى انخفاض كثافة استخدام الطاقة بمتوسط 2.8% بين 1973م-2008م. ليستمر ذلك التناقص بمتوسط نمو 1.9% سنويا من 2008م إلى 2035م، طبقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية في 2010م، وذلك في حالة تحقيق الاقتصادي الأمريكي نموا قويا. إن فرصة التنقيب واكتشافات حقول إضافية قد لا يكون مجديا، بعد أن تم اكتشاف معظم الحقول النفطية واحتمالية ارتفاع معدل فشل التنقيب عن النفط بعد ذلك. فعلى سبيل المثال، ارتفع معدل فشل حفر الآبار لشركة شيفرون تكساكو من 10٪ في 2008م إلى 35٪ في 2009م. كما توقعت شركة كونوكو فيلبس أن يتصاعد معدل الفشل من 32٪ في 2008م إلى 43٪ في 2009م. فكلما ارتفعت معدلات الفشل كلما ارتفعت تكاليف العثور على حقول نفطية جديدة تحل محل ما تم ضخه من باطن الأرض. هكذا يعتمد الاستثمار في المستقبل على معدل الفشل باحتمالية وجود حقول جافة، فما هو معدل فشل التنقيب لدينا بناء على المعلومات التاريخية؟. كما أن قضية الاحتباس الحراري مازالت تؤرق المخططين لعمليات الاستثمار في التنقيب، حيث إن الضغوط العالمية تطالب بخفض إنتاج الهيدركوربانت من اجل سلامة البيئة. وهذا يتبعه خفض في الاستهلاك والإنتاج وفرض المزيد من الضرائب على صادرات النفط واستخداماته مما سوف يبطل أي ميزة نسبية ناتجة عن انخفاض تكاليف الإنتاج التي تتمتع بها بعض دول الأوبك مقارنة بالدول الأخرى المنتجة للنفط. ولعلنا نستقي العبرة من شركات المصافي الأمريكية التي لم تقم ببناء أي مصفاة جديدة منذ 34 عاما، حيث كانت آخر مصفاة تم بناؤها في لويزيانا في 1976م، مع أنها تعمل في المتوسط عند طاقات إنتاجية قصوى لا تقل عن 90% من طاقاتها الإنتاجية، فلماذا؟ هل هذا ينذر بأن شيئا يلوح في أفق مستقبل النفط في المدى المتوسط، فماذا عن المدى الطويل؟. لقد أصبحت المصافي الأمريكية غير مربحة مع محاربة أصحاب البيئة والقوانين لها وكذلك ارتفاع تكاليف بناء المصفاة الواحدة التي في العادة تتراوح ما بين 2 إلى 4 مليارات دولار إلى ما يقارب 20 مليار دولار خلال العقد القادم لخفض نسبة الكبريت في البنزين وأنواع الوقود الأخرى. إن معدل هذه الصناعة على المدى الطويل من العائد على رأس المال ليس سوى 5٪ أقل من ما يمكن أن تحققه ببساطة من شراء سندات الخزانة الأميركية. * عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية * عضو الجمعية المالية الأمريكية