نزل الخبر على سلوى كالصاعقة. الصبية البالغة 18 عاماً، كانت تهيئ برفقة زملائها في القسم لحفلة نهاية السنة الدراسية. وكانت منهمكة في وضع اللمسات الأخيرة على مسرحية من فصل واحد كلفت بإخراجها. وكان من المفترض أن تضطلع بدورها الرئيس حينما ظهرت نتائج البكالوريا واكتشفت أنَّ رقمها غير موجود في قائمة الناجحين. تقول سلوى:"أعترف أنّني لأول مرة أجد نفسي في مواجهة مقرر صعب، لأنني سابقاً كنت أستوعب بسهولة كل ما أتلقاه في الفصل، هذه السنة واجهتني بعض الصعوبات. أضف إلى ذلك أنني هذا العام انشغلت كثيراً بهوايتي المسرح اذ قدمتُ مسرحيتين في الثانوية وشاركت مع فرقة للهواة في دار الشباب في عمل مسرحي عرضناه أكثر من مرة. وهو ما أخذ مني الكثير من الوقت والجهد والتركيز. لكنني مع ذلك لم أكن أتصور ولو للحظة أنني سأعيد السنة. هذا غير ممكن. لقد أعطيت كل شيء هنا في الثانوية وكنت أتوق إلى الانتقال إلى فضاء الجامعة الأرحب. لا أعرف صراحة كيف سأعود السنة المقبلة إلى هنا لأجلس إلى جانب صبيان وصبايا أصغر مني لأتلقى الحكايات نفسها التي درستها هذه السنة. صدقني، حينما أفكر أن علي العودة في أيلول سبتمبر المقبل، أحس بالإحباط ويجافيني النوم." رشيد أستاذ سلوى في مادة التربية الفنية والمشرف على النشاطات التربوية في الثانوية التي تدرس فيها، أعرب عن أسفه لرسوب إحدى ألمع تلميذاته. لكنّه في الوقت عينه، قلل من خطورة الأمر. وقال:"سلوى صبية موهوبة، ومن المؤكد أنها قد طورت نفسها وإمكاناتها كثيراً في المجال المسرحي هذه السنة. أما على مستوى الدراسة، فالمؤكد أنها إذا ما تجاوزت جرحها النرجسي فستستفيد كثيراً من الاعادة. لأن ليس مهماً أن تذهب إلى الجامعة فقط، بل أن تكون مؤهلة بشكل جيد لولوج غمار الحياة الجامعية. والتكرار سيفيدها كثيراً في تطوير مداركها وتحسين مستواها لتنجح السنة المقبلة بمعدل أفضل". ويضيف:"المهم أن أجتمع مع والدي سلوى لأن من المهم أن يقف إلى جانبها في هذه المحنة، وألا يُشعرها بأن تفانيها في المسرح هو سبب رسوبها." طبعاً الرسوب ليس نهاية العالم، بل قد يكون نقمة في طيها نعمة، كما هي الحال بالنسبة إلى سهام البالغة 21 عاماً. سهام اليوم طالبة جامعية متألقة. حازت البكالوريا العام الماضي بدرجة جيد. لكنّ لها قصتها الخاصة مع الرسوب. تحكي سهام:"كنتُ تلميذة عادية لا أكاد أهتم لشيء. كنت أنجح باستمرار لكن بنقاط متواضعة جداً. لم أكن أتطلع إلى شيء وكنت أقبع في ركن صامت في القسم. كنت أذهب إلى المدرسة بحكم العادة فقط. ببساطة لأن كل الأطفال يجب أن يذهبوا الى المدرسة. لكنني كنت أفعل ذلك بلا طموح أيضاً. لكن في السنة الرابعة إعدادي، وجدْتُنِي مطالَبةً بتكرار القسم. لا يمكنك أن تتخيل وقع الصدمة علي. لم أتحمل أن يتركني أصدقائي وصديقاتي الذين درست معهم في الفصل نفسه في السنوات الثلاث الأخيرة خصوصاً أنني فتاة خجولة ومنطوية قليلا. سيكون من الصعب علي أن أنسج صداقات أخرى جديدة. كان ذلك بالنسبة الي بمثابة سقوط في بئر. بكيت العطلة كلها. وعندما بدأ الموسم الدراسي الجديد، وجدتني وسط تلاميذ يعرفون بعضهم بعضاً وكنت غريبة بينهم. كنت في حالة نفسية صعبة. لكنني وجدت نوعاً من الملاذ في الدروس. اكتشفت أيضا وأنا أتلقى من جديد دروس السنة الماضية عينها أنها بدأت تنفذ إلى عقلي بسهولة. أنهيت تلك السنة بحصولي على أعلى معدل في القسم. ومذاك الحين وأنا متفوقة في دراستي حتى الآن. واعتقد أن رسوبي في وقت مبكر ساعدني في الخروج من خمولي السابق واكتشاف طاقات خلاقة كانت كامنة في داخلي." ليس الرسوب إذن إخفاقاً كما يتخيله كثيرون. فقد يكون الخطوة الأولى في اتجاه سلسلة من النجاحات كما هي الحال في تجربة سهام. لكن طبعاً يجب على الآباء أن يكونوا في مستوى التعامل مع هذه التجربة الصعبة والدقيقة. فرسوب التلميذ ليس نهاية العالم، إنه مجرد تعثر قد يستفيد منه كثيراً سواء على المستوى الدراسي أم على مستوى بناء شخصيته. لكن بعض الآباء أحياناً يحولونه مع الأسف وسيلة دمار نفسي شامل. فيبالغون في اشعار أبنائهم بالذنب وفي تجريحهم بشكل يُفقدهم احترامهم لذواتهم وثقتهم في أنفسهم، ويجعلهم يكرهون المدرسة ويتبرمون منها، ويفقدون تلك الرغبة في التحصيل التي من دونها يصير الذهاب إلى المدرسة مجرد مضيعة للوقت. في أحيان كثيرة يتفانى التلاميذ في دراستهم ليس اقتناعاً منهم في ضرورة العمل بجد بل لإرضاء آبائهم. وهو ما يجب على الآباء التعامل معه بحذر. إذ يجب عليهم ألا يستغلوا هذا الشعور لدى أبنائهم من أجل إسقاط نجاحاتهم وإخفاقاتهم عليهم. فعلى الأب الناجح ألا يطالب ابنه بأن يكون لامعاً مثله. إنه فعلا شخص آخر وسيكون له مساره الخاص بالتأكيد. لذا على الأب أن ينسى قليلاً أسطورته الشخصية ويترك ابنه يرسم مساره الخاص وإن كان أقل بطولية وتألقاً. على الأب الذي سبق له أن عاش فشلاً ما في مجال ما ألا يتوقع من ابنه تحقيق ما عجز هو عنه. فإخفاقات الآباء ورغباتهم في تصفية حساباتهم مع هذه الإخفاقات من خلال أبنائهم عادة ما تقصم ظهر الأبناء وتمنعهم من أن يعيشوا تجاربهم الخاصة وفق اختياراتهم وميولهم واهتماماتهم الذاتية. إن إرضاء الآباء حافز أساس للتلاميذ ومحرض فعال لهم على التفاني في العمل. لكن عندما يتزعزع استقرار الأسرة، فإن أموراً كثيرة تهتز داخل التلميذ. خالد البالغ 18 عاماً رسب هذه السنة على رغم مساره الدراسي المتألق، مما شكل مفاجأة صادمة للجميع. ويقول:" في الحقيقة ليس هناك أي سر. في امتحان البكالوريا وقعت في المواد الرئيسة من دون أن أكتب أي شيء، على رغم أن الاختبارات كانت كلها في المتناول. طبعا لدي نقط ممتازة في المراقبة المستمرة، لكنها لم تكن كافية لمقاومة الأصفار التي حصلت عليها في الامتحان النهائي."لكن ما سر هذا الانتحار المجاني يا خالد؟"لم يكن ذلك مجانياً. لقد تفاقمت المشكلات في البيت، وأمي وأبي على وشك الطلاق الآن. كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنني أن أدق بها ناقوس الخطر علهما يتخلصان من أنانيتهما ويتذكران أن لهما ابناً يحتاجهما معاً إلى جانبه.