في الاول من تموز يوليو الجاري، ألقى المستشار الالماني غيرهارد شرودر خطاباً كان ليمنحه ثقة الألمانيين في ظروف مختلفة. وجاء كلامه فخوراً وصريحاً، ورفيع المستوى على ما هو كلام رجل الدولة. ولم يتجنب موضوع الانتخابات المبكرة التي اعتبرها وسيلة لحل وضع معقد. وسعى هذا المستشار المقيد بمعارضة متطلبة، الى أن يحرره الشعب من قيود المعارضة، والى الانسحاب في حال الفشل في تحقيق ذلك. ومسعاه هذا خيار شخصي جدير بالاحترام، ومفهوم سياسياً، ولكنه يسبب مشكلة على الصعيد الدستوري. وتكمن المشكلة في إغفال شرودر الشرخ بين التوجه الذي اتبعه الى يومنا هذا، وقيم العدالة الاجتماعية التي استند إليها في خطابه. وقدم شرودر نفسه على أنه مدافع عن توازن سياسي، وهو توازن لو احترم لما طرحت مسألة الثقة بالحكومة. وكان غيرهارد شرودر مستشاراً كبيراً لارتكابه أخطاء كبيرة. فضخامة أخطائه تتماشى مع ضخامة المهمة الموكلة إليه. وبينما اكتفى سلفه بالكلام على الاصلاح، بادر شرودر الى الاصلاح. وكان متردداً عند مباشرته الاصلاح، ثم شجاعاً ومتهوراً. فشرودر هو سلطوي الحزب الديموقراطي - الاشتراكي. وفي حين رفع جيل الحزب الذي يترأسه شرودر شعار"الاقدام على تعزيز الديموقراطية"جوهراً للسياسة، أقدم شرودر على تعزيز الاصلاحات في ألمانيا، وأهمل تعزيز الديموقراطية في حزبه. وفاقت إصلاحات شرودر في وقت قليل ما أنجزه المستشار الالماني السابق، هلموت كول، في ستة عشر عاماً. وفي العامين المنصرمين، بذل شرودر قصارى جهده لفرض هذه الاصلاحات، وخسر ثقة الحزب الديموقراطي - الاشتراكي قبل إحالة هذه الاصلاحات على المجلس التشريعي. وفي حين لا يتحمل الديموقراطيون - الاشتراكيون السلطوية، يعتبر سلوك شرودر السلطوي نموذجياً في أوساط الحزب المسيحي الديموقراطي. وعلى غرار هيلموت شميدت الذي سهل وصول حزب الخضر الى البرلمان، سهّل شرودر وصول حزب يساري جديد الى البرلمان. وإذا استثني شرودر، لم يسبق لمستشار في تاريخ الجمهورية الفيديرالية النجاة من سلسلة من الهزائم الانتخابية. وتعود نجاة شرودر الى انتهاجه سياسة خارجية قوية وسيادية يشعر الالمان، وبينهم الحزب الديموقراطي - الاشتراكي، بالامتنان لتجنيب شرودر بلادهم الحرب على العراق، والى تعزيز الامن الداخلي، والى حسن عمل حزب الخضر في مجالين أساسيين البيئة والزراعة. وكان نجاحه في خفض مستوى البطالة الى النصف ليحسن حصيلة حكمه السيئة. ولكن شرودر خال أن التوجه نحو النيوليبيرالية كفيل بخفض مستويات البطالة، ولكنه فشل في ذلك، ودمر سمعة الحزب الديموقراطي - الاشتراكي كحزب مختص بالشأن الاجتماعي. وأمسى الشعب الالماني يفضل إصلاحات حزب أنجيلا مركيل المسيحي الديموقراطي على إصلاحات الديموقراطيين - الاشتراكيين. هيريبرت برانِتل، سودوتش زايتونغ الألمانية، 6/7/2005