إحداث هيئة فتوى في المغرب له بعدان: ديني وسياسي. وفيما ينحصر الأول في تقويم مفهوم الاجتهاد بين أسلمة المجتمعات وتحديث الإسلام وفق تفعيل دور علماء الدين بعلاقته مع تطورات العصر، ينصرف الثاني الى تحديد مجالات التصادم بين التشريعات والقوانين الوضعية. والاقرب الى ذلك، في حال المغرب، تقصي دلالات صدور تصريحات عن السيدة نادية ياسين، نجلة الشيخ عبدالسلام ياسين مرشد"العدل والإحسان"، حول النظام الملكي في المغرب وإمارة المؤمنين. ومع أن طرح الاشكالات المرتبطة بالدين والتطرف والإرهاب تطاول حدود التقيد بالنصوص واستبدال مفاهيم دار الإسلام ودار الكفر بمصطلحات الأوطان وضرورات التعايش ومجالات الصراع، فالأكيد أن الظاهرة الإرهابية تنامت في غير الفصل بين الدين والمواقف السياسية. ليس لكون فهم الدين وتأويل مرجعياته ينطلق من فرضيات قاصرة فقط، ولكن لأن انتاج ثقافة التطرف جعل تفسير الدين تدميراً للآخر الذي يوصف عادة بأنه جائر ومحتل ومتغطرس تصح مقاومته بكل الوسائل. في حين أن الآخر الذي يبشر بمفاهيم الديموقراطية والتقدم يعمد الى تجاهل دور العقيدة في الامتداد التاريخي والحضاري للدول الإسلامية. وبذلك يلتقي الخطآن عند نقطة استمرار الصراع بين داري الإسلام والكفر، بما يعني التقاء منظورين متطرفين في تكييف مقولة الدفاع عن النفس، من دون استثناء أن مفهوم دار الكفر ينسب أحياناً الى دار الإسلام نفسها. وما يباعد بين هذه المواقع سوء تفاهم ثقافي وحضاري وسياسي، زادتعه الأزمات المستشرية في عمق العالم الإسلامي تعقيداً. لكل مجتمع استحقاقاته، وفي الوقت الذي تعاني دول عربية وإسلامية من معضلات ترتبط بغياب الديموقراطية وتعثر النماذج التنمية وتذبذب الخيارات السياسية والاقتصادية، تصبح الحرب على التطرف قضية وطنية بمواصفات واقع كل دولة. لكنها في امتدادات الخارجية تتحول الى قضية كونية يناهضها القانون الدولي والشرائع السماوية والأخلاق الإنسانية. وإن كان الأرجح أن الصعوبات التي اكتنفت تحديد مفهوم الإرهاب وعزله عن المقاومة المشروعة التي تتعددت وسائلها بتعدد النزاعات والحروب واهانة كرامة الإنسان، حالت دون استئصال المنابع الحقيقية للإرهاب. ثمة عداء متعدد الأضلاع يتوازى في استحكامه مع استمرار الحرب على الإرهاب. والأصل في ذلك أنه يتغذّى من مظاهر التوتر والاستسلام الى مشاعر الغضب والاحباط من الرباط الى أفغانستان. ومن غير الوارد تلطيف هذه المشاعر المتأججة بمجرد إعلن نيات احتواء التوتر والتبشير بالديموقراطية المقبلة، ما لم ترتبط بحلول جذريى للمشاكل الكبرى في غياب الأمن والسلام والاستقرار واستقلالية القرارات. وليس أصعب من أن ينظر المرء الى تاريخه فيراه عرضة للتشويه، والى جغرافيته فيرى أنها ممزقة. أو الى مغارته فيلاحظ أنها باتت دونية بلا حضور ولا هوية ولا وجود. كون الأخطر في التشخيص يكمن في الاستفزاز والاحتقار. لكن تجربة المغرب في إحداث هيئة فتوى، حتى وإن بدت مغرقة في المحلية والاختبار الذاتي، فإنها تتوخى معاودة الاعتبار لدور رجال الدين في العالم الإسلامي، كونهم الأقرب الى تمثل الاشكالات المرتبطة بالأبعاد الدينية لمظاهر التطرف والمغالاة. غير أن ذلك لا يعفي أهل السياسة ورجال الثقافة ومكونات المجتمع من اعتبار الحرب على التطرف قضية العصر. وكما أن لا شيء يبرر القتل الغادر لأبرياء في لندن أو الدار البيضاء أو الرياض أو نيويورك أو القاهرة، فإن لا شيء يبرر اسقاط الحلول الوطنية للمشاكل في ارتباطها بحلول أكبر لأزمات تفرخ الاحباط واليأس.