اُخذت الكثير من الحكومات الوطنية في اوروبا بالدهشة عندما اعلن"غوغول"محرك البحث الشهير على الانترنت، عن مشروع"مطبعة غوغول". ويشمل المشروع رقمنة نحو عشرين مليون كتاب باتت خارج اطار الحماية الفكرية بالتقادم، ووضعها في صيغة ملفات رقمية. وتبلغ كلفة المشروع، الذي قد يستغرق نحو عشرة اعوام، ما يقارب مئتي مليون دولار. وبالنسبة الى تلك الحكومات، بدا"غوغول"وكأنه ارتكب جرماً بيّناًَ: ثمة شركة من القطاع الخاص تسعى لوضع القسم الاساسي من الارث المكتوب للبشرية، في تصرف كل فرد. وعلى نحو مجازي، ايقظت مبادرة"غوغول"صورة المكتبة اللانهائية التي طالما حلم بها الكاتب الارجنتيني خورخي بورخيس. وبدت المبادرة وكأنها نسخة رقمية حديثة من مكتبة الاسكندرية الخرافية في العالم القديم. وفي المقابل، فانها تعاكس مجريات الامور راهناً على الانترنت، لانها تسعى الى توثيق معلوماتها، ربط الكتب بالنقد الذي كُتب عنها. ولذا، فانها تعتبر خطوة كبرى نحو دمقرطة المعرفة في الفضاء السبرنتيكي. ان الآثار التي قد تتولد من هذه الديموقراطية الرقمية تفوق التصور، خصوصاً ان الدمقرطة قد تمتد لتشمل مجالات اخرى مثل الترفيه والمعلومات على الشكبة الالكترونية. يمكن العثور على شبيه لمبادرة"غوغول"في ما حدث قبلاً بالنسبة الى مشروع الجينوم البشري. حينها، ادت الاندفاعة القوية لمستثمر من القطاع الخاص، الاميركي ديك فنتر، للاسراع بانجاز تفكيك الشفرة الوراثة للانسان الجينوم. المفارقة ان فنتر حفز مشروع الجينوم عبر استخدام مكثف للتكنولوجيا، مما ادى بالحكومات المشاركة في ذلك المشروع الى تسريع العمل فيه مع القبول بالتنسيق مع شريك من القطاع الخاص. ويبدو الامر مختلفاً قليلاً في رقمنة الكتب. وتظهر مبادرة"غوغول"ان العائق الاساس يتمثل في العنصر البشري، أي في الايدي التي يجب ان تحمل الكتب الى آلات المسح الضوئي، وتقلب صفحاتها بصبر، الواحدة تلو الأخرى، للحصول على صور رقمية لكل صفحة. ولم يؤد استخدام"غوغول"الروبوتات الى تجاوز العائق البشري، ولم تسرع الاعمال الا بنسبة ضئيلة جداً. اذن، الأمر يقتضي توظيف المزيد من الايدي لانجاز الرقمنة، وذلك ما لا يصعب الحصول عليه راهنا في ظل البطالة الكبيرة في اوروبا. هل تحفز مبادرة"غوغول"دول اوروبا لانجاز ما توجب عليها فعله قبل اكثر من عشر سنوات؟ ان دمقرطة ارث المكتبات الفرنسية، ووضعها بتصرف العالم، تتطلب تعبئة مئتي شخص، وإنفاق عشرات الملايين من اليورويات سنوياً. لقد تمكنت المكتبة الوطنية الفرنسية، عبر موقعها للكتب الالكترونية"غاليكا"، من رقمنة سبعين الف كتاب خلال السنوات العشر الماضية. اذن، فقد وضعت"مطبعة غوغول"الحكومات الاوروبية امام الجدار. فهل يستحيل على المؤسسات الاوروبية الكبرى تخصيص بضع مئات من اليوروات سنوياً، لرقمنة الارث الاوروبي ووضعه في تصرف الانسانية جمعاء؟