لم تعد مهرجانات صيف الأردن في أعوامها القليلة الماضية مشابهة لصورتها التي عرفت عنها قبلاً، وصارت أماكن الصدارة المحجوزة لمهرجانات عرفت شهرة عربية واسعة، عرضة للتغيير. وقبل إعلان أي من المهرجانات الصيفية في المملكة عن نشاطاتها أو عن أسماء الفنانين المشاركين فيها رسمياً، يدور التساؤل عن الأماكن التي ستحتلها هذه المهرجانات على الخريطة التي شهدت تغيرات درامية كثيرة. فلسنوات زادت عن العشرين، كان مهرجان جرش للثقافة والفنون عنواناً للمهرجانات الصيفية في الأردن، واستضاف أسماء لامعة في المجالين الفني والثقافي. ولم يستطع مهرجان الفحيص للثقافة والفنون، الذي يقام في مدينة الفحيص القريبة من مدينتي عمّان وجرش، خلال نحو عشر سنوات من التواجد في الساحة، أن يفرض نفسه منافساً لجرش، على رغم استضافته لأسماء مؤثرة في المشهد الغنائي تحديداً، وهو سر نجاح"جرش"الأساسي. وخلال السنوات الأخيرة زاد عدد المهرجانات، وبقي منها ما بقي، واندثر ما اندثر. لكن هذا التطور والنمو الطبيعي لعدد المهرجانات المحلية الطابع في غالبيتها، ليس هو أساس تغير الخريطة، وإنما ظهور مهرجانات استطاعت سحب البساط من تحت أقدام المهرجانين الأولين، الأكثر شهرة، والحلول في مكانهما، ووضعهما في الخلفية... تمهيداً لنقلهما إلى"المتحف". على أن تراكم الخسائر المالية التي تكبدها مهرجان جرش أخيراً وعدّلت في خط سيره، وبدّلت كثيراً من خططه، لم تكن هي القشة التي قصمت ظهره، بقدر ما هي تلك المنافسة الشديدة التي عاشها في الأعوام الأربعة الماضية تحديداً مع مهرجان سوق عكاظ الذي يقام في عمّان، ثم المنافسة الأخرى التي عاشها العام الماضي مع مهرجان"ليالي روتانا"ضمن فاعليات القرية العالمية - وهو على كل حال ليس في منافسة مع المهرجان فقط، وإنما أيضاً مع شركة الإنتاج الغنائي الأبرز في الساحة العربية. بالنسبة إلى جرش، كانت المحاولة إيجاد صيغة توازن بين دوره كمهرجان فنّي، بالمعنى الذي تشهده ليالي المسرح الجنوبي للمدينة الأثرية، ومهرجان ثقافي، باستضافته شعراء ونقاداً عرب ومسرحيات وفرقاً موسيقية لإقامة فاعليات مجانية. وبغض النظر عن جدوى هذه"الصيغة التوافقية"التي يحاول المهرجان جاهداً وضع نفسه ضمن إطارها، فإن الوقت والمال لم يكونا ليسمحا برسم إطار مناسب، فكانت النتيجة دخوله في خانة المنافسة مع مهرجانات"شابة"وفرت على نفسها هذه المعادلة، وتخصصت في أمر أحد هذين الشقين. فمهرجان الفحيص صار يعتمد في شكل أكبر على الجانب الثقافي، ويعقد الندوات والمحاضرات في سبيل الابتعاد عن المنافسة المباشرة مع مهرجانات الصيف، وخلق حالة من التفرد. أما المهرجانات الأخرى التي انطلقت في غالبيتها بناء على نجاح مهرجاني جرش والفحيص على المستوى العربي، فإنها لم تستطع في المجمل الخروج عن إطارها المحلي الضيق، ومنها ما لم يسمع به مواطنون لضيق محليته. ولهذا لم تشكل هذه المهرجانات خطراً على"جرش"و"الفحيص"، وكل ما استطاعت فعله هو إضافة مجموعة زركشات على صعيد"صورة"مهرجانات الصيف في المملكة. لكن الانقلاب الحقيقي حدث مع قدوم مهرجان سوق عكاظ قبل أربع سنوات، واضعاً نفسه في المقدمة دفعة واحدة، مستفيداً من مشكلة"الهوية"التي يعاني منها مهرجان جرش الضائع بين الثقافة والفنون، إضافة إلى تدهور وضعه المادي، ومستغلاً ابتعاد مهرجان الفحيص عن المنافسة الفنية في سنواته الأخيرة. جاءت كل هذه الرياح لتسيّر سفن المهرجان الذي يقام برعاية قرينة العاهل الأردني الملكة رانيا العبد الله. فضلاً عن كونه نجح في استضافته فنانين ذوي أوزان على الساحة الفنية، وفرقاً للموسيقى والرقص من أنحاء متفرقة من العالم يصعب استضافتهم في مهرجانات أخرى قليلة الموارد. والنجاح الذي يعيشه مهرجان سوق عكاظ الذي يعد نفسه ليكون في المرتبة الأولى بين المهرجانات الفنية، مهدد من"ليالي روتانا"الذي يقام على مسرح ضخم ومجهز بتقنيات حديثة، أقيم خصيصاً للمهرجان في عامه الأول. والفتور الإعلامي الذي قوبل به المهرجان في نسخته الأولى ينتظر أن يسخن ويزداد سخونة هذا الصيف، على رغم أن أسماء المشاركين لم تعلن بعد، على غرار بقية مهرجانات الصيف، وإن كانت أسماء كثيرة ترددت في الآونة الأخيرة يرجح أن تكون ضيفة على صيف الأردن الساخن ومهرجاناته، لتسهم من جديد في تشكيل الخريطة المهرجانية الأردنية المتقلبة.