خيم الصمت والهدوء على المكان - بيت دمشقي معاصر في منطقة التجارة - ولم يعد يسمع من صوت سوى صوت ممثل شاب يجلس على مقعد متحرك، يواجه شاباً آخر، ثم يعنف واحدهما الآخر، وفجأة يصدر المخرج - هيثم حقي - كلمة إعادة. يرانا حقي ويلوح بيده، ونكتفي نحن بالسير على رؤوس أصابعنا خوفاً من أن نصدر صوتاً يتذمر منه الجميع، خصوصاً أننا نعد من المتطفلين. لكن حقي يأتي إلينا مرحباً، ويلبي طلبنا في أخذ مساحة صغيرة من وقته ومن وقت شخصيات مسلسله الجديد"الشمس تشرق من جديد". يصور المسلسل قصة فتاة تأتي من الريف الى المدينة، للدراسة والعمل، ما يدخلها في علاقات اجتماعية مع شخصيات تعاني معظمها حالات يأس نتيجة الظروف المحيطة بها، من هنا تواجه مرام اسم الفتاة تحولات في سياق العمل والحياة الاجتماعية الجديدة. أما آخر شخصية تلتقي بها فهي"عابد فهد"الذي ينتمي إلى الطبقة الأرستقراطية وهو فقد الأمل في إمكان التغيير في الواقع العربي. يقول حقي لپ"الحياة"إن دور البطولة للفنانة مي اسكاف في الحلقات الأولى للعمل، إضافة إلى الفنان نضال نجم، وجرجس جبارة يقوم بدور صاحب دار النشر وزوجته - ليلى سمور - وفي سياق حديثه يقول حقي:"إن الشخصية الرئيسة في العمل - صبا مبارك - تضفي بعض الشمس على حياة هذه الشخصيات التي تعيش وسط حالة من الظلام، بحيث ان العمل سأل: هل ستشرق الشمس من جديد؟ انه السؤال الذي يطرحه كل العرب اليوم، عارفين ان هناك بصيص أمل تبعاً لمقولة سعد الله ونوس"نحن محكومون بالأمل"". هيثم حقي اتجه منذ أعوام قليلة نحو الأعمال المعاصرة، بعد سلسلة طويلة من الأعمال التاريخية والتي تتناول مرحلة النهضة العربية ومنها تحديداً:"هجرة القلوب الى القلوب"،"القسام"،"الثريا"و"خان الحرير". وعن هذا يقول:"الأعمال المعاصرة هي محاولة للإقناع بالواقع، وبأن ما يراه الناس حقيقة". وأضاف:"أنا مؤمن بخطين أساسيين أولهما خط النهضة المجهضة، وقد حققت في هذا الخط أعمالاً عدة، عالماً انه خط صعب جداً، لأنه يتعلق بالقرن التاسع عشر. خضنا معارك من أجل النهوض، فكانت تتصدى لنا دائما أسباب خارجية وداخلية، وكنت أقول إن السبب الداخلي قوي جداً للنكسة، أما السبب الخارجي فيأتي مبرراً مثل احتلال العراق. وكتبت حول هذا الموضوع وقلت إن أميركا لها مصالحها، لكن العامل الداخلي هو العامل الأكبر. والنهضة عندما تنهض فهي تنهض مع هذين السببين". ويتابع حقي:"اما الجانب الاجتماعي فبدأته في السينما بپ"التقرير". وأطلق عليه اسم الديموقراطية الاجتماعية، ضمن الحديث عن اتجاه يعد من أهم الاتجاهات التي قادها خالد العظم في خمسينات القرن الفائت، هو الذي أظهرته في مسلسل"خان الحرير"، وأنا أسعى في نقاشاتي مع نهاد سيريس الى إعطاء هذا الخط الأهمية الكبرى، لأنه الخط الذي بنى النهضة في كثير من دول العالم. وهو يدعو الى التطوير الاجتماعي وفي الوقت نفسه، يدعو الى التساوي أمام القانون، كمحاولة لتحقيق الديموقراطية من جهة، والعدالة من جهة أخرى. وأنا عندما وعيت تماماً هذا الخط بدأت أحقق الأعمال التي تسير فيه مثل مسلسل"ذكريات الزمن القادم"،"الخيط الأبيض". ويضيف حقي:"لقد كبرنا، ولم يعد هناك زمن فائض، لذا يجب أن نسير في الخط الذي يهمنا، لذلك رفضت بعض الأعمال ذات الصلة بالخط الآخر". وإذا كان حقي يحمل الدراما مسؤولية التغيير، وزرع الأمل، فهذا الأمل كما يقول، ضعيف، لأن الوصول الى ما تحدث عنه أو يدعو إليه يحتاج إلى تراكم، وهو لا يؤمن بأن الفن يؤسس حركات شعبية. الفن على حد قوله يساعد على التراكم،"أما الناس فهم الذين يفكرون ويجدون طريقهم". وعن هذا قال:"هدفنا الإشارة الى وجود مشكلة كبيرة، ومحاولة التأثير عاطفياً على الناس، من أجل فهم الواقع، والسعي الى تغييره. الفن إذاً، أداة من الأدوات الدافعة للتغيير، وليست أداةً مثلما كانت الواقعية الاشتراكية تعتقد". وقال هيثم حقي في اختتام حديثه انه يحضر عملاً مصرياً، وسيسافر الى القاهرة لإجراء التحضيرات النهائية لإخراج مسلسل"أحلام في البوابة"، عن نص للكاتب المصري أسامة أنور عكاشة، وتقوم ببطولته الفنانة سميرة احمد، وهو من إنتاج صفوت غطاس المعروف بانتاجاته المتميزة في السينما والدراما العربية.