على رغم ان الشكل الذي يعرفه الجمهور للفنانة السورية أمل عرفة، يضعها في قائمة النجمات السوريات، الا ان الشيء الذي لا يعرفه الجمهور العادي عنها هو انها صاحبة مشروع فني وثقافي متعدد الاتجاهات. فهي تعمل على الكتابة للتلفزيون وعلى انجاز مشروعها الغنائي الذي أثبتت من خلاله حضوراً متميزاً. فقد تربت أمل في بيت والدها سهيل عرفة الملحن السوري المعروف، وقدمت قبل دخولها المعهد العالي للفنون المسرحية، مجموعة من الأغاني تقول أنها كانت بمثابة طريق شهرة لها في سورية وفي الوطن العربي وصارت تردد كنشيد وطني. وبعد ذلك قدمت خمسة ألبومات آخرها كان بعنوان "على أحر من الجمر" مع شركة "ميغا ستار" ونالت جوائز عدة عن أغانيها: جائزة في مهرجان الأغنية العربية في تونس عن اغنية "زارني"، وجائزة أفضل اداء نسائي في مهرجان الأغنية العربية في أبو ظبي عن اغنية "بلاك"، وجائزة أفضل اداء وحضور مسرحي نسائي في مهرجان الأغنية السورية عن اغنية "غزالة". اما التمثيل فقد بدأته امل وهي ما زالت تدرس في المعهد، وكانت بدايتها مع المخرج هيثم حقي، ومن ثم مع سليم صبري، ومأمون البني. وبعد ان تخرجت في المعهد اشتهرت كممثلة من خلال اعمال كوميدية وتاريخية واجتماعية تعتبرها محطات مهمة في مسيرتها الفنية، كمسلسل "عيلة خمس نجوم" لهشام شربجي ومسلسل "الجوارح" لنجدة انزور و"خان الحرير" بجزءيه الأول والثاني لهيثم حقي ثم مسلسل "بنت الضرة" لبسام سعد و"حمام القيشاني" لهاني الروماني و"الخوالي" لبسام الملا. ثم كانت تجربة مسلسل "دنيا" الذي كتبته بنفسها ولعبت فيه دور البطولة وحقق انتشاراً واسعاً، حالياً هناك الكثير من المشاريع الفنية والثقافية والخاصة التي تعيشها امل، وحولها كان حوار "الحياة" معها: منذ سنوات وانت تعملين في حقول فنية عدة: التمثيل، الرقص الاستعراضي، الغناء، الكتابة. وعلى رغم نجوميتك فإن هذه النجومية لا نستطيع مقارنتها بنجومية الفنانات المصريات اللواتي عملن في المجالات نفسها كالفنانة شيريهان، برأيك لماذا لم تاخذ النجمة السورية حقها كمثيلتها المصرية؟ - مع الاحترام، أرفض تشبيهي، بأي كان وذلك لأسباب عدة، أولها انني عندما بدأت لم أتأثر بأحد بل كنت خائفة من التأثر بأحد، لأنني أردت صناعة شخصية منفردة خاصة بي، ولو كانت تجربتي تشبه أي تجربة اخرى لكنت قبلت عروض الفوازير طلباً للشهرة، لكنني لم أقبل، وتمت الاستعانة بعارضات ازياء لبنانيات بعد اعتذاري عن عدم تقديم الفوازير. نظرتي الى الاستعراض مختلفة وأوسع من ان تكون متوقفة على نوع الفوازير، وحتى الآن لم يتح لي المجال لتقديم عمل استعراضي لأنني أريد أن اصنع هذا العمل بشرطي الفني. هناك أمر آخر، هو ان مفهوم النجومية في سورية مختلف عن مفهوم النجومية في مصر، ففي مصر للسينما والدراما تقاليدها الخاصة وعراقتها، في مصر هناك تقاليد في صناعة النجوم منذ أيام يوسف بك وهبي وشادية وحتى الأيام هذه لا تزال صناعة النجوم قائمة. أما في سورية فلا يوجد هذا الشيء على رغم تعدد شركات الانتاج لأن شركات الانتاج لدينا ليست لديها خطة انتاجية موحدة بل تتخبط بين خطوط عدة من فانتازيا وتاريخي وواقعي اجتماعي وكوميدي، وهي تقلد بعضها بعضاً وتتبع مبدأ الربح اكثر من أي شيء آخر وهنا لا أستطيع التحدث ضمن هذه الظروف عن مفهوم النجومية بغياب المنهجية في شركات الانتاج وهذا ما ادى الى عجز حقيقي في صناعة النجم. في مصر يلمع اسم النجم بعد فيلم واحد، وهم يصنعون ورشات من اجل هذا النجم، وبعد فترة نكتشف أن هذا النجم قد لا يساوي شيئاً وقد يكون شيئاً مهماً، في سورية لا ينقصنا أي شيء هناك قدرات كبيرة وكفايات فنية عالية وأسماء مهمة من الممثلين حتى من جيل الشباب، لكن لا أحد يصنع لهم اسمهم. والنجوم السوريون الذين ظهروا استطاعوا ان يثبتوا انفسهم بشق الأنفس وبإخلاص وبنبالة وبعيداً من مفهوم الشللية، وأنا اجزم بأنني من هذا النوع، وقد صنعت نفسي بشرف عالٍ وجد واجتهاد ودراسة وهذا ما تربيت عليه في بيت والدي سهيل عرفة وهو ما جعلني أكتب "دنيا" وأصنع حالي الفردية، ما ادى الى ان اكتب تجربتي الثانية التي اعمل عليها حالياً في مسلسل اجتماعي يشبه الحياة بكل تناقضاتها. روح التنافس والنبل برأيك لماذا لا يوجد في سورية صناعة حقيقية للنجم؟ - لأن روح التنافس ينقصها النبل الكافي للصعود بمفهوم هذه المهنة التي اعتبرها من انبل المهن على وجه الأرض. تعتبرين نفسك صاحبة مشروع فني وثقافي، وكونك تقدمين هذا المشروع من خلال التلفزيون الذي يحمل اشكالية مزدوجة حول الترويج الاعلامي السيء ونقصان الكفايات التي تتيح تقديم ما هو جيد، كيف تحققين معادلة تحقيق مادة معرفية ومتعوية ضمن شروط العمل التلفزيوني غير المريحة؟ - لكل ممثل شروطه، عليّ قراءة النص وعليّ الاستيعاب، وهناك ممثلون موهوبون ولكنهم غير قادرين على قراءة النص بأبعاده الثقافية والسياسية وحتى يستيطع الممثل ذلك فهو بحاجة الى ثقافة وقراءة دائمة، وعلى المخرج ان يكون حريصاً في اختياراته، هناك بعض المخرجين الذين لا أقبل بالتعامل معهم، وحتى بعض شركات الانتاج، لأنني اعتقد ان هناك سوية فنية عالية ومطلوبة لقبولي للدور، حيث احافظ على اتصالي بالناس لتقديم ما هو جمالي ومتعوي ومعني بالواقع. وهل تعتقدين ان الدراما التلفزيونية تستطيع في مجتمعاتنا نقل الواقع او بعض الوانه؟ - الى حد ما، الدراما السورية قدمت كثيراً من الأعمال التي استطاعت أن تصل الى نبض الشارع السوري، أقول أحياناً، وليس في كل الأحيان وبخاصة في الأعمال الكوميدية التي ابتذلت اللهجة الشامية لتقديم كوميديا تهريجية. كما لا يخفى على احد التوجه الكبير نحو الدراما التاريخية البعيدة من الواقع. ولماذا هذا التوجه نحو الأعمال التاريخية؟ - هي عملية ربح من أجل شركات الانتاج على رغم ما سمعت من ان بعض الأعمال التاريخية لم يحقق الربح المطلوب وان دورة رأس المال فيها ضعيفة. أليست الرقابة المفروضة على تناول بعض مشكلاتنا الاجتماعية والسياسية سبب آخر يضاف الى الربح؟ - هذا ممكن، هناك فسحة تعطيني اياها الرقابة محاطة بأسوار من الممنوعات، وضمن هذه المساحة علينا ان نتحرك ونقول الرأي الخاص بنا. ولكن المبدع عندما يضع الرقابة ذريعة لابداعه، يفقد اسلحته الابداعية. واعتقد ان مشاهدنا من الذكاء حيث يستطيع قراءة ما بين السطور ومشاهدنا السوري تثار حساسيته عندما تعرض عليه القضايا في شكل واضح ومباشر وتعليمي. من واجب الفن ان يقول هذا يجب وهذا لا يجب، واجب الفن ان يعكس الواقع بصورة ابداعية ضمن رؤية الكاتب والمخرج والكاسيت الفني. اذاً أنت ترين في الفن محاكاة للواقع، هل غابت مهمته في تغيير الواقع؟ - بالتأكيد للفن دور في تغيير الواقع. قد لا نستطيع تغيير الواقع حالياً ولكننا نعمل على هذا التغيير، أحاول أن أضع بعض الخطوط الحمر حول الكثير من المشكلات التي يعاني منها واقعنا. هل تم في سورية تكريس تقاليد صناعة تلفزيونية شاملة؟ - حتى الآن، لا. هناك محاولات لترسيخ التقاليد والأصول وأصحاب هذه المحاولات قلائل وهم يغرّدون خارج السرب، وحتى هذه المحاولات الفردية لا تستطيع البقاء لأنها تبقى محاولات فردية، لكنني معها، لأنها تزرع في قلوب الممثلين الأمل بصناعة شيء مهم. مثل القطن ولماذا لا يوجد؟ - لغياب هذه الشروط، كما قلت ولعدم وجود التنافس الشريف بين شركة واخرى، بين نجمة ونجمة، بين نجم ونجم، كما هناك نقطة مهمة وهي ان الدراما السورية ليست حكراً على فرد وعلى شلة وكلنا في حال مسؤولية عنها، وبقليل من الوعي والأخلاق نحولها الى مشروع قومي. ما قصدك بمشروع قومي؟ - أقصد مفهوم الصناعة القومية، كتصنيع القطن مثلاً في سورية وتصديره، نستطيع ان نفعل الشيء نفسه بالنسبة الى الدراما أي أن تصبح دخلاً قومياً مهماً للبلد وتحقق الفائدة المرجوة منها من حال معرفية وثقافية واقتصادية معاً، كما يحدث في هوليوود. عندما تعي الدولة أهمية هذا المشروع تتحول الدراما الى صناعة مهمة، كما في مصر وما حدث في أيام جمال عبدالناصر، فقد كرس احترام الدولة للفن وكان يحضر حفلات أم كلثوم وعبدالوهاب. ما نحتاجه الآن هو دعم الدولة وهو ما يحتاجه المسرح والسينما، مثلاً لماذا لا يكون لدينا مدينة اعلام كبيرة على رغم وجود كوادر هائلة لدينا؟ وما ينقصنا أيضاً هو الغيرة على الدراما السورية وليس الغيرة على مصالحنا الشخصية، وينقصنا الحب المتبادل، بمعنى ان لا يشعر أحدنا ان نجاح الآخر خطر عليه، وعلينا ان نشعر بأن نجاحنا يتكامل ويكون كل منا بمثابة قطعة صغيرة في لوحة موازييك اسمها الدراما السورية. وأنا أتكلم الآن من قلب واقع الدراما السورية بعد اكثر من 17 سنة عمل في هذا الحقل. هذه الأخلاق التي تتحدثين عنها، ألا تعتقدين أنها ليست خاصة بالعاملين في مجال الدراما فقط وانما بطبيعة مجتمع واخلاقه وقوانينه، وعدم كفاية فرص أفراده بتحقيق الذات؟ - بالتاكيد، انها جزء لا يتجزأ من المشكلة، ولكن على ما يبدو ليس هناك من مجتمع مثالي وعلينا السعي للوصول اليه وأن نتخلص من شوائب هذا المجتمع. لنتحدث الآن عن امل الكاتبة. - منذ الطفولة وأنا أكتب ودائماً احاول الكتابة، واثناء دراستي في المعهد العالي للفنون المسرحية تعلمت كيف اكتب مونولوغ هذه الشخصية وكيف اصنعها من لحم ودم وكيف تتحرك، كان المعهد بالنسبة إليّ هو انارة الطريق لتقنية صناعة الشخصية وخلقها، اضافة الى أشياء موجودة في الحياة، أشعر بالعجز عن التعبير واعجز عن شرح وضعي. مع الورق الأمر مختلف، لأنني التزم الصمت ويعتقد من حولي انني صامتة ولكنني افكر بطريقتي. وحتى اللحظة ما زلت اكتب الخواطر والقصص والمقالات، فأشعر بأن شيئاً ما خرج مني، واعتقد بأنني شخص قادر على الصمت، ولكن زحمة هائلة تفور في داخلي، فاكتب وفي اليوم الذي لا أكتب فيه أشعر بأن شخصياتي تصرخ بي لأقوم وأبحث عن مصائرها، وكلما انتهيت من مصير شخصية تذهب الكآبة عني ولكنها سرعان ما تعود إليَّ. الكتابة فخ وتصبح عملية ادمان لذيذ ومستعصية على الحل. تكتبين للتلفزيون، هل فكرت بكتابة رواية او قصة؟ - هناك أشياء كتبتها ونصحني الكثير من المهتمين بالشأن الثقافي بنشرها. ولكنني اشعر بأن ما اكتبه خاص وشخصي، ولكنني في الوقت نفسه أشعر بأن هناك شيئاً ما مخبأ لي في المستقبل، شيئاً يشبه مشروعاً ادبياً كبيراً لكنه موجود في المستقبل. الكتابة بالنسبة إلي فعل لا يتم الا برغبة وحب شديدين، عليَّ ان اكون مملوءة بالحب للكتابة وتكون كل خلاياي جاهزة للكتابة، الكتابة فن فردي وساحر، وهو قلق يشبه الفنون الأخرى، لكنه غير مرتبط سوى بالشخصيات. وحدة الفنان لكن الفنان في النهاية، ومهما تنوعت أشكال ابداعه وسط هذا الزحام، ألا يكون وحيداً؟ - الفنان وحيد ومهما كانت علاقاته بالناس فهو يبقى أسير وحدته، لا أقصد بالوحدة، العزلة، الوحدة لها علاقة بالتأمل، والفنان شخص تأملي، محلل، لا يقبل الأمور كما هي، وهو بطبيعته يركّب الأحداث ويحللها ويعود ليطرحها ضمن ابداعه الذي يضمنه رؤيته ووجهة نظره في الحياة. حالياً تكتبين للتلفزيون، لنتحدث عن هذا المشروع الجديد؟ - المسلسل الذي اكتبه مكون من 30 حلقة وهو يتناول حياة فتاة من عمر 18 سنة وحتى بلوغها 25 سنة، وهي فترة حساسة من عمر الانسان يتحدد فيها مصيره ومستقبله. فإما أن ينطلق او يتحول الى اسفنجة تمتص كل ما حولها، سأقوم انا ببطولة العمل. وستتحول هذه الفتاة الى مطربة سوبر ستار ومن خلال هذه الشخصية سأدخل في مشكلات شركات الانتاج وكواليسها إضافة الى تطرقي الى مواضيع حساسة في مجتمعنا. ما هو أول دور وقفت فيه امام الكاميرا؟ - أول دور كان مع هيثم حقي في سهرة بعنوان "نجمة الصبح" وكنت ما زلت ادرس في المعهد العالي للفنون المسرحية، في ذلك الوقت كانت المرة الأولى التي اسمع صوتي فيها من خلال الحكي، كما أذكر أنني بكيت خلال التصوير، بعد ان عرض عليَّ مدير الانتاج أجري لقاء دوري لأنني لم اكن اعرف حينها أنني سأتقاضى أجراً لقاء تمثيلي. ماذا عن تجربتك في السينما؟ - تجاربي السينمائية قليلة وخجولة، التجربة الأولى كانت مع غسان شميط في فيلم "شيء ما يحترق" والتجربة الثانية كانت في "صعود المطر" لعبداللطيف عبدالحميد، كانت هناك محاولات لتجارب أخرى ولكنني اعتذرت عن الكثير من أدوار البطولة التي قدمت لي منذ دراستي في المعهد، وحقيقة لا طموح لدي للعمل في السينما. لماذا؟ - لأن السينما السورية لا تشبهنا. كيف؟ - لا تشبه ما يحدث في الشارع السوري بخاصة انها تنتمي الى السينما الذاتية، وكل مخرج يتحدث عن بيئته. لو كنا ننتج 12 فيلماً في السنة لكان هذا مقبولاً، ولكننا ننتج في السنة فيلمين وهي من سينما المؤلف. أنا لست ضد سينما المؤلف، ولكن ان تكون السينما على هذه الشاكلة فهذه كارثة، كما ان كل مخرج يبدو حريصاً على فنه وذاتيته بما يتضمنه ذلك من مشاهد ساخنة، ناسياً أنني سورية دمشقية، ومحاولاً ان يضعني في تجربة فنانة من السويد او بحريتها، وهذا غير ممكن في مجتمعنا.