اختتم التشكيلي السعودي حسين المحسن تجربته"صيف"، قبل أيّام، بعرضها في صالة"معرض التراث العربي"، المعروفة بين أوساط التشكيلين في صالة"الفنانة نبيلة البسام". منهياً بذلك حالة من"العزلة"التي فرضها على نفسه أشهراً، وخرجت بعدها لوحاته بحال من التأمل والترقب، عبر وجوه أطلت على امتداد 56 عملاً. من كل لوحة للمحسن يطل وجه متأمل في الصمت. أعمال تختزل فيها ضربات الريشة الألوان"لحظة تكون العمل في العقل"، كما يقول المحسن، ويضيف:"لأن اللون غير ملموس فأنه يستتبع حواراً داخلياً في الكيفية التي ستكون عليها نتيجة العمل". هذا الحوار الداخلي لم يكن وليد لحظات، وإنما نجم عن"العزلة"التي فرضها المحسن على نفسه. العزلة التي توقف فيها عن استقبال الأصدقاء إلا الخاصين منهم:"إذ أحتاج إلى إخراج الحوار الداخلي إلى أطراف أخرى تسهم فيه، وتريح ما يعتمل في النفس من قلق، يسبق العمل في اللوحات". لكن ذلك لم يمنع من التفكير في التوقف، يقول:"وصلت إلى حال الرغبة في التوقف عن إكمال تجربة"صيف"، والبحث عن تجربة أخرى بدأت تتشكل بداياتها في مخيلتي، لكنني لم أتوقف بل اصريت على إكمال التجربةً". أسدل الستار على تجربة"صيف"بالنسبة إلى الجمهور، لكنها لم تنته بالنسبة إلى الفنان. في هذه اللحظات يحتاج إلى اكتشافها من جديد، زائراً هذه المرة وليس رساماً، يقول:"الفنان يرى لوحاته إذا عرضت من جديد بنظرة متلق، بعيداً من كونه من رسم اللوحات". هذه الولادة التي تحاول أن تكتشف ذاتها، لا تتوقف بمجرد النظر إلى المعروض من اللوحات، بل تنسحب إلى حال من الهدوء، يسعى وراءها المحسن، يكف عن غسل يديه من بقايا الأصباغ، يقول:"في هذه الفترة أحب الالتقاء فيها بالناس والاستماع إليهم، بهذه الطريقة ربما اكتشف فكرة جديدة عبر النقد الموجه إلى أعمالي". أفرزت الموسيقى المصاحبة لمراحل الإبحار في تجربة"صيف"نكهة خاصة بها وحملت في الوقت ذاته اسم"الموسيقى"التي يقول عنها المحسن انها"ليست تجربة مستقلة وإنما أتت ضمن تجربة"صيف"، لكن من زوايا مختلفة مشبعة بالموسيقى التي اعتبرها صديقاً لي في تلك العزلة". لم تكن الزوايا مختلفة في لوحات"موسيقى"بل الخامة المستخدمة أيضاً، إذ عمد إلى استخدام"البلاستيك الشفاف"والرسم عليه بألوان زجاجية مختلفة الطبقات. يتبادر إلى الذهن في بعض الأحيان، أن اللوحات لم تكن إلا لوحة واحدة، تكررت في مشاهد مختلفة، لكن هذا الاعتقاد سريعاً ما ينتهي بعد تأمل بسيط، في ما توحي به كل لوحة على حده، لكن يبقى أن التجربة تصر على أمر"التأمل"و"الصمت"كحال يحتاج إليها المتلقي ليس فقط في عالم الفن التشكيلي وإنما في الواقع المليء بالصخب والصراخ. تنقل المعرض بين الرياضوجدة، ليحط رحاله أخيراً في الخبر. ويقول المحسن إن"نتاج التجربة كان كبيراً في عدد اللوحات"، وهذا ما جعل بعض ما يعرض في الرياض لا يعرض في الخبر أو جدة، إذ توزعت الأعمال بين المدن الثلاث، في رحلة طويلة استغلت عبر تنقلها"صمت وتأمل الصحراء العربية".