الغيرة شعور واحد مركّب ينتاب الانسان ويشكل ينبوعاً من الأحاسيس التي غالباً ما تكون هدامة. قلق، خوف، عقدة نقص، تردد... فأسى على الذات ونقمة وحقد وغيرة قاتلة قد تؤدي في أحيان نادرة حقاً الى القتل. انها باختصار على عكس الحسد، تتضمن الشعور بالخوف، وتضم دوماً ثلاثة معاً: الشريكان والغريم او الغريمة. مبصرة او عمياء من منا لم يغمض عينيه، في لحظة ما من حياته، ويتخيل الحبيب او الحبيبة بين ذراعي شريك آخر. من منا لم يجد الشك يتسلل فوراً الى قلبه لدى ارتباك الشريك في تبرير العودة متأخراً الى المنزل، او لدى تكرار اجتماعات العمل المسائية... او لدى تلقيه هدية غير مبررة. الغيرة شعور مركب يتضمن مجموعة واسعة ومنوعة من الاحاسيس، ويمر بثلاث مراحل: الإحساس بالألم والسخط والحزن والحسد والخوف والاهانة، ومن ثم الشعور بالحقد واللوم والمقارنة مع الغير، والقلق حول الصورة الخاصة، والشفقة على الذات. وتأتي المرحلة الأخيرة في القلب المعصور والارتجاف والتصبب عرقاً، والبحث عن التطمينات يومياً والتصرفات العدوانية التي قد تتحول عنيفة. فالغيرة شعور غالباً ما يترافق مع الحب، تسهم في تعميقه او في القضاء عليه، وفق حسن ادارتها والسيطرة عليها. وهي تشعل روح المنافسة في الداخل. منافسة مع كل من يبدو مهدداً للعلاقة مع الآخر او للصورة الخاصة التي تبرز في المرآة الداخلية، بحيث تكون النفس في سباق مع نفسها لتتحسن وتظهر افضل وجه لها الى الملأ. وغالباً ما تبدأ الغيرة مع بروز الشعور بالمقارنة مع الغير... خصوصاً متى كانت النتيجة لغير مصلحة الشخص. ويبدأ السباق للتقرّب من المثال الاعلى الذي تروجه وسائل الاعلام والذي تحوّل مرجعية ثابتة للملايين، أكان من حيث الشكل والمظهر الخارجيين، او من حيث الطموح والذكاء وما يسمى عصرياًَ العدوانية العملية المثمرة. يترسخ هذا الشعور فوراً في الحياة اليومية متى اقترن بالقلق على مصير العلاقة مع الشريك الثاني، كما الخوف من ان يأتي شخص آخر ويحل محله، بحيث يتشحذ السعي للمثالية بأي ثمن. وربما تصب وفرة عمليات التجميل في هذا المضمار، اذ انها تقرّب صاحبتها أو صاحبه من المثال الموحد الموجود في الصفحات الاولى من المجلات الفنية او غيرها. قناع الخوف الخوف هو احدى ابرز ركائز الغيرة. خوف من المجهول ومن اي تبديل يطرأ على الوضع السائد ويقلب الموجود رأساً على عقب، اضافة الى الخوف من فقدان السيطرة والسلطة في علاقة الحب او الزواج التي تضع احداً آخر في المركز الاول في قلب الحبيب، ناهيك بالخوف من هجرة الحبيب. والغيرة تخفي وراءها الخوف من ان التمنيات المفروضة لن تجد لها اي صدى. وهي القناع الذي يختبئ وراءه هذا الشعور، كما هي اصبع الاتهام الذي يُوجه الى الشعور بالخوف وانعدام الثقة بالذات. لذا، يرتد الاتهام الى الذات متى لم يتم كشفه وتجريده من قناع الغيرة، بدلاً من تطبيق مبدأ الهروب الى الأمام والعلاج بپ"الاسبيرين"، اي بالمسكنات التي تخدّر الألم ولا تعالجه ابداً في العمق. ومن الممكن حينها مواجهة الغيرة بما يسميه علماء النفس"علاج الفوبيا"، اي تخطي الخوف عبر مواجهته وجهاً لوجه، مثل ان يصعد من يخاف العلو الى الأعلى، او يضع من يخاف المساحات الضيقة نفسه في غرفة المصعد مثلاً. من هنا اهمية"تجسيد"الغيرة واعطائها شكلاً واضحاً عبر اكتشاف اسبابها ليسهل القضاء عليها. تحمي وتدمّر الغيرة سيف ذو حدّين. تكون عنصراً ايجابياً وتسهم في حماية الحب وتنميته وتوطيده... او تدمره وتقضي عليه نهائياً. تساعد الشريك الغيور فيحسن شخصيته وتدفعه الى الظهور في احلى حلله كسباً لحب الآخر واحتفاظاً به وتحصيناً للعلاقة من اي ضعف تجاه شخص ثالث، لكنها تتحول هدّامة متى خرجت عن الحدود المرسومة لها، وأفلتت من أاي سيطرة منطقية وعقلانية. فالرجل الذي يحرج زوجته امام الجميع لأنها تكلّمت مع صديقه او ابتسمت له، يفقد حبها شيئاً فشيئاً، واحراجاً تلو الآخر. كما ان الزوجة او الصديقة التي تلاحق شريكها بالاتصالات الهاتفية والاسئلة، تفقد ايضاً احترامه تدريجاً، ومن ثم حبه الذي يختفي ليحل محلّه الاستياء والقرف وصولاً الى الكراهية والحقد. أما الحل فيكمن في السيطرة على الغيرة وليس ابداً السعي لتجاهلها. وهذه مسألة تتطلب وقتاً طويلاً وشخصية قوية ومجهوداً جباراً للسيطرة على الذات، تفكيراً وتصرفاً. يقول علماء النفس بوجوب اتباع سلسلة من الخطوات تبدأ بالتحقق من شعور الغيرة بحد ذاته، بحيث يتم النظر الى المسألة التي تشكل تهديداً للحب بعين مجردة تماماً للتحقق من خطرها على العلاقة اولاً، ومن ثم لتحديد مدى اساءة التصرف الغيور الى الحب. اما الخطوة التالية فتكمن في مخاطبة النفس في شكل ايجابي فور الشعور بالغيرة: تذكير بمدى حب الآخر وباحترامه وارتباطه... كما بالمقدرات الخاصة الموجودة اكانت جمالاً ام ثقافة ام خفة دم. ويتطلب الأمر اخيراً مساعدة من الشريك بحيث تتم مشاركته بالحال النفسية الناجمة عن الشعور بالغيرة عبر تحديد ما الذي اطلقها اولاً، او الشرارة الاولى التي ولّعتها كي يتم تفادي نموّها وانتشارها وتنغيصها الحياة. فتهون المعالجة متى تم"تشريح"الغيرة بالتفصيل، لاكتشاف كل خفاياها: 50 في المئة من الخوف، و20 في المئة من الغضب، و20 في المئة من الشعور بعدم الفائدة، اضافة الى 10 في المئة من الشعور بالخيانة... او العكس بالعكس. ويترسخ هذا الشعور اكثر متى كانت العلاقة الثنائية جديدة، لأن الأمر يبدو كمن يرزق طفلاً جديداً سيقلب الحياة رأساً على عقب. الحياة مع غيور كيف تكون الحياة مع شريك غيور؟ كيف يمكن التأقلم مع الوضع قبل ان يُدَمّر الحب ويتم الهروب من العلاقة بأقصى سرعة؟ المطلوب اولاً هو ضبط ايقاع الدماغ على ايقاع دماغ الشريك لمحاولة التفكير بالطريقة ذاتها ورؤية الحياة اليومية من المنظار نفسه. فالغيرة في النهاية هي ترجمة"اصولية"لحب الشريك وتشبثه بالثاني... ويجب تفهمه ودعمه اذا امكن الامر. كما يجب التأكد من التصرفات الخاصة التي تثير غيرة الشريك العمياء، بحيث يتم تفاديها نهائياً... وذلك بهدف بناء ثقة الشريك وتدعيمها ضد اي"طوارئ"... والا فلتتم استشارة طبيب متخصص في هذه الشؤون. الغيرة في نهاية الامر تتحول مرضاً متى خرجت على سيطرة صاحبها وارتدت زي التطرف. وهي كما كل الأمراض تحتاج الى طبيب متخصص يداويها جذرياً... وليس الى الأسبيرين. الغيرة عند الاولاد الغيرة حال ثابتة ومتفاوتة درجاتها بين الاشقاء والشقيقات، الا في استثناءات معدودة يتمتع فيها هؤلاء الصغار بالوعي الرفيع الذي قلما يميّز الاولاد. فالأخ يغار من اخته المولودة الجديدة التي تستأثر باهتمام الوالدين، والأخت تغار من شقيقها الاكبر سناً الذي يسمح له بما لا يسمح لها. والحل لا يمكن ان يكون ابداً في أيدي الصغار، لأن المطلوب مجهود من الوالدين وحدهما، يكمن في خمس نصائح فقط: 1- التوجه الى كل ولد كأنه فريد من نوعه، والابتعاد من معاملة الأشقاء في شكل واحد، اكان لجهة تقديم فترة الوقت نفسها نوعاً وكمية، او الهدايا والتقديمات الاخرى. 2- تفادي تشبيه ولد بآخر، مثل المقارنة بين دفتر علاماتهما او سلوكهما، مع تكرار عبارة شقيقك او شقيقتك تفعل هذا او ذاك. 3- تنمية صفات كل ولد على حدة، أكانت موهبة موسيقية ام فنية ام رياضية، بحيث يشعر حقاً انه مميز وفريد من نوعه. 4- اولوية تخصيص فترة يومية او اسبوعية دورية لكل ولد على حدة ليشعر انه مهم بالنسبة الى والدته او والده، خصوصاً ان هذه الفترات تبقى راسخة في ذاكرته الى الأبد. 5- تحديد حدود واضحة بين الاشقاء، يحترمها الجميع: الشقيق الاكبر لا يزعج الاصغر، يحترم كل منهم حرمة غرف النوم بحيث لا يتم الدخول اليها من دون قرع الباب... كما يجب ان يكون الوالدان حازمين بحق من يخترق القوانين المنزلية الموضوعة من دون اي تمييز بين ولد وآخر، اكان لجهة العمر ام الجنس.