اللقطة التصويرية تشكيل فني، ادهاش بآنية اللحظة، فنية اللقطة في أحتوائها على عناصر لافتة، واللقطة لها زمانها بمعنى لحظة التقاطها. زمان اللقطة ان تأتي في أوانها بما يحيط بها من ظلال وألوان تتكثف هنا وتنقشع هناك. وأهمية اللقطة في ما تنطوي عليه الصورة من أبعاد آنية ومكانية فنيتها في آنيتها، أي ان لم تؤخذ في لحظة معينة تضيع. فهي"جسم يسقط"المكان قد يكون غابة، محيطاً، ساحة حرب. للصورة الفنية فعل الصدمة ولها دلالاتها الرمزية. فصورة جندي، إشارة الى الحرب، والنار دمار والغروب اضمحلال والصورة المعبرة تكاد تنطق برموزها ودلالاتها وهي تجسيد لواقع وتجاوز له. هي ليست من صنع فنان أوحت اليه مخيلته فرسمها خطوطاً وألواناً. ما فعله المصور الفنان انه التقطها في اللحظة المناسبة: نحن أمام صورة فتى فلسطيني في العاشرة يرتدي بنطالاً وبلوزة لونها فستقي قافزاً فوق نار مشتعلة وقد أفرج ساقيه فاغراً فاه صارخاً وفي راحتيه"نقيفة"سلاحه، في الصورة اطار يشتعل وخلفه فتيان اثنان ملثمان، هذه رؤية بصرية للمشهد. وأبعد من رؤية البصر عمق ما تنطوي عليه الصورة. الفتى يبدو مهتاجاً من الاضطهاد وذل الاحتلال وغضبه يتمثل في الاختلال الخطير في ميزان القوى. فالاستشهاد سلاح من لا سلاح له والمحتل يتمتع بتفوق مطلق في السلاح كمّاً ونوعاً. أضف الى ذلك ذل الوقوف على حواجز التفتيش والحاق الإهانة بالشيخ الجليل الأب المسن أمام أبنائه ومشاهدة الأم تندب الأخ الأكبر الذي قضى شهيداً: ذل الحياة التي يسترخصها العدو، ما يجعل الفلسطيني يسترخصها بدوره ليعطيها قيمة في مرآة نفسه قبل استشهاده وفي مرآة الآخرين بعد استشهاده: نجد الفتى القافز فوق النار"الصورة"غير آبه بالحرائق والدخان، فما الذي حمله على ذلك؟ انه حب الوطن والذود عنه بوسائل الفتى المتاحة"المغيطة". اللون الغالب في الصورة الأحمر"النار"وعن يمين الصورة سواد دخان الاطارات المشتعلة والفستقي لباس الفتى وزرقة الفضاء من ورائه، فمه المفتوح صراخ يصاحب الهجوم والنقيفة حبلان يرمزان الى رباط يشد الفتى الى أرضه والفتيان الملثمان رديفان له حتى اذا قضى يأخذان مكانه. هو يقتحم النار فقد هدم الغاصب بيته ليصبح وأسرته بلا مأوى، والبيت له معنى الوطن فمن هدم بيته هدم كيانه وعرضه ومأواه الذي يقيه الرياح المجنونة في البرد القارس. فهدم البيت هدم لمقومات الحياة، قفزة الفتى تنم عن شجاعة وتحدٍ وعنفوان ورفض مطلق لأساليب بربرية يرتكبها العدو. وتدل القفزة على لا مبالاة بالنتائج، فقد يتعرض الفتى لرصاص جند العدو فيقضي شهيداً. تلك أمنية كل شباب فلسطين فهي الأم التي يدافع عنها الجميع ويفدونها بأرواحهم فإذا قضى الفتى على ثراها فستنبت أنداداً له. تلك هي جدلية العلاقة بين الاحتلال والمقاومة، علاقة ضدية، فلا كرامة مع الاحتلال ولا حياة بلا كرامة. طرابلس - محمد زهري حجازي عضو اتحاد الكتاب العرب واتحاد الكتاب اللبنانيين