قبل الحرب اللبنانية 1975 - 1990 بسنوات، حاضرت في الخارج عن البيئة اللبنانية في إطار نظرة مثالية رومانسية للوطن، فإذا بها جميلة ولا أروع، واذا بلبنان أخضر حلو لا يضاهيه العالم بأسره. ولمّا كان من المواضيع بل الشعارات التي غرسوها في أذهاننا ان الانسان ابن بيئته، بات من المحتم عليّ أن أقرّ أن اللبناني هو ضرورة على صورة بيئته أي انه جميل، وان هذه الصورة ثابتة وماضية في اتجاه واحد، أي ان الانسان يخضع لبيئته خضوعاً امتثالياً لا يقوى معه على التأثير فيها حتى تأثيراً ايجابياً! ولكن المرء لا يبقى على مثاليته ورومانسيته بل يميل ذات يوم الى واقعية ما، تؤازره في ذلك البيئة الخارجية التي تحوط به والبيئة البشرية التي يعيش في كنفها. وهكذا، سرعان ما اتضح لي ان بيئة الآخرين تضاهي بيئتنا بل تتجاوزها بكثير. لماذا؟ لأن بيئتهم الداخلية فعلت وفي الاتجاه الصحيح. ففي الغرب حيث أمضيت سنوات طوالاً، تجلت معالم البيئة الخارجية حيث ترك الانسان الغربي بصماته، فإذا بها، على رغم التقدم العلمي عندهم وتبعاته الملوِّثة، بصمات خليقة بسجل التاريخ الذهبي. وفي البرلمان الأوروبي حيث مثّلتُ لبنان عام 1977، سألت أحد البرلمانيين الأوروبيين: لِمَ لا يدخل لبنان السوق الأوروبية المشتركة؟ فأجابني البرلماني بمزيج من التهكم والانذهال:"اتفقوا أولاً في ما بينكم وبعدها نفكّر في دخول بلدكم مجموعتنا". ذاك البرلماني كان على صواب! لبنان - جهاد نعمان