ألقى عدد كبير من المؤرخين العرب والأوروبيين ومن أميركا الوسطى أضواء جديدة على الفترة التي أعقبت هجرة العرب من اسبانيا في سنة 1609 والذين يعرفون بپ"الموريسكيين"، مركزين على دورهم في المجتمعات التي انتقلوا إليها. جاء ذلك خلال أعمال المؤتمر الدولي الثاني عشر للدراسات الموريسكية الذي أقامته أخيراً في تونس مؤسسة"التميمي للبحث العلمي والمعلومات"في إطار سلسلة المؤتمرات التي تقيمها كل سنتين عن الموريسكيين منذ أكثر من عشرين عاماً. شارك في المؤتمر مؤرخون وباحثون من بلدان عدة من ضمنهم ستة من بورتو ريكو وإيسلاندا. وتابعت الأوراق المقدمة الى المؤتمر حركة انتشار الموريسكيين في شمال أفريقيا ومناطق مختلفة من العالم بعد قرار الطرد النهائي. وجديد المؤتمر الأخير أن البحوث المقدمة بالعربية والفرنسية والإسبانية لم تقتصر على الأرشيفين الإسباني والبرتغالي وإنما استفادت أيضاً من الوثائق العثمانية والإيطالية والعربية والفرنسية والتي حملت معلومات جديدة عن تأثير المهاجرين الموريسكيين في البلدان التي استوطنوا فيها شرقاً وغرباً. واختارت مؤسسة التميمي و"اللجنة الدولية للدراسات الموريسكية الأندلسية"ثلاثة محاور رئيسة للمؤتمر هي أولاً الاقتصاد والقرصنة بعد الطرد النهائي للموريسكيين، وثانياً الأدب الألخاميادي أدب الموريسكيين وعلاقته ببناء شخصيتهم الثقافية في وسط مناهض لهم في المنافي، وثالثا تأثيرهم في الفنون والمطبخ واللباس والموسيقى نظراً الى كونهم يتحدرون من بيئة ثقافية خصبة منحت الفنون والآداب مكانة خاصة طوال ثمانية قرون من الوجود العربي في الأندلس. وقام المشاركون من خلال ثمانية عشر بحثاً قدمت إلى المؤتمر برصد دور الموريسكيين في المنطقة المتوسطية على نحو أظهر حيويتهم وكشف عن جوانب جديدة من شخصيتهم الثقافية الملتبسة والتي سيطرت عليها المراوحة بين التمسك بهويتهم الأصلية والشعور بالضياع والتحلل في المجتمعات التي رحلوا إليها واندمجوا في ثقافتها. وكشفت بعض الأوراق مدى أهمية الإفادة من الوثائق الإيطالية والعثمانية والإسبانية والعربية والفرنسية لإلقاء الضوء على مناطق معتَمة من تاريخ الموريسكيين. واللافت أن المؤتمر جمع متخصصين في الدراسات الموريسكولوجية من جيلين مختلفين إذ تجاور الشباب، وغالبيتهم من الفتيات العربيات، مع أساتذتهم الذين يشرفون على الأطروحات التي يُجرى إعدادها خصوصاً حول مدونات الأدب الألخاميادي في مكتبة مدريد وأكاديمية التاريخ الإسبانية. واعتبر الأكاديمي نجيب بن جميع أن تزايد المتخصصين بدراسة تلك الحقبة أتاح للأعمال التاريخية ألا تبقى أبحاثاً معزولة وتتيح حواراً بين المؤرخين واستطراداً بين ثقافات ضفتي المتوسط. ومثلما كُرّم متخصصون بارزون في دراسة هذه الحقبة خلال مؤتمرات سابقة حرص عبدالجليل التميمي مهندس المؤتمرات الموريسكية على تكريم مدرسة أوفيادو للدراسات الألخاميادية في اسبانيا بإصدار كتاب بالعربية والإسبانية والفرنسية ضم مقاطع من بحوثها عن أدب الموريسكيين. وحض البيان الختامي للمؤتمر على وضع استراتيجية بحثية مشتركة وتوسيع التعاون بين جامعتي أوفيادو وبورتو ريكو والجامعات المغاربية وتبادل الأساتذة والطلاب، وكذلك تشجيع جيل الشباب من المؤرخين على استخدام الأدوات المعرفية الجديدة. وسيعقد المؤتمر المقبل في السنة 2007 على الأرجح في تونس.