وُلِد الأستاذ عبدالجليل التميمي في القيروان في 21/7/1938، وتلقى العلوم في تونسوبغدادوتركياوفرنسا، فحصل على دكتوراه الدولة في التاريخ الحديث من جامعة اكس اون بروفنس وذلك في آذار مارس 1972، كما نال ثلاث ديبلومات في الأرشيف والمعلومات والمكتبات من فرنساوالولاياتالمتحدة. وهو أستاذ كرسي التاريخ الحديث في كلية العلوم الانسانية والاجتماعية في جامعة تونس الأولى، ويترأس اللجنة العربية للدراسات العثمانية، واللجنة العالمية للدراسات الموريسكية، والاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات، وهو عضو في عدد من المنظمات الدولية. ويحمل الميدالية الثقافية من وزارة الثقافة الفرنسية، كما يحمل وسام الاستحقاق الثقافي التونسي من الدرجة الأولى. ألف عبدالجليل التميمي 18 كتاباً ومئات البحوث غطت التاريخ المغاربي والعثماني والموريسكي الأندلسي. وأسس "مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات"، وتصدر عنها المجلة التاريخية المغاربية وهي مجلة فصلية تصدر في عددين مزدوجين، وهي مفتوحة لكل المساهمات باللغات العربية والانكليزية والفرنسية والإسبانية. عن نشاطات المؤسسة وإصداراتها كان هذا اللقاء مع التميمي خلال زيارة قام بها الى لندن. بعد مرور 700 سنة على قيام السلطنة العثمانية، كيف تمت الاستفادة من وثائقها؟ - في دائرة اشكاليات البحث التاريخي المعاصر هنالك اشكاليات تقتضي الاستفادة من أرصدة المعلومات المتنوعة لكتابة تاريخ البلاد العربية في العهد العثماني من دون اعادة وتكرار الحديث حول الوثائق، ويمكن لنا الآن بعد ربع قرن من المعالجات العلمية أن نؤكد بما لا مجال للشك فيه ان الوثائق العثمانية تعتبر في هذه الأيام المحكّ الحقيقي والفعلي لإنضاج النتائج والبحوث التاريخية لكل ما يتعلق بالولايات العربية، فلم يبق مؤرخ واحد لا يؤمن بأهمية ودقّة الوثائق العثمانية، ليس فقط للولايات العربية بل لكل الولايات العثمانية، ولعل ال920 دراسة التي نشرناها، ووظّفت الآلاف من الوثائق العثمانية تعدّ دليلاً قاطعاً لا يقبل الشك على جدوى وضرورة استخدام هذه الوثائق. اذا أراد المؤرخون العرب ان يلتزموا بالأمانة والمنهجية العلمية فعليهم تعلّم اللغة التركية العثمانية واستشراف هذه الارصدة الغنية بالمعلومات على مستويات الوثائق والمخطوطات. وعلى المؤرخين العرب عدم الاستهانة بمصادر المعلومات العثمانية بل عليهم ان يشجعوا الجيل الجديد من الباحثين والمؤرخين ويقنعوهم بضرورة هذا التوجه لتوثيق بحوثهم التاريخية اذا ما أرادوا لأنفسهم مكاناً على مستوى الخريطة المعرفية التاريخية الدولية. وأعرف ان هنالك حالياً العشرات من الباحثين الأوروبيين والاميركيين الذين اتقنوا اللغة العثمانية، وسوف يتخصصون بدراسة تاريخ الولايات العربية العثمانية، في حين تعتم بعض الفئات التي تدّعي الحرص على اعادة كتابة تاريخ الأمة العربية، تعتّم على الوثائق العثمانية. وبمعنى أدقّ ان ابتعاد المؤرخين والباحثين العرب عن ميدان دراسة وثائق تاريخ الولايات العربية في العهد العثماني سيفسح المجال امام الاجانب لكي يكتبوا لنا تاريخنا وفق مصادر المعلومات المتاحة من الوثائق العثمانية التي يُعرض عنها الباحثون العرب لأسباب غير علمية. أين هو موقع مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات من مرور 700 سنة على تأسيس الدولة العثمانية؟ - وضعنا منذ 29 سنة مخططاً لاستراتيجية معرفية متطورة، تعتمد دقّة المعلومات وتوثيقها ثم اتاحتها للباحثين من دون الخضوع للأهواء والأيديولوجيات القومية التي تفترض النتاج بشكل مسبق على البحث العلمي، وهذه الاستراتيجية قضت بتعميق الحوار الاكاديمي الدوري بين معظم الباحثين من خلال تنظيم مؤتمر دولي كل سنتين خاص بتأريخ تاريخ الولايات العربية في العهد العثماني، وبحثت في المؤتمرات الاشكاليات الآتية: بحث مصادر تاريخ الولايات العربية العثمانية، تأريخ الحياة الاقتصادية في الولايات العربية، الحياة الاجتماعية في العهد العثماني، الحياة الفكرية والادارية، والمدن العربي في العهد العثماني، والمجتمع والدولة، والأمراض والعِلل التي وقعت في البلاد العربية في العهد العثماني، وتقويم مسيرة البحث العربي والأوروبي والاميركي الخاص بالولايات العربية في العهد العثماني. فرّعنا عن هذه المؤتمرات تنظيم ثلاث ندوات. كذلك تناولنا مدونة الآثار العثمانية في العالم التي ضمّت عشرات الدراسات الاكاديمية حول الآثار العثمانية في العالم. وقضت هذه الاستراتيجية بانشاء دورية اكاديمية متخصّصة بعنوان "المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية" وأصدرنا منها 20 عدداً، واحتلت مكانة الصدارة بين الدوريات العالمية المتخصصة بالدراسات العثمانية، وفتحناها للنشر بثلاث لغات: العربية والانكليزية والفرنسية، لكافة الباحثين والمؤرخين العرب والاجانب. ويمكن اعتبار اعمال المؤسسة حتى الآن انها اعطت نتيجة ايجابية اذ اعتمدنا دقة المعلومات وتوثيقها وإتاحتها للباحثين من دون الخضوع للأهواء والايديولوجيات القومية والدينية، التي تفترض النتائج قبل اجراء البحوث على حساب الامانة العلمية مما يشوّه الصورة التاريخية بشكل يؤثّر على صدقية البحث التاريخي. وماذا عن الدور الذي قام به العثمانيون في الأندلس وشمال افريقيا؟ - عتّم أشباه المؤرخين على الدور العثماني في انقاذ الموريسكيين الأندلسيين، والحقيقة انطلاقاً من الوثائق التي عثرت عليها شخصياً من أرشيفات البندقية وأرشيفات فرنسا والأرشيف العثماني وأخيراً ارشيفات هولندا، كلّها يؤكد ان الدولة العثمانية سعت لمدّ يد المساعدة الى اولئك الموريسكيين الذين ذاقوا الأمرّين من محاكم التفتيش، وتدخّلت الدولة العثمانية لدى دوق البندقية والملكية الفرنسية ولدى السلطة السياسية الهولندية، وأرسل العثمانيون وفوداً لتسهيل عبور الموريسكيين من اسبانيا عن طريق فرنسا وإيطاليا وغير ذلك من الدول الاوروبية، وساعدتهم لتوفير حسن الوفادة لهم في تونسوالجزائر وليبيا. ونشرتُ عدداً من الدراسات حول استقرارهم في الأناضول وكيف وفرت لهم كل التسهيلات الادارية والمالية حتى استقروا. ولعب الموريسكيون دوراً أساسياً في نقل الخبرة العسكرية والفنية والصناعية الاندلسية الى الدولة العثمانية. ومن الخطأ التعتيم على الدور العثماني الذي يمثل ما كان يجب ان تقوم به الدولة العثمانية كدولة حامية للمسلمين في كل مكان، ونشرتُ عدداً من الدراسات حول هذا الموضوع بالذات، و وأعتقد ان المؤرخين المحايدين لا ينكرون هذا الدور العملي والفعّال لإنقاذ المسلمين، خصوصاً اذا اخذنا في الاعتبار قوّة الاستعدادات العسكرية البرية والبحرية للإمبراطورية الاسبانية وإصرارها على تصفية الوجود العربي الاسلامي في الأندلس، وتعليمات الباب العالي التي وُجّهت الى كل من باي تونس ودايات الجزائر وملوك المغرب الأقصى، كما كانت تحثّ على وجوب تقديم المساعدات بكافة انواعها لإنقاذ المسلمين من المأساة التي اوقعهم بها الإسبان الكاثوليك. وماذا عن آثار الغاء الخلافة الاسلامية العثمانية ووصول الكماليين الأتاتوركيين الى حكم تركيا وموقف الباحثين العرب من دراسة آثار الكمالية؟ - إننا نسجل عدم اهتمام الباحثين عموماً والمؤرخين خصوصاً بدراسة الكمالية وتركيا الحديثة، ويمكننا ان نؤكد عدم تسجيل رسائل جامعية كأطروحات في الجامعات المصرية والسورية واللبنانية والليبية، بل لم نرصد رسائل جامعية الا في جامعات العراقوتونس، فقد سجلنا في كلية العلوم الانسانية والاجتماعية في تونس وبإشرافنا رسالة تناولت موضوع "صدى الغاء الخلافة العثمانية في تونس" وقدم الرسالة الباحث محمد الشعبوني ونوقشت سنة 1986، ثم قدم رسالة ثانية تناولت موضوع "موقف البلدان المغاربية من الغاء الخلافة العثمانية، 1914 - 1926" ونوقشت الرسالة سنة 1990. وتناول الباحث محمد مهدي الساحلي موضوع "صدى اصلاحات أتاتورك في البلاد التونسية، 1923 - 1938" ونوقشت سنة 1986. أما الباحث فتحي القاسمي فتناول موضوع "اللائكية عند بعض المؤلفين المشرقيين"، ونوقشت الرسالة سنة 1990 وأشرف عليها الدكتور عبدالمجيد الشرفي. وفي العراق شهدت جامعة بغداد تسجيل رسالتين احداهما حول موضوع "العراق والحركة الكمالية، 1919 - 1923"، وأعدها الباحث قاسم الجميلي ونوقشت سنة 1985، ثم قدم رسالة تحت موضوع "التوجهات والتطورات السياسية الداخلية التركية، 1923 - 1928"، ونوقشت سنة 1990. مع الأسف الشديد ان موقف الاكاديميين العرب مخيب للآمال في ما يخص ما ترتب على الغاء الخلافة العثمانية وقيام الكمالية، اذ كيف يمكن لأكثر من 200 جامعة عربية معاصرة ان تسجل اهمالاً متعمداً لدراسة تركيا الكمالية الأتاتوركية وما بعد الكمالية؟ ان تغييب تركيا عن مجال الدراسات والبحوث أمرٌ لا يمكن استساغته ولا تبريره البتة، على رغم ان دراسة العلاقات العربية - التركية ضرورية للطرفين سواء في العهد العثماني او ما بعد العهد العثماني. وقد رصدنا في المجلة التاريخية المغاربية عدداً من الكتب والمقالات التي نشرت عن الكمالية منذ سنة 1923 حتى الوقت الراهن، وسجلنا ملاحظاتنا حول ما نُشر وما زلنا نتابع هذا الموضوع حسب الطاقة، ونرحب بمن يودّ التعاون معنا في مجالات البحث القائم على الأمانة العلمية.