عندما يتعلق الأمر بالقوات العسكرية الاميركية، يُموّه التغيير فيخفى تحت غطاء من الكلام المبهم عن مراجعات الاوضاع العالمية، واعادة تنظيم القواعد العسكرية ولجان الاقفال. غير وراء كل هذه الغوغائية الكلامية تكمن هذه الحقيقة: تشد القوات الاميركية رحالها، وتنتقل من مهمة إلى أخرى، وستتغير الأحوال بعد اليوم. فمن المقرر أن ترجع نحو 70 فرقة عسكرية أميركية إلى البلد الأم ابتداء من السنة المقبلة. وهي آتية، بمعظمها، من وحدات عسكرية أميركية مرابطة بأوروبا وآسيا. ويقدر أن هذه العملية ستكتمل في العام 2010. وتزامناً مع ذلك ووفقاً لخطط أوضحها البنتاغون الاسبوع الفائت، اختيرت 33 قاعدة عسكرية في الولاياتالمتحدة لتقفل نهائياً. والعمليتان مترابطتان. وقد علق وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، قائلاً:"تطلب الوزارة الآن إقفال عدد أقل من القواعد العسكرية الكبيرة مما كان متوقعاً قبلاً، ويعود ذلك جزئياً إلى رجوع عشرات الفرق من الخارج". فلنعط مثالاً واحداً: سينتقل الجنود 11 ألفاً من الفرقة المدرعة الأولى المرابطة في فيسبادن ألمانيا إلى حصن فورت بليس بتكساس. وهو تغيير بسيط في الموقع ليس إلا. وهذا يستحدث، في ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش في حال اعتمدت خطط البنتاغون نحو ستة آلاف فرصة عمل جديدة. ولا شك في ان لهذه النتيجة رائحة سياسية، غير أن القوى التي تحرك المشروع أبعد من المصالح الانتخابية الخالصة. فالقوى المسلحة في العالم كما في الولاياتالمتحدة، تتكيف مع المخاطر الجديدة. ويقول جاك سبنسر، خبير مسائل الدفاع في جمعية"هريتاج فاونديشن"المحافظة في واشنطن:"إنه انتقال من القوى الصناعية الملائمة للحرب الباردة إلى القوى المعلوماتية الملائمة للمخاطر المفاجئة في القرن الواحد والعشرين". ... ويعيد البنتاغون النظر في خريطته الاستراتيجية في محاولة لخفض النفقات، وزيادة المرونة، وتكامل الخدمات، وازالة مواقع الحرب الباردة الواسعة في ألمانيا وكوريا الجنوبية، وترجيح كفة المناورة على كفة الوجود المكثف. ويجمع الأطراف كلهم على عبث تكديس الفرق العسكرية لمواجهة أعداء الحرب الباردة الغابرين. وصرح الجنرال جيمس جونز، القائد الاعلى لقوات حلف شمال الأطلسي، هذا الشهر أن هذه التغييرات حصلت على"دعم الحلفاء وتفهمهم". ولكن مخاطر واضحة تنطوي عليها هذه السياسة فيما لا تزال العلاقات عبر الأطلسي متشنجة، وصورة الولاياتالمتحدة في الخارج قاتمة أكثر من ذي مضى. ونبهت لجنة تحديد القواعد العسكرية في الخارج، وهي من ستة أعضاء وأنشأها الكونغرس، في تقرير أصدرته هذا الشهر الى الأمر:"لا يسعنا توقع التمتع بتأثير كبير في غياب الوجود العسكري". ومرابطة ... القوات العسكرية في يسبادن، مع زوجات الجنود وأولادهم، لشبكة من العلاقات مع الألمان تمثل نموذجاً مصغراً للرابطة الأميركية - الألمانية القوية منذ سنوات ما بعد الحرب. والوجود الاميركي هناك إنما هو إعلان ارتباط. يقترح رامسفيلد نوعاً من القواعد الخارجية ذات"العيار الخفيف"، لتحل محل التدبير الحالي. ويتضمن اقتراحه ما يسميه البنتاغون"مواقع العمل المتقدمة"أو"مواقع التعاون الأمني". وتحظى المواقع الاولى بعدد محدد من الموظفين العسكريين، وبمعدات من المخازن، بينما تحصل الثانية على عدد أقل من الموظفين. ويستعد صنفا المواقع للتكيف مع ما يسميها البنتاغون"المتطلبات المحتملة والطارئة"، أي الحاجة الى إرسال عدد كبير جداً من الجنود بسرعة عندما تخرج الأوضاع عن السيطرة. وبولندا ورومانيا وبلغاريا من الدول الاوروبية التي درس البنتاغون امكان تلبيتها متطلباته الجديدة .... وسبق أن تحولت القاعدة الجوية في داكار في السنغال الافريقية"موقع تعاون أمني". ويتحفظ جون هامر، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، عن هذه السياسة:"يختلف توقع مرابطة قوات عن موضعها الفعلي والميداني كل الاختلاف. فعندما ترابط قواتك في دولة من الدول فهذا قرينة على التزام سياسي مع بلد شريك. وتقلقني فكرة أن التغييرات المقترحة إنما سائقها وجهة نظر إدارية آنية وليس وجهة نظر استراتيجية" .... عن روجر كوهين، انترناشنال هيرالد تريبيون، 29/5/2005