تتعرض معظم الأسواق المالية الخليجية والعربية خلال هذه الفترة لتصحيحات سعرية، نتيجة لتفوق حجم عروض البيع على حجم الطلب، ولتباطؤ مؤشرات هذه الأسواق. ان تراجع الأسعار وتباطؤ المؤشرات له في رأيي مبررات منطقية، ويساهم في المقابل في خلق فرص استثمارية جديدة لمختلف شرائح المستثمرين، إضافة إلى مساهمته في عقلنة قرارات المستثمرين من حيث عودتهم إلى الأساسيات الاقتصادية والمالية في اتخاذ القرارات الاستثمارية بعد تجاهلها أثناء فترة المضاربات. فالأسواق المالية شهدت خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، موسمين لنشاطها. بدأ الموسم الأول مع نشر البيانات المالية السنوية التي أصدرتها الشركات المساهمة العامة عن ادائها لعام 2004 خلال الفترة التي امتدت ما بين شهري شباط فبراير وحتى نهاية شهر آذار مارس من هذا العام. وبدأ الموسم الثاني لنشاط الأسواق خلال الأسبوع الثاني من شهر نيسان أبريل الماضي بالتزامن مع نشر الشركات المساهمة بياناتها المالية عن أعمالها وإنجازاتها، عن فترة الربع الأول من هذا العام، أفصحت من خلالها عن تطور أدائها ونمو أرباحها، مقارنة بالربع الأول من العام الماضي. وبالتالي، فإن نشر هذه البيانات المهمة والجوهرية خلال الثلث الأول من هذا العام، والتي تضمنت إضافة إلى البيانات المالية قرارات توزيع الأرباح السنوية، سواء النقدية منها أو الأسهم المجانية، وإلى تجزئة اسهم بعض الشركات والسماح للأجانب بتملك حصص من رؤوس أموال شركات أخرى، أوجد موسمين لنشاط الأسواق المالية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار اسهم الشركات المدرجة في الأسواق بما يتناسب ومستوى أدائها، إذ حققت معظم الشركات المدرجة في الأسواق المالية، خصوصاً الخليجية منها، نمواً ملحوظاً في صافي أرباحها، يعكس قوة ونشاط القطاعات الاقتصادية المختلفة، وارتفاع دخل دول الخليج من عائدات النفط خلال هذا العام، وصعود معنويات المستثمرين الخليجيين، حيث انعكس ارتفاع العائد من دخل النفط على مستوى الإنفاق الحكومي الخليجي وحجم السيولة المتوافرة في الأسواق الخليجية. إلا ان ارتفاع حجم السيولة في معظم الأسواق المالية الخليجية والعربية نتيجة للتوسع المستمر في قاعدة المستثمرين والمضاربين، تقابلها محدودية عدد الشركات المدرجة فيها، خصوصاً الشركات القوية والتي تتمتع بمؤشرات مالية متميزة. وأدى هذا الوضع إلى ارتفاع قياسي وغير مبرر للعديد من اسهم الشركات المدرجة في هذه الأسواق في ظل محدودية الوعي الاستثماري ومحدودية الأدوات الاستثمارية المتوافرة. وبالتالي لاحظنا ارتفاع مؤشرات تقويم الأسهم في بعض الأسواق الخليجية، ومنها على سبيل المثال السعودية والإمارات، وهو يعكس ارتفاع مستوى المخاطرة في هذه الأسواق. والملاحظ هنا تفاوت ارتفاع مؤشرات الأسواق المالية الخليجية والعربية خلال الفترة التي مضت من هذا العام، حيث احتلت سوق الأسهم الإماراتية المرتبة الأولى في نسبة ارتفاع مؤشر الأسعار، فبلغت نسبة ارتفاعه 86.2 في المئة على رغم ارتفاع هذا المؤشر بنسبة 88 في المئة خلال العام الماضي. وارتفع مؤشر سوق الأسهم السعودية خلال هذا العام بنسبة 51.4 في المئة، بينما بلغت نسبة ارتفاع مؤشر سوق الكويت للأوراق المالية بنسبة 32.37 في المئة، ومؤشر سوق مسقط للأوراق المالية بنسبة 37.41 في المئة، ومؤشر سوق قطر بنسبة 41.05 في المئة، والبحرين بنسبة 22.16 في المئة، والأردن بنسبة 26.75 في المئة. إن هذا الارتفاع في المؤشرات يأتي استمراراً للارتفاعات الكبيرة التي حققتها خلال العام الماضي. وهو تفاوت بعوامل متعددة، أهمها أداء الشركات المدرجة في هذه الأسواق وحجم السيولة وقاعدة المضاربين والمستثمرين، والفرص الاستثمارية البديلة وفترة الاسترخاء أو التباطؤ التي تشهدها حالياً بعض الأسواق الخليجية والعربية، والتي تتخللها تصحيحات سعرية يعتبرها البعض فترة لالتقاط الأنفاس، سببها عدم توافر أي معلومات جوهرية تعزز من حجم الطلب وتؤثر على أسعار الشركات المدرجة في الأسواق. وبالتالي ينتظر المستثمرون والمضاربون الانتهاء من فترة الربع الثاني من هذا العام في نهاية شهر حزيران يونيو المقبل والدخول في موسم نشاط جديد يبدأ في شهر تموز يوليو، يتزامن مع نشر الشركات لبيانات الربع الثاني والنصف الأول من هذا العام، حيث يتوقع أن تشهد الأسواق مرحلة جديدة من النشاط اعتماداً على تطورات أداء الشركات. لذا نتوقع استمرارية هدوء الأسواق أو تباطؤها حتى نهاية شهر حزيران المقبل. أما حركة الأسواق حالياً، فسببها إعادة ترتيب موجودات المحافظ الاستثمارية. ولا اعتقد بأن ارتفاع سعر الفائدة على الودائع على الدولار إلى مستوى 3 في المئة كان له تأثيرات سلبية واضحة على أداء الأسواق على رغم محاولة بعض المصارف المركزية الخليجية رفع سعر الفائدة على ودائع عملاتها المحلية بنسبة اكبر، من اجل امتصاص جزء من السيولة المتوافرة في الأسواق. * مستشار بنك أبو ظبي الوطني للأوراق المالية.