من الأسباب الرئيسة لنشاط الأسواق المالية الخليجية وبعض الأسواق المالية العربية في العامين الماضيين التراجع الكبير في سعر الفائدة على الودائع، الذي تدنى في فترة معينة إلى مستوى واحد في المئة، وهو اقل مستوى يصل إليه منذ 1958. وشجع هذا الانخفاض الكبير آلاف المودعين على تحمل مخاطر أعلى والتحول إلى أدوات ومنافذ استثمارية أخرى تحمل مخاطر مختلفة، لكنها تحقق في الوقت نفسه عائدات مناسبة، لا سيما بعد ارتفاع مستوى التضخم إلى نحو 3.5 في المئة. وساهم انخفاض سعر صرف الدولار والعملات المرتبطة به في مقابل اليورو في ارتفاع مستوى التضخم إلى هذا المستوى نتيجة ارتفاع قيمة واردات هذه الدول من أوروبا واليابان. وتسبب الفرق بين مستوى التضخم وسعر الفائدة على الودائع في خسائر حقيقية للمودعين نتيجة لانخفاض القيمة الشرائية لأموالهم. وكانت أسواق الأسهم إحدى الوجهات المهمة لعدد كبير من المودعين، اذ قُدِّر عدد المستثمرين الجدد في الأسواق الخليجية والعربية العام الماضي وحده بنحو مليون مستثمر، معظمهم من شريحة صغار ومتوسطي المستثمرين الذين لا تساعدهم إمكاناتهم المادية على الاستثمار في العقارات أو المنافذ الاستثمارية الأخرى التي تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة أو خبرات متخصصة. وفي المقابل، ساهمت سهولة الاستثمار في أسواق الأسهم وبأي مبلغ متوافر، ودخول هذا العدد الضخم من المستثمرين الجدد، في تدفق سيولة كبيرة الى هذه الأسواق، ما عزز من حجم الطلب ورفع أسعار أسهم معظم الشركات المدرجة فيها. كما أدى الانخفاض الكبير في سعر الفائدة على الودائع إلى انخفاض مماثل في كلفة تمويل الاستثمار والمضاربة في أسواق الأسهم، وساهمت مصارف المنطقة في توفير سيولة إضافية كبيرة لمختلف شرائح المستثمرين، ساهمت بدورها في تعزيز حجم الطلب والمضاربة في هذه الأسواق. وحققت مصارف المنطقة أرباحاً كبيرة من تمويلاتها للمستثمرين والمضاربين في أسواق الأسهم، إضافة إلى أن الانخفاض الكبير في سعر الفائدة على الودائع وفر أيضاً للمصارف أموالاً بأسعار رخيصة، ساهمت بدورها في تعزيز ربحيتها في ظل توافر معلومات عن عودة أموال كبيرة من الخارج إلى موطنها الأصلي لأسباب سياسية واستثمارية. ولم تقتصر تمويلات المصارف الرخيصة على الأسواق المالية الثانوية بل امتدت إلى أسواق الإصدارات الأولية في المنطقة، اذ تجاوزت قيمتها في أحد الإصدارات في دولة الإمارات حاجز ال300 بليون درهم تمويل المكتتبين في أسهم "شركة الدار العقارية". وأصبحت تمويلات المصارف تشكّل أكثر من 90 في المئة من قيمة الأموال المكتتب بها في أسهم الشركات المطروحة للبيع، في ظل انتفاء المخاطر في هذه التمويلات بسبب تدني نسبة الأسهم المخصصة للمكتتبين. وساهم رخص التمويلات والقروض أيضاً في خفض كلفة الأموال العاملة في عدد من الشركات المساهمة العامة وبالتالي عزّز من ربحيتها، وأدت السيولة الكبيرة المتدفقة على أسواق الأسهم في العامين الماضيين في ارتفاع كبير في أسعار أسهم الشركات المدرجة، ما أدى إلى ارتفاع مؤشرات هذه الأسواق. فالسوق السعودية، وهي أكبر الأسواق الخليجية والعربية استناداً إلى مؤشرات عدة، ارتفع مؤشر أسعارها بنسبة 84.9 في المئة العام الماضي، وارتفع حجم التداول فيها إلى نحو1700 بليون ريال سعودي، تشكل ما نسبته 85.7 في المئة من حجم التداول في الأسواق الخليجية. ويعكس هذا الحجم الكبير من التداول، الذي تجاوز القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة في السوق، حجم السيولة الكبيرة المتوافرة في السوق السعودية. أما مؤشر سوق الإمارات فارتفع بنسبة 88.2 في المئة، ومؤشر سوق الدوحة للأوراق المالية بنسبة 64.5 في المئة، ومؤشر سوق الكويت بنسبة 33.8 في المئة، ومؤشر سوق الأردن بنسبة 62 في المئة. وفي ظل تحسن مناخ الاستثمار في المنطقة، إضافة إلى الارتفاع الكبير في سعر النفط العام الماضي، ارتفعت معنويات المستثمرين والمضاربين في الأسواق المالية. كذلك ساهم في تحسن أداء الأسواق العربية تواضع أداء أسواق الأسهم العالمية، وتحديداً الأسواق الأميركية. اذ انخفض متوسط ريع بعض الأسهم في الأسواق العالمية إلى أقل من اثنين في المئة وارتفع متوسط مضاعف أسعارها أكثر من 22 مرة. وعلى رغم النمو المتميز في صافي أرباح الشركات العربية العام الماضي وانعكاس هذا النمو على مؤشرات تقويم الأسهم، يتطلب الارتفاع المتواصل في سعر الفائدة على الودائع، وتوقعات أن يصل إلى مستوى أربعة في المئة خلال هذا العام، ارتفاع العائد المطلوب من الاستثمار في أسواق الأسهم. يذكر أن العائد المطلوب يتم تحديده من خلال معرفة معدل العائد المطلوب على الاستثمار الخالي من المخاطر مضافاً إليه معدل التضخم المتوقع أثناء فترة الاستثمار مضافاً إليهما علاوة المخاطر التي ينطوي عليها الاستثمار. وعلاوة المخاطر هي التي تعكس مقدار عدم التأكد حول العائد المتوقع للاستثمار، وقد تكون مصادر المخاطر داخلية تتعلق بالشركة نفسها، أو خارجية تتعلق بالسوق في شكل عام، وهي ما يُعرف بالمخاطر غير النظامية. ويتكون العائد الاستثماري في أسواق الأسهم من الأرباح النقدية التي توزعها الشركات خلال العام إضافة إلى الأسهم المجانية مضافة إليها الأرباح الرأسمالية الناتجة من الفرق بين سعر شراء الأسهم وسعر بيعها أو سعرها في السوق إذا كان الاستثمار طويل الأجل. مستشار "بنك أبو ظبي" لشؤون الأسواق المالية