يأتي قرار اتحاد أساتذة الجامعات البريطاني لمقاطعة بعض الجامعات الإسرائيلية على خلفية القرار الذي اتخذته الكنيسة المشيخية في الولاياتالمتحدة الأميركية حول مقاطعة بعض الشركات التي تتعامل مع إسرائيل. وكان اتحاد الأساتذة البريطاني قد اتخذ قراراً في مؤتمره السنوي الذي عقد في نهاية نيسان ابريل بمقاطعة جامعتين إسرائيليتين، إحداهما جامعة حيفا والأخرى جامعة بار ايلان، بسبب"اضطهاد الأولى للأساتذة الذين انتقدوا وينتقدون سياسة الدولة الإسرائيلية نحو الفلسطينيين". والثانية"لاشرافها على كلية جامعية في إحدى المستوطنات في الضفة الغربية والتي هي مستوطنات غير شرعية". وقد جاء قرار المقاطعة بعد نقاش طويل على صفحات الجرائد والمجلات ووسائل الإعلام الأخرى، وقد بدأ النقاش يأخذ شكله الجدي قبل ثلاث سنوات عندما أرسل استاذان بريطانيان زوج وزوجته رسالة الى صحيفة"ذي غارديان"البريطانية طالبا فيها الجامعات أن تقاطع إسرائيل اكاديمياً بسبب اضطهادها للفلسطينيين واحتلال أرضهم. كما طالبت الرسالة بضرورة موافقة إسرائيل على قرارات الأممالمتحدة، وأن تقوم بحوار حقيقي مع الفلسطينيين لتحقيق السلام. وبعد أن نشرت الرسالة التي وقع عليها 700 استاذ من ثلاثة عشر بلداً. وعلى اثر ذلك بدأت حملة مضادة من المؤيدين لإسرائيل أو الرافضين لأسلوب المقاطعة. وقد جمع منظموها مئات التواقيع لهذا الغرض وانشئت بعض مواقع الانترنت لذلك. وعند انعقاد مؤتمر اتحاد الأساتذة البريطانيين في العام الماضي، عرض اقتراح المقاطعة عليه ولكن الاقتراح لم يحصل على الأصوات الكافية، ولكن المؤتمر أصدر قراراً برفض مساواة العداء للسامية بالعداء للصهيونية، وتعهد الاتحاد في الوقت نفسه بمساعدة أي استاذ يؤيد المقاطعة الاكاديمية ويلقى ضغوطاً بسببها أو يُتهم بالعداء للسامية. وقد انشئت بعض مواقع للانترنت تدعو الأساتذة الى عدم المشاركة في المؤتمرات العلمية التي تعقد في إسرائيل وتدعو أيضاً الى رفض تحكيم البحوث العلمية منها أو اختبارها أو نشرها، واعترفت المؤسسات الأكاديمية في إسرائيل أن هذه الدعوة كان لها تأثير سلبي، حيث قل عدد من يحضر المؤتمرات كما ردّت نسبة لا بأس بها من البحوث على أصحابها. وعندما اعلن عن اقتراح المقاطعة قبل انعقاد المؤتمر هذه السنة، دعت المنظمات اليهودية والمؤيدة لها الى رفض الاقتراح والتصويت ضده، وكتب الكثير عن عدم قانونيته وتناقضه مع الحرية الفكرية، بل ان بعض المقالات كان فيها شيء من التهديد. فقد ذكر أحد كتّاب هذه المقالات في واحدة من الصحف الإسرائيلية بأن على اساتذة الجامعات أن يتذكروا بأن أجزاء رئيسة في شبكات الكومبيوتر في بريطانيا هي من صنع إسرائيلي، وان شبكة الكومبيوتر في المكتبة البريطانية تعمل بتقنية إسرائيلية واشراف من احدى شركات إسرائيل. أما هارون كلوغ، الحاصل على جائزة نوبل والرئيس السابق للجمعية الملكية، فقد قال عن الاقتراح بأن فيه عنصراً من اللاسامية وان المقاطعة تعطي مجالاً لأولئك اللاساميين ليعبروا عن مشاعرهم. وكان من المؤيدين لاقتراح المقاطعة ايلان بابيه، وهو أستاذ في جامعة حيفا، وكان قد هدد من قبل الجامعة بالطرد عام 2002 بسبب تجرئه على ما قامت به دولة إسرائيل في الماضي وما تقوم به في الوقت الحاضر من خرق فاضح لحقوق الإنسان بحق الفلسطينيين. وقد أرسل رسالة الى المؤتمر يحض فيها المؤتمرين على اتخاذ قرار بالمقاطعة. ومن المفيد أن أنقل بعض مقاطع هذه الرسالة. يقول بابيه:"... انني أدعوكم كيهودي كان يحاول أن يجد طريقاً بديلاً لانهاء الظلم المستمر ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وداخل اسرائيل وفي المخيمات... ان الامثلة التاريخية في جنوب افريقيا وحركة غاندي أكدتا ان هناك طريقاً سلمياً لوضع حدّ لأطول اضطهاد وخرق لحقوق الإنسان في القرن الماضي. إن الدولة تحظى بتأييد المؤسسات الأكاديمية والثقافية، ولذلك فإنها يمكن أن تستمر في سياستها بتهديم البيوت وطرد العوائل والتنكيل بالمواطنين وقتل الأطفال والنساء كل يوم تقريباً دون أن تحاسب لا اقليمياً ولا دولياً على هذا الاجرام. ولذلك فإن الرسالة التي ستوجه خاصة للمؤسسات الأكاديمية التي لها المشاركة في إدامة الظلم منذ عام 1948 ومنذ احتلال عام 1967 ستضع الاساس لحملة ناجحة من أجل السلام. انني أشكركم مقدماً على تأييدكم وإذا ما قررتم أن تصوتوا للمقترح الجريء فإنكم سوف تقووا من عزيمتي وعزيمة اصدقائي الذين أنا مقتنع منهم بأنهم سيكونون قادرين على بناء اساس عادل للسلام والصلح مع زملائنا الفلسطينيين...". وبعد صدور قرار المقاطعة مباشرة استقال بعض الأعضاء اليهود من الاتحاد ودعوا زملاءهم الى الاقتداء بهم. كما كانت هناك ردود فعل كثيرة وقوية. وفي بعض الأحيان مرتبكة لأن المنظمات اليهودية على ما يبدو لم تكن تتوقع أن يصدر الاتحاد مثل هذا القرار، ولذلك لم تبق صحيفة يهودية كبيرة إلا وكتبت عنه ولا منظمة مهمة من منظمات اليهود إلا وانتقدته كما كان هناك رد فعل رسمي في إسرائيل وغير رسمي. فقد أصدرت وزارة الخارجية بياناً قالت فيه عن القرار بأنه فضيحة ويتسم بالنفاق، ودعت المؤسسات الأكاديمية البريطانية الى تجاهله. كما أصدرت السفارة الإسرائيلية في لندن بياناً ايضاً انتقدت فيه القرار بشدة. أما المركز الدولي في هرتزيليا فقد اعتبر صدور القرار جزءاً من محاولة تهدف الى ازالة الشرعية عن إسرائيل... وإن المؤيدين للقرار هم الرافضون لوجود إسرائيل وهم يريدون أن تحل محلها دولة واحدة ذات قوميتين. كما أدانه في بريطانيا مجلس ممثلي اليهود ورئاسة الحاخامية والمنظمة الصهيونية وجمعية أصدقاء إسرائيل الأكاديميين. وقد أصرت المنظمات اليهودية والكتّاب اليهود على إلغاء القرار أو تعديله، بل ان البعض من هؤلاء الكتّاب قال بثقة بأنه سيُلغى. واعترف بعض مسؤولي هذه المنظمات بأن القرار كان نصراً حققته المنظمات الفلسطينية والمتعاطفون معها. وقد قال هؤلاء عنها انها تعمل بتخطيط جيد وتقوم بخطوات مدروسة. ومعروف أن هناك منظمات فلسطينية تدعو منذ فترة الى مقاطعة إسرائيل اكاديمياً وثقافياً. وقد كان لها دور أساسي في اصدار هذا القرار، خاصة منظمة PCACBI. كما اعترف هؤلاء المسؤولون بأن القرار مؤشر على فشل المنظمات اليهودية، ولذلك أخذت أصوات تدعو الى إعادة النظر في نشاط هذه المنظمات ومناقشة خططها وربما تعديل وسائل عملها. ولكن مهما غيرت هذه المنظمات من خططها وأسلوبها، فإن الناس لا بد وأن يكتشفوا يوماً بأنها تدافع عن أعمال غير قانونية ودولة تستهين الشرعية الدولية. ولقد قامت هذه المنظمات بعد صدور قرار المقاطعة بحملة قوية ومركزة لإلغاء القرار وقد نجحت طبقاً للصحف اليهودية على ارغام الاتحاد على عقد اجتماع استثنائي في نهاية شهر أيار مايو لإعادة النظر في القرار. ولكن حتى لو الغي القرار فإن رسالته لا شك قد وصلت، وهي أن هناك اليوم في الغرب من يتجرأ ويقول"لا"لسياسة إسرائيل حيال الفلسطينيين ولم يعد مكترثاً بتهمة اللاسامية أو خائفاً منها. * أكاديمي عراقي لندن.