تعيش منطقة الخليج انتعاشاً غير مسبوق في نشاط المصارف الاسلامية، وهي التي شهدت ولادة عدد من البنوك الجديدة وتحويل اخرى من تقليدية الى اسلامية، لتلبية الطلب المتزايد الذي ينمو بحدود 20 في المئة سنوياً. فالنظام المصرفي الاسلامي يتمتع بوصفة سحرية يريدها الجميع من مستمثر ومالك تتمثل بعوائد مغرية ومخاطر قليلة. والأهم من ذلك في رأي المؤمنين بهذا النظام، أنه يتبع الشريعة الاسلامية التي تحرم الربا، والاتجار بكل ما هو محرم دينياً. ولكن في مقابل هذا الزخم فإن هناك تحديات كبيرة تواجهها المؤسسات المصرفية الاسلامية، من تطوير مستمر لخدماتها ونقص الكوادر المتخصصة بالشريعة، الى اقتحام المصارف الاجنبية هذا المجال بقوة لأسباب واضحة. الأصول الاسلامية في الخليج أكثر من 180 بليون دولار الارقام مذهلة بكل المقاييس. فالمصرفيون قدروا حجم الاصول الاسلامية في منطقة الخليج بأكثر من 180 بليون دولار بينما يتواجد أكثر من 270 مؤسسة مصرفية ومالية اسلامية حول العالم تدير اصولاً يزيد حجمها عن نحو 300 بليون دولار، بينما يزيد حجم الودائع لديها عن 200 بيلون دولار، وتحقق معدل نمو في صافي الارباح بالنسبة الى حقوق المساهمين يقترب من 15 في المئة سنوياً. وتتوقع بعض الدراسات ان تكون المصارف الاسلامية حول العالم مسؤولة عن ادارة ما بين 40 و50 في المئة من اجمالي مدخرات العالم الاسلامي خلال السنوات العشر المقبلة، خصوصاً بعد اتجاه الكثير من المصارف التقليدية العريقة الى فتح فروع او نوافذ اسلامية حتى لا تخسر بعض العملاء، في حين آثرت اخرى التحول من بنوك تقليدية الى "اسلامية"، فضلاً عن ولادة الكثير من المؤسسات التمويلية المتخصصة بقطاعات بعينها. إصدارات بأكثر من 4 بلايين دولار وفي ضوء هذا الزخم الذي تشهده الصيرفة الاسلامية، قامت المصارف في المنطقة بإصدار صكوك في اسواق الاسهم المحلية لتمويل عشرات المشاريع وصفقات طيران، لاقت اقبالاً كبيراً من جانب المستثمرين، وزادت المبالغ المكتتب بها عن المبالغ المطلوبة. وقدر الخبراء قيمة الاصدارات الاسلامية التي اطلقت في المنطقة خلال العام الماضي بأكثر من اربعة بلايين دولار. وبدأت المصارف الاجنبية التقليدية العاملة في منطقة الخليج خصوصاً وحول العالم عموماً، تزاحم المؤسسات المالية الاسلامية، باطلاق خدمات "الاجارة" و"المضاربة" و"المشاركة" و"السلم" و"المرابحة" وغيرها من الخدمات المصرفية الاسلامية، منجذبة وراء السيولة الكبيرة في العالم الاسلامي وزيادة الطلب على هذا النوع من الخدمات، خصوصاً بعد احداث ايلول سبتمبر، والتي كان من تداعياتها محاصرة بعض الاموال العربية والاسلامية في الغرب. ولم تكتف البنوك العالمية بذلك، بل شاركت المؤسسات الاسلامية الخليجية في اصدار صكوك اسلامية لتمويل مشاريع في المنطقة، اذ دخلت في شراكة معها بنحو 60 في المئة من اجمالي الاصدارات العام الماضي. السوق الأوروبية اما على الجانب الاوروبي نفسه، فمن المتوقع ان يصدر في السوق الاوروبية خلال الاشهر القليلة المقبلة عدد من السندات وفق الشريعة الاسلامية بدأ أولها في ألمانيا، وان يتطلع عدد متزايد من المقترضين الاوروبيين الى الاستفادة من اموال المستثمرين المسلمين كمصدر للتمويل، وذلك اقتناعاً بأن التمويل الاسلامي اسلوب جيد ينوع قاعدة المستثمرين ويوفر قيمة اقتصادية مماثلة للصفقات التقليدية، وهو وضع لا خسارة فيه لأنه يسمح ايضاً للمستثمرين المسلمين بتحقيق الاهداف ذاتها. صناديق التحوط والسندات ومن بين المنتجات التي بدأت بعض المصارف الاسلامية تطويرها لخدمة المسلمين، من تركيا الى اندونيسيا، صناديق التحوط والسندات المدعومة بأصول والرهن العقاري والصناديق العقارية وصناديق الاسهم الخاصة، علماً ان التمويل الاسلامي ظهر كسوق نامية في العقد الماضي ودعمته في شكل اساس صناديق الاسهم، ولكنه لقي رواجاً كبيراً بعد احداث الولاياتالمتحدة عام 2001. وتشير الدراسات الى امتلاك المؤسسات المالية الاسلامية لفرص نمو اكبر في المستقبل. اذ اوضح تقرير صادر عن البنك الاسلامي للتنمية في جدة ان المصارف الاسلامية مرشحة لجذب على ما بين 40 و50 في المئة من المدخرات الاسلامية العالمية خلال السنوات العشر المقبلة. لكن الخبراء يرون ان اجمالي الصناديق المتاحة للعمليات المصرفية الاسلامية، أي نحو 300 بليون دولار، لا يزال هامشياً، مقارنة بثروة مالية تقدر بنحو 1،1 تريليون دولار في الشرق الاوسط وحده من دون اضافة اموال المسلمين الاثرياء المقيمين خارج المنطقة. وبإلقاء نظرة على مؤشر "داو جونز تايتانز 100" للسوق الاسلامية الذي دشن قبل اربعة اعوام، يتضح ان اداء محافظ الاسهم التي تلتزم الشريعة مماثل لتلك التي تطبق قواعد مصرفية تقليدية على مدار السنوات الثلاث الماضية. يؤكد الخبراء ان المصارف الاسلامية أظهرت قدرتها على تحقيق عائدات قوية مثل اقرانها التقليديين، ولكن ينبغي لها ان تقدم مروحة أوسع من المنتجات لاجتذاب ما يزيد عن بليون مستثمر ومقترض مسلم، على حد تعبير الخبير في شؤون المصارف الاسلامية جعفر عويضة. ولا ينكر الخبراء وجود تحديات تواجه المصارف الاسلامية في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع هبوب رياح العولمة على المنطقة، التي تسعى المصارف الاجنبية من خلالها الى شراء مصارف اسلامية، او منافستها في هذا النوع من الخدمات سواء على صعيد المنطقة او في الخارج. عمليات الاندماج حدثت في الآونة الأخيرة جملة من التطورات البالغة الأهمية بالنسبة الى الصناعة المصرفية الإسلامية في المنطقة. فقد تمت عملية اندماج وإعادة هيكلة للكثير من المؤسسات المالية الإسلامية في محاولة لمواجهة تحديات العولمة، مثل الاندماج بين مصرف فيصل الإسلامي في البحرين والشركة الإسلامية للاستثمار الخليجي، ونتج منهما مصرف البحرين الشامل. كما تأسست شركة البركة القابضة برأسمال مقداره 560 مليون دولار تدير حوالى 25 مصرفاً إسلامياً، كما تمت زيادة رأسمال أول المصارف الإسلامية وهو بنك دبي الإسلامي. كذلك رفع مصرف أبو ظبي الإسلامي رأس ماله الى بليون درهم إماراتي. توسيع قاعدة السوق واتجهت المصارف الإسلامية نحو توظيف السيولة، وتوسيع قاعدة سوقها، وزيادة خدماتها المالية والاستثمارية، وذلك من خلال تأسيس المحافظ الاستثمارية المحلية وصناديق الاستثمار في الأسهم العالمية. واستطاع مصرف أبو ظبي الإسلامي أن يطرح للمرة الأولى في منطقة الخليج صندوقاً إسلامياً تحت اسم "صندوق هلال" لتوزيع الاصول. ودخل كثير من المصارف الإسلامية هذا المجال، وبرزت الشراكات مثل شراكة "إسلام آي آيو" وهي أول مؤسسة إسلامية في مجال الإدارة المالية وتقديم خدمات التمويل والاستثمار، لا سيما شراء الأوراق المالية الإسلامية وبيعها في الأسواق الأميركية، حيث ان لديها فرصة تصفح الاسهم لأكثر من 6 آلاف من الشركات المشتركة المدرجة في الأسواق الأميركية، ودراسة مدى ملاءمتها للاستثمار الإسلامي، وتمكين العملاء من الاستثمار في المجالات التي يرغبون بها. ويلاحظ أن عدداً من المصارف التقليدية يتجه اليوم للتحول إلى نظام المصارف إلاسلامية. فقد قام مصرف الجزيرة السعودي بالتحول إلى مصرف إسلامي، كذلك بنك الشارقة الوطني وبنك الشرق الاوسط الاماراتيان. كما تزايد الاهتمام بدراسة تجارب المصارف الاسلامية في الفترة الاخيرة من المراكز العلمية والجامعات، مثل جامعة أم درمان الإسلامية الرائدة في مجال المصارف والاقتصاد الإسلامي. وأقيم في المملكة العربية السعودية مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي، وأسست جامعة الملك عبدالعزيز مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، وهناك الجامعة الاسلامية في الرياض، والجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا. الهيئات الاشرافية والرقابية ومن التحديات الأخرى، عدم وجود هيئة إشرافية تدعم المصارف والشركات الإسلامية بالأساليب العلمية والعملية لحل المشكلات الميدانية ذات الصلة بالعمل المصرفي الإسلامي. وبهدف مواجهة هذه التحديات، قال عويضة انه لا بد من الادارة السليمة للمخاطر على ضوء المعايير الدولية، والتكتل والاندماج، وايجاد النظم القانونية والضريبية المناسبة، وكذلك النظم الاشرافية والرقابية، وتطوير اسواق المال الاسلامية، والتوعية الدولية بالصيرفة الاسلامية، والاستثمار في مجالات الأبحاث والتطوير. وقال الرئيس التنفيذي لمصرف الامارات الاسلامي، ابراهيم الشامسي، ان على المصارف المركزية في الدول الاسلامية، إنشاء نظام رقابي خاص بالمصارف الاسلامية، ما دامت فرضت نفسها حتى على الصعيد العالمي، كنظام مصرفي له قوانينه وقواعده المختلفة عن المصارف التقليدية. الخدمات المصرفية الاسلامية وعن الخدمات المصرفية الاسلامية قال ان هناك مجموعة من الصيغ التمويلية الاسلامية التي تعتمد عليها المصارف الاسلامية ك"المرابحة" وهي اسلوب فاعل لتمويل مختلف الطلبات التي يقدمها العملاء مبيناً ان المرابحة في اللغة هي من الربح وهي الزيادة وفي الاصطلاح تعني البيع بمثل الثمن الاول مع زيادة مقدار ربح معلوم. كما اشار الى "المضاربة" التي تعتبر من اهم وسائل الاستثمار التي تعتمدها المصارف الاسلامية في كثير من استثماراتها لما لها من مشاركة بين العمل من جانب والمال من جانب آخر، ومزج بين الخبرات والطاقات الفكرية والبدنية، وبين الطاقات المادية بما يخدم مصالح الافراد على مختلف المستويات، إذ ان المضاربة كلمة مأخوذة من الضرب في الارض، اي السير فيها. فيما تعني شرعاً عقد شركة في الربح بين طرفين او اكثر يقدم احدهما مالاً ويقدم الآخر عملاً. ويسمى الاول رب المال والثاني المضارب وتكون حصة كل منهما من الربح بحسب ما اتفقا عليه بعد ان يستوفي رب المال رأس ماله. وأضاف ان "الاجارة" التشغيلية والمنتهية بالتمليك تعد ايضاً من الادوات الاساسية للتعامل في المصرف الاسلامي، وتعبر عن تمليك منفعة بعوَض. وتقدم المصارف الاسلامية الاجارة بنوعيها التشغيلي والتمليكي. فيمكن العميل ان يطلب تمويل اجارة لعقار او اجهزة او آلات ونحوه. فيقوم المصرف بتملك العين وبعد ذلك يقوم بتأجيرها اجارة عادية او اجارة منتهية بالتمليك حيث تؤول العين المؤجرة الى العميل ويتملكها في نهاية العقد. وقد برزت اهمية "الاستصناع" في طريق الاستثمار الاسلامي، ويقدم المصرف الاسلامي اداة الاستصناع التي تهدف الى تمويل الاستثمارات الصناعية. والاستصناع في اللغة هو ان يطلب شخص من صانع ان يصنع له شيئاً ما. وفي الاصطلاح هو عقد مع صانع على عمل شيء في الذمة، فالعقد يكون على شراء ما سيصنعه الصانع مستقبلاً وتكون السلعة او العمل من الصانع. كما يعد "السلم"، اداة تمويل ائتمان ذات كفاية عالية في الاقتصاد الاسلامي وفي نشاطات المصارف الاسلامية من حيث مرونتها واستجابتها حاجات التمويل المختلفة. والسلم من اهم العقود التي تخدم فئة كبيرة من العاملين في مختلف المجالات الزراعية التجارية. والسلم او السلف هو بيع موصوف في الذمة بثمن حال مؤجل عند العقد بشروط خاصة.