أصبحت المصارف الإسلامية جزءاً مهماً في حياة الأمة الإسلامية، وقد قدمت فكراً اقتصادياً ذا طبيعة خاصة وحطمت جدار الشك في عدم قدرتها على تطبيق المعاملات الاقتصادية في حياتنا الحديثة، وبذلك تجاوزت إطار الوجود، إلى آفاق التفاعل والابتكار والتعامل بإيجابية مع مشكلات العصر التي يواجهها عالم اليوم، الأمر الذي يستدعي التعرف على مفهومها والإحاطة بخصائصها . البنك الإسلامي مؤسسة نقدية مالية تعمل على جذب الموارد النقدية من أفراد المجتمع وتوظيفها توظيفاً فعالاً يكفل نموها في اطار قواعد الشريعة الإسلامية التي تمثل مقومات وجوده، ويوظف افعاله في أنشطة الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والادخار وغيرها من الأنشطة غير الاقتصادية. ويتوخى المصرف الاسلامي مراعاة القواعد الاقتصادية الحاكمة للعمل المصرفي لا سيما الالتزام في معاملاته بالحلال والابتعاد كل البعد عن المجالات المشكوك فيها. ومن هنا فإن البنوك الإسلامية لا تتعامل بالفائدة أياً كانت صورها وأشكالها، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهذا لا يعني ان المصرف الإسلامي لا يهدف إلى تحقيق الربح، بل يهدف إليه ويعمل على انمائه ولكن في اطار ضوابط إسلامية واضحة يتحدد عبرها مصدر الربح من خلال صيغ استثمار إسلامية حقيقية نتضافر فيها كل عناصر الانتاج بشكل فعال، بمعنى أن يتم اختيار أفضل السبل لتوظيف المال وانمائه وإدارته إدارة جيدة وبالشكل الذي يفي بحاجة الأفراد وحاجة المجتمع الإسلامي. كما ان من مستلزمات نجاح عمل البنك الإسلامي الالتزام في معاملاته بالصدق والصراحة والوضوح والشفافية التامة بين البنك والمتعاملين معه، لا سيما المحافظة على سرية معاملات عملائها. ويبقى وجود هيئة للرقابة الشرعية المكونة من كبار علماء المسلمين وبعض علماء الاقتصاد الإسلامي بمثابة الضابط الذي يحقق التوازن في كل أعمال البنك. ويتعين على البنك الإسلامي أن يعمل على تنمية المال باعتباره مستخلفاً فيه ووكيلاً عن أصحابه وتوظيفه التوظيف الفعال لصالح المجتمع، وباعتباره أصلاً من أصوله التي يتعين تنميتها. إن التقدم الاقتصادي الحديث عموماً، وتطور سوق النقد خصوصاً، شهد من تنوع أدوات التمويل وتعدد مؤسساته واتساع نطاق التخصص فيه، ما أدى إلى تسهيل تحرك الأموال بين المدخرين والمستثمرين في قنوات متنوعة، ومن هنا تأتي الأهمية التي يجب أن تبذلها الإنسانية لحماية الجسم الاقتصادي وذلك من خلال تحويل أسلوب التعامل والتمويل من الربا إلى المشاركة حتى تحقق تنمية مستمرة واستقراراً دائماً وتوازناً عادلاً. فأسلوب المشاركة بطبيعته يغلب النشاط الإنتاجي على النشاط المالي، والنهج المصرفي الإسلامي وحده القادر على أن يحدث التحول التاريخي للبشرية من أسلوب الضمان والعائد الثابت إلى أسلوب المخاطرة والمشاركة. ولكي يتحول العمل المصرفي الإسلامي إلى مؤسسة المشاركة، فلا بد من أن يقيم تنظيماً جديداً فنياً وادارياً لسوق النقد، حيث يتحول اهتمامه من إدارة الإقراض إلى إدارة الاستثمار، ومن التركيز على الضمان إلى التركيز على الجدوى الاقتصادية، ومن اشتقاق الائتمان للحصول على فائدة إلى تحفيز الادخار والاستثمار بالمشاركة. مصارف شاملة تعد المصارف الاسلامية مصارف شاملة من حيث مستوى الالتزام بالعقيدة في الزكاة او القرض الحسن او الضوابط الاخلاقية ومن حيث الجانب التجاري حيث تتناول المرابحة او الاجارة. ومن الجانب الاستثماري تضم المصارف الاسلامية صناديق استثمار، اما في الجانب التنموي فان هذه المصارف تقوم بالمشاركة والاستصناع والمشروعات التنموية التي تستند على دراسات الجدوى. ان الاهمية التي اكتسبتها اعمال مراقبة الحسابات والبعد الاقتصادي لنتائج خدماتها اصبحت تلازم القطاعات في مسارها وتتطور معها كلما دعت الحاجة لتواكب التقلبات والاحداث الاقتصادية والمالية. التميز والابداع تبحث البنوك والمؤسسات الاسلامية على مكان لها في الصدارة دائماً، وتسعى لتكون في المقدمة وقادرة على مواجهة المنافسة وتحقيق الربح الاكثر والاداء الافضل والانتشار الاوسع. ومن المؤكد ان الأفضل هو الذي يكون قادراً على الابتكار والتجديد على أساس متطور، والادارة الأفضل هي التي تكون قادرة على مساعدة الأفراد والاستفادة من مواهبهم الإبداعية. والبنوك والمؤسسات المالية الاسلامية، بعد ان اصبحت واقعاً ملموساً وتزداد انتشاراً وتوسعاً، باتت تواجه تحدياً جديداً ألا وهو الابتكار والابداع ووضعها في الممارسة الصحيحة، وهذا ما يستدعي التأكيد على أهمية استثمار الأفكار البناءة لدى الفرد في تحريك مواهب الآخرين ومهاراتهم بشكل يخدم الجميع، وهذا ما لا يتمّ إلا إذا توافرت المقوّمات الأساسية للابتكار وارتفعت معوقاته. إن الإداري المبدع هو الذي يرى جهده متكاملاً مع الجهود التي يقدمها الآخرون ويرى في إنجازات الآخرين إنجازات للمؤسسة، وإنجازات المؤسسة في المحصلة النهائية هي إنجازات الجميع. وهذا البعد الإنساني في التعامل مع الأفراد يعتمد على القناعة بأن الإنسان هو جوهر الإبداع والابتكار. "السلم والإجارة" يمثل السلم أداة من أدوات البنوك الإسلامية، وهو عبارة عن عقد بيع يتم بموجبه تسليم ثمن حاضر مقابل بضاعة مؤجلة موصوفة بدقة ومعلومة المقدار. وتأتي أهمية هذا النمط من التعامل المصرفي من أنه يعطي قدراً من التمويل للبائع حتى يقوم بتسليم بضاعته بعد فترة معينة، وهو عكس البيع بالأجل الذي يتم بموجبه الاتفاق على تسليم بضاعة حاضرة مقابل ثمن مؤجل، وهذا النمط الآخر مهم أيضاً لتوفير قدر من التمويل للمشتري حتى يتمكن من دفع الثمن بعد فترة معينة. ويندرج مفهوم الإجارة في اطار البيع، فإذا كان البيع مختصاً بتمليك الأعيان فإن الإجارة تختص بتمليك المنافع بمقابل وهي الأجرة. وللإجارة نوعان أساسيان: أحدهما يسمى التأجير التشغيلي اتفاق حول استئجار أصل معين، واستخدامه بواسطة مستأجر، في مقابل التزام الأخير بسداد مبالغ دورية لفترة زمنية محددة في العقد إلى المالك الأصلي، والثاني هو التأجير التمويلي ويتضمن تقديم البنك خدمة تمويلية عن طريق شراء سلعة تؤجر للعميل لاستخدامها في أعماله، مقابل أن يقوم العميل بدفع أقساط إيجارية كل فترة معينة. التورق والاستصناع يعد التورق من الأدوات التمويلية الهامة في البنوك الإسلامية، ويعني أن يذهب الشخص إلى البنك ليشتري البضاعة بالتقسيط، ولكنه في الحقيقة لا يريد البضاعة وإنما يريد ثمنها، فيشتريها بالتقسيط ويذهب ليبيعها في السوق نقداً بأرخص من الثمن الذي اشتراها به ليستفيد بالثمن. وقد أجاز المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي هذا النوع من التورق الفردي، وتم التوسع في هذا الأسلوب وأصبحت البنوك الإسلامية تمارسه لذاتها فتحول من طابعه الفردي الى الطابع المصرفي، حيث اصبح تورقاً مصرفياً أو منظماً، لكنها لم تستمر به لأنه لقي معارضة شديدة من المجمع الفقهي لرابطة العالم الاسلامي. أما الاستصناع فهو من أدوات التمويل الإسلامي كذلك، ويعني أن البنك يطلب من الصانع أن يصنع شيئاً بثمن معلوم يتم الاتفاق عليه. التعاون المثمر بين المال والعمل شرع الإسلام المضاربة وأباحها تيسيراً على الناس حتى يستفيد صاحب المال الذي لا يملك القدرة على استثماره من كفاءة العامل الذي يمتلك تلك القدرة بينما قد لا يتوافر لديه المال فتتحقق نتيجة هذا التعاون منافع كثيرة. وأباح الإسلام التعامل بالمضاربة لشدة حاجة الناس إليها، ولما يترتب عليها من منافع عديدة. وتعامل بها الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه من بعده، فالإسلام حريص كل الحرص على استثمار المال وعدم تركه عاطلاً، وحريص أيضاً على قيام الإنسان بالعمل وابتعاده عن الكسل والتعطل، إذ ليس كل من يملك المال لديه القدرة على العمل فيه واستثماره، ولا كل من يملك القدرة والكفاءة على العمل يتوافر لديه المال. ومن هنا كانت المضاربة الأداة التي تحقق التعاون المثمر بين المال والعمل لصالح الطرفين والمجتمع في آن واحد. وتتحقق عملية سد حاجة الطرفين وتوسعة أبواب الرزق الذي يعود على رب المال والمضارب، بالإضافة لما فيه من نفع للمجتمع وتنمية له. يقوم كل عقد من العقود في الشريعة الإسلامية على عدد من الأركان، ويتحقق وجوده بوجودها وينعدم بانعدامها. ولكل ركن من هذه الأركان شروط يجب توافرها حتى يكون هذا العقد صحيحاً، فبالاضافة الى الصيغة والمتعاقدين اللذين يجب توافرهما في اي عقد، هناك رأس المال والربح والعمل، وتعرف هذه بشروط المضاربة، وهي تنطوي على أن يكون رأس المال نقداً ومعلوماً، وأن تمنح الحرية الكاملة للمضارب وإطلاق يده في التصرف فيه. ولكي تكون شروط المضاربة صحيحة اشترط الفقهاء في موضوع الربح أن يكون نصيب كل طرف معلوماً عند التعاقد، ويكون الربح مشتركاً بين المتعاقدين بحيث لا يختص به أحدهما دون الآخر، وأن يكون توزيع الربح حصة شائعة كنصفه أو ثلثه أو أي جزء شائع يتفقان عليه، ولا يجوز أن يحدد بمبلغ معين لأن العامل هنا يصبح أجيراً. أما الخسارة فقد اتفق جمهورالعلماء على أن تكون على صاحب رأس المال ولا يتحمل العامل شيئاً، طالما أنه لم يقصِّر أو يخالف الشروط. ومعنى ذلك أنه في حالة الخسارة يتحمل كل طرف من جنس ما ساهم به في المضاربة، رب المال من رأس ماله والعامل من جهده وعمله. الصكوك الاسستثمارية ساهمت البنوك الإسلامية في خلق ما يسمى بصكوك الاستثمار التي تعني وثائق متساوية القيمة تمثل حصصاً شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك وقفل باب الاكتتاب وبدء استخدامها في ما أصدرت من أجله. وتعرف هذه الأداة التمويلية ب "الصكوك الاستثمارية" تمييزاً لها عن الأسهم وسندات القرض. والصك الاستثماري قد يكون صك استصناع أو مرابحة أو مشاركة أو إجارة أو مزارعة أو غير ذلك. كما تتعامل المصارف الإسلامية في عملياتها الإنتاجية والمالية بأسلوب الأوراق المالية بطريق مباشر أو غير مباشر، كالأسهم، وصكوك المشاركة الإسلامية العامة المطلقة والمقيدة، وصكوك المشاركات الإسلامية المتناقصة المنتهية بالتمليك، وصكوك تمويل رأس المال بالمشاركة، وصكوك المضاربة الشرعية والبيع التأجيري الإسلامية. لقد شهدت السوق المالية الإسلامية موجة من عمليات إصدار الصكوك إلاسلامية، بدأتها مملكة البحرين بصكوك التأجير الإسلامية الحكومية بقيمة 40 مليون دينار بحريني والتي أصدرتها مؤسسة نقد البحرين بالنيابة عن الحكومة، وبلغت مدة الإصدار 10 سنوات اعتباراً من 20 تموز يوليو 2004 إلى 20 تموز 2014 يتم خلالها دفع عائد تأجير الأصول الممثلة لهذه الصكوك كل ستة أشهر في 20 كانون الثاني يناير و20 تموز من كل عام خلال مدة الإصدار حيث يبلغ العائد السنوي للتأجير 5.125 في المئة. وفي الكويت شارك بيت التمويل الكويتي بإصدار أول صكوك إجارة لدولة أوروبية وفق الشريعة الإسلامية قيمتها 100 مليون يورو 123.74 مليون دولار لصالح ولاية "ساكسوني أنهلت" الألمانية تبلغ حصته فيها 30 مليون يورو وتقوم "سيتي غروب" بدور المدير الرئيسي للإصدار، علماً أن الصكوك ومدتها خمس سنوات تقابلها ممتلكات عقارية مملوكة لوزارة المالية في الولاية وهي إحدى الولايات التسع عشرة في الجمهورية الاتحادية، وستكون الضامن لهذه الصكوك التي ستدرج لاحقاً في بورصة لوكسمبورغ. المحاسبة والمراجعة اصبحت عملية الافصاح والشفافية في إعداد البيانات المالية للمنشآت في النظام المصرفي والمالي في أي اقتصاد من الامور التي تطالب بها المنظمات والمؤسسات الدولية. وكنتيجة لتطور عمل المصارف الاسلامية واتساع نطاقها، ظهرت الحاجة الى اصدار معايير معتمدة في المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الاسلامية لأسباب تتعلق بطبيعة الانشطة التي تزاولها المؤسسات المالية الاسلامية، والتي تختلف عن طبيعة الانشطة التي تمارسها المؤسسات المالية التقليدية ما يجعل المعايير التقليدية غير صالحة لقياس وتسجيل وعرض معاملات المؤسسات المالية الاسلامية والافصاح عنها. إن المؤسسات المالية الاسلامية تطبق منهج الاقتصاد الاسلامي وتراعي البعد الاجتماعي من خلال تطبيق فريضة الزكاة، وهو ما لا يتوافر في المؤسسات التقليدية وبالتالي تحتاج لمعايير في القياس والعرض ومعايير للاخلاقيات في المعاملات والعمل المهني تتفق مع المبادىء الشرعية. إن المعلومات التي يحتاجها مستخدمو قوائم المؤسسات المالية الاسلامية تختلف عن تلك التي يحتاجها مستخدمو القوائم المالية للمؤسسات التقليدية، كما ان اعداد وتطبيق مثل هذه المعايير يعزز من مصداقية القوائم المالية التي تعدها المؤسسات المالية الاسلامية. إن خضوع المؤسسات المالية الاسلامية لعدة انظمة وقوانين مختلفة في البلدان التي تعمل فيها يجعل من اعداد واصدار معايير محاسبية موحدة لتلك المؤسسات عاملاً مساعداً في تقبل الجهات الاشرافية في تلك الدول لهذه المعايير، وتوحيد المعايير المحاسبية للمؤسسات المالية الاسلامية يعد خطوة على طريق تمتين العمل المصرفي الاسلامي. البنوك الاسلامية والتنمية الاجتماعية تؤدي التنمية الاقتصادية وظيفتها الاقتصادية الى جانب وظيفة اجتماعية حيث أنها تستهدف رفاهية الانسان ورفع مستوى معيشته. والتنمية الاجتماعية هي الأخرى تؤدي إلى جانب وظيفتها الاساسية وظيفة اقتصادية حيث أنها تهدف إلى تحقيق أقصى استثمار ممكن للطاقات والامكانات البشرية الموجودة في المجتمع. والبنوك الإسلامية هي أجهزة مالية تستهدف التنمية وتعمل في اطار الشريعة الإسلامية وتلتزم بكل القيم الأخلاقية التي جاءت بها الشرائع السماوية، وتسعى إلى تصحيح وظيفة رأس المال في المجتمع. وهي أجهزة تنموية اجتماعية مالية من حيث انها تقوم بما تقوم به البنوك من وظائف في تيسير المعاملات، وتنموية من حيث انها تضع في خدمة المجتمع وتستهدف تحقيق التنمية فيه. وتكتسب الشؤون الاقتصادية أهمية خاصة في الشريعة الاسلامية وفي الفكر والثقافة الاسلامية لعلاقتها بحياة الإنسان واستقرار المجتمع وتطوره. فالنظام الرأسمالي يقوم على أساس آلية السوق وإطلاق الحرية الاقتصادية من دون قيود تحول دون الاستغلال، أما النظام الاقتصادي في الاسلام فقد اعتبر العمل والانتاج من مهام الإنسان الأساسية، ودعا الى احترام الملكية الفردية وتحقيق التوازن الاقتصادي في المجتمع الاسلامي والحيلولة دون إثراء طبقة على حساب الأخرى. لقد وضعت الشريعة الاسلامية أسساً وقيماً لتنظيم الانتاج والتوزيع والادخار والاستهلاك والانفاق للحفاظ على استقرار اقتصاد الفرد والمجتمع والدولة، وتجنب المخاطر السياسية والأمنية والصحّية والاجتماعية، وتثبيت مبدأ الكفالة والضمان.