خطت الحياة السياسية في لبنان خطوتين مهمتين على طريق تبديد الأجواء الطائفية التي ظهرت خلال الأيام الماضية بإعلان سعد الدين الحريري ضم السيدة صولانج بشير الجميل الى لائحة المرشحين ال23 في الدوائر الثلاث في بيروت، وبإعلان رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط في حضور السيدة ستريدا سمير جعجع ضم مرشح"القوات اللبنانية"جورج عدوان الى لائحته في دائرة الشوف 8 مقاعد. كما ضمت لائحة الحريري عضو لقاء قرنة شهوان جبران تويني. راجع ص 2 و3 وأبلغت المملكة العربية السعودية، على لسان قيادتها امس، رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي استمرار دعمها ومساندتها للشعب اللبناني ومواصلة الطريق لإجراء الانتخابات النيابية. وكان ميقاتي التقى في زيارة للرياض استمرت يوماً واحداً خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران المفتش العام الأمير سلطان بن عبدالعزيز وأمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز. وجاءت الخطوتان لتكرسا طي جانب من تداعيات الحرب اللبنانية، ولتخفف الاحتقان الطائفي الذي ساد خلال الأسبوع الماضي جراء الاعتراض المسيحي على قانون العام 2000 الذي ستجرى على اساسه الانتخابات النيابية، وعلى تجاهل بعض المعارضين المسلمين، حلفاءهم المسيحيين في تركيب لوائح المرشحين في عدد من المناطق، ما تسبب في المقابل برد فعل اسلامي. إلا ان خطوتي الأمس، خصوصاً في بيروت، حيث قدم النائب الحليف لآل الحريري، الدكتور غطاس خوري تضحية كبيرة بانسحابه لمصلحة صولانج الجميل، ساهمتا في استيعاب اجواء الاحتقان وتراجعه، على امل ان تتبعهما خطوات مماثلة اخرى خصوصاً في منطقة الشمال حيث ينتظر ان تضم لوائح المعارضين مرشحين آخرين ل"القوات"ول"قرنة شهوان". وضمت اللائحة التي اعلنت اسماء اعضائها ال19 برئاسة سعد الدين الحريري من دارة آل الحريري في قريطم، في حضور حشد كبير من المؤيدين اضافة الى صولانج الجميل وتويني ومرشحين عن الحزب التقدمي الاشتراكي و"حزب الله"وحزبي الرامغفار والهانشاك الأرمنيين وعدداً من المستقلين. وقوبل اعلان اللائحة بتصفيق حاد وسط لحظات عاطفية إذ بكى العديد من الحضور نظراً الى ان الحدث يحصل في ظل غياب الرئيس رفيق الحريري وتحت صورته العملاقة في القاعة الكبرى في دارته في قريطم. وبدا التأثر على سعد الحريري الذي اغرورقت عيناه بالدموع وتم الإعلان على وقع اغان اعدت خصيصاً للرئيس الشهيد وكان سبقه اعلان النائب غطاس خوري وبمبادرة لقيت تقديراً من آل الحريري وأركان في لقاء قرنة شهوان المعارض، وعدد من السفراء الأجانب والعرب في لبنان، عزوفه عن خوض الانتخابات لمصلحة صولانج الجميل التي اعتبرت فائزة بالتزكية لغياب أي مرشح منافس لها. "تضحية"خوري واعتبر قرار خوري رداً على المراهنين على عدم ترشح صولانج الجميل على لائحة الحريري لاستغلاله للتأثير السلبي في العملية الانتخابية من خلال اظهار العاصمة منقسمة طائفياً ومذهبياً على نفسها، ومن ثم السعي، الى توظيفه في لعبة التحريض التي وجد البعض فيها مناسبة للدعوة الى مقاطعة الانتخابات. وكان لموقف خوري لفتة خاصة ومتميزة من الحريري في البيان الذي اذاعه في حضور المرشحين، اذ توجه فيه باسمه وباسم السيدة نازك الحريري بالشكر والامتنان العميق على موقفه مؤكداً مواصلة العمل معه في الدفاع عن الوحدة الوطنية والحوار الوطني. وأكد الحريري ان جميع المرشحين هم في لائحة موحدة كان الرئيس الشهيد قد اختصر جميع عناوينها من الوحدة الوطنية الى الكرامة ولبنان السيد الحر العربي المستقل، مشيراً الى ان"احداً لن يستطيع النيل من قرارنا، وأن بيروت ستلاحق القتلة المجرمين وكل من يقف وراءهم وأن احداً لن يكون في مقدوره النيل من ارادة العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين, ولا من سيادة لبنان واستقلاله ونظامه الديموقراطي". وشدد على"ان دم الرئيس الشهيد لن يذهب هدراً وأن مشروعه الوطني والسياسي سيستمر وسينطلق مجدداً وبقوة من العاصمة التي كانت وما زالت وفية له. وعلى ان الأيادي الإرهابية السود لن تتمكن من وقف مشروع رفيق الحريري مهما علا شأنها وفي أي موقع كانت". وكان سبق اعلان اللائحة مبادرة صولانج الجميل الى الاتصال بسعد الدين الحريري والنائب خوري وشكرتهما على موقفيهما مؤكدة اهمية وحدة بيروت انطلاقاً من حماية العيش المشترك والتصدي لكل من يحاول النيل منه... علماً ان مؤيدي آل الحريري وتيار المستقبل فوجئوا بقرار خوري عزوفه عن خوض الانتخابات لكن رد الفعل بقي محدوداً بفضل الدور الذي لعبه التيار من خلال ناشطيه في احياء بيروت الذين تحركوا بسرعة لقطع الطريق على من يحاول تسميم الأجواء عبر التذكير بالماضي مؤكدين دعمهم لخيار الحريري منعاً لأي انقسام يهدد العاصمة بعد ان توحدت كلها في 14 آذار الماضي دفاعاً عن الحرية والسيادة والاستقلال ووفاء للرئيس الشهيد. وعلى خط آخر، وفي خطوة لا تقل اهمية عن الخطوة التي قام بها الحريري، وتصب في الهدف نفسه، سارع امس رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط الى الاعلان، من بلدة دير القمر الشوفية مسقط الرئيس الراحل كميل شمعون وفي حضور زوجة قائد"القوات اللبنانية"المسجون في سجن وزارة الدفاع الوطني ستريدا سمير جعجع وعدد من المحازبين، لاسماء اعضاء اللائحة الانتخابية عن دائرة الشوف والتي ضمت وللمرة الأولى مرشحاً عن تيار"القوات"هو جورج عدوان بديلاً من النائب جورج ديب نعمة. وتأتي مبادرة جنبلاط الى اعلان اللائحة التي سيتزعمها في الشوف وقبل اربعة اسابيع من موعد اجراء الانتخابات تكريساً لتحالفه مع القوات والحركة الإصلاحية الكتائبية بزعامة الرئيس امين الجميل وتيار المستقبل من جهة ولقطع الطريق امام احتمال التحالف مع التيار الوطني الحر بقيادة العماد ميشال عون في هذه المنطقة. تطويق عون انتخابياً واعتبرت مصادر سياسية ان جنبلاط يهدف من وراء خطوته هذه الى تطويق عون انتخابياً وأن الأخير لم يعد في وسعه ان يرفع من سقف شروطه للتحالف مع الحزب التقدمي الاشتراكي في دائرة عاليه - بعبدا المتن الجنوبي، مشيرة الى ان باب التحالف لم يقفل في هذه المنطقة لكن هناك صعوبة في موافقة التيار الوطني الحر على ان يتمثل بأقل من ثلاثة مقاعد مارونية. وأشارت ايضاً الى ان جنبلاط سيجري من خلال وفد يمثل الحزب التقدمي وجبهة النضال الوطني مفاوضات لاحقة مع عون لمعرفة ما اذا كانت هناك امكانية للائتلاف في عاليه - بعبدا خصوصاً بعدما ضمن تعاونه الانتخابي فيها مع تيار"القوات"والرئيس الجميل و"حزب الله"وآخرين في"قرنة شهوان". وفي انتظار ان تتوضح الحصيلة النهائية للمفاوضات الجنبلاطية - العونية، لا بد من التذكير أن العلاقة بينهما ليست على ما يرام في ظل استمرار تبادل الحملات السياسية والإعلامية التي لم تخل من الاتهامات واستحضار الماضي ومآسيه. من جهة ثانية، يشهد الشمال اليوم اول اتصال مباشر بين الرئيس عمر كرامي والنائب سليمان فرنجية الذي سيزوره عصراً في منزله في طرابلس، للتباحث في خوض المعركة على لائحة موحدة عن دائرة طرابلس، زغرتا، المنية، الكورة، البترون. وتوقعت اوساط شمالية ان يشكل اللقاء اليوم اول خطوة على طريق التأسيس لتحالفهما السياسي - الانتخابي، معتبرة ان تحالفهما امر ضروري لمواجهة اللائحة المنافسة المدعومة من تيار المستقبل والتكتل النيابي الطرابلسي محمد الصفدي، موريس فاضل، محمد كبارة وتيار القوات والرئيس الجميل وحركة التجدد الديموقراطي ووجوه بارزة في لقاء قرنة شهوان نايلة معوض، بطرس حرب، سمير فرنجية اضافة الى تيار اليسار الديموقراطي.