تبتسم الفتاة التونسية الضيفة في لبنان، حينما يسألها غسان بن جدو من"الجزيرة"عن رأيها في ما كانت تسمعه من آراء وتعليقات لشبان وفتيات لبنانيين، تحدثوا في برنامجه"حوار مفتوح"، تبتسم الفتاة بخجل وتقول:"أعتقد بأنهم يتحدثون مثل آبائهم وأمهاتهم". قد لا يكون هذا صحيحاً تماماً. وقد يكون من التجني اعتبار كل ما يتفوه به هؤلاء الشبان من باب الموروث، ومع هذا، إذا نظرنا الى شباب"الانتفاضة"، كما الى الشباب الآخرين في لبنان، قد نجد آداءهم بعيداً من عين الكاميرا، أفضل من آدائهم أمامها. وراء الكاميرا هم الشباب المتمرد، الثائر، الحالم... أمام الشاشة وبالعفو من الصبية التونسية"هم صورة عن الزعيم-القائد". كلمة، كلمتان، وفي أقصى الحدود ثلاث كلمات، ويدرك المرء على الفور، مهما كان حجم وعيه السياسي، الى أي جهة ينتمون، أو بالأحرى الى أي حزب، أو تيار. أمام الشاشة إذاً، هم صورة طبق الأصل من صورة قياداتهم في الحزب أو مهما يكن اسمه، يتفوهون العبارات ذاتها، يستخدمون التعابير نفسها، يسمّعون الدرس، يغرقون في الانقسامات... ما أكثر الشكاوى! اشتكوا في البداية لأن التلفزة الغربية تهتم بهم أكثر من المحلية..."التلفزيونات المحلية"مقصرة"معنا"، قالوا. كان ذلك كجرس إنذار... على الفور تحركت المحطات. بدأت البرامج السياسية تحسب حسابهم.. بعض المحطات جند فريق عمل كاملاً لمناقشتهم. "المستقبل"صار عندها برنامج خاص اسمه"شباب لبنان"من تقديم وجه شاب جديد عليها بعض الشيء، في عالم السياسة ، وجه ألفناه في البرامج الترفيهية، عنينا، طبعاً ريما مكتبي، التي تثبت يوماً بعد يوم حضورها في هذا التلفزيون، على رغم وجهها الطفولي، والذي قد يظنه البعض أبعد ما يكون من السياسة. على"تلفزيون الجديد"new tv دعاهم جورج صليبي ليعاملهم كما لو كانوا سياسيين مخضرمين... مرسال غانم، لم يكن انتظر الانتفاضة ولا ما بعد الانتفاضة. حلقاته الشهيرة من"كلام الناس"مع الشباب اللبناني لا تزال عالقة في الأذهان. حتى"يوميات"ريتا خوري دنت من الموضوع، ولكن في شكل أكثر طرافة هذه المرة: دعت أستاذ لسانيات في الجامعة اللبنانية... أتى برفقة تلاميذه. فإذ بكل واحد منهم له دراسة حول لغة الشباب. للوهلة الأولى بدا أن هذا الموضوع لا علاقة له بالحدث الكبير... ثم بالتدريج تبدت العلاقة: فالشباب في الشارع لأن لغتهم لغة الشارع- بالمعنى الإيجابي للكلمة-. والشباب في الشارع لأنهم كمحيطهم، بدأوا يتأففون من مجتمع الآباء. المحطات الفضائية حذت حذو المحطات الأرضية."العربية"و"الجزيرة"كانتا الأبرز في هذا المجال، كل واحدة على طريقتها، حتى قيل ان واحدة حملت لواء"شباب الانتفاضة"، وأخرى ضمت تحت جناحيها شباب"الموالاة". الفضائية السورية، كانت بعيدة من شباب لبنان، ومع هذا نقلت تظاهرات شبابية أخرى حدثت في سورية يوم ألقى الرئيس السوري خطابه: كان شبان لبنان يتوقعون صورة اخرى لهذه التظاهرات... فإذ بهم يرون شباناً مثلهم، يتأنقون مثلهم على طريقة ستار أكاديمي وسوبر ستار. فكانت الصدمة الإيجابية الأولى. الصدمة الإيجابية الثانية، كانت أن صار هؤلاء الشبان شبان الانتفاضة بين ليلة وضحاها نجوماً تلفزيونيين، بعد أن حاولوا لسنوات طويلة أن يوصلوا آراءهم عبر الشاشة الصغيرة، فلم يفلحوا إلا في ما ندر من الحالات. هذا في الماضي، أما اليوم فالنادر هو أن تأتي محطة بشبان عاديين غير منخرطين في أحزاب.. لا نعني هنا"قوة ثالثة"، إنما مشاركين وجدوا أنفسهم يبحثون عن"الاستقلال"من دون المرور بالأحزاب التقليدية... حتى حينما كانت إحدى المحطات تستقدم أحدهم، كان هذا، يخرج من الحلقة ليُقبل على الفور طلب انتسابه الى حزب، عرف فقط أنه يمثله خير تمثيل في البرنامج، عندما تقاطعت آراؤه مع آراء ممثل الحزب؟!. شباننا إذاً، نجوم تلفزيونيون. يتنقلون بين محطة وأخرى. يزودوننا بآرائهم وتعليقاتهم. يسجلون المواقف. وإن كان لا بد من ذلك يضعون شروطهم، وإلا... الانسحاب من الحلقة. نجوم الشاشة تنظر نادين الناشطة في أحد الأحزاب السياسية اللبنانية نظرة تحدٍ وتقول:"نعم... الانسحاب من الحلقة". وقبل أن تسأل الفتاة العشرينية إن حدث ذلك معها فعلاً، لا تتردد من إخبارك كيف انسحبت ورفاقها من استديو إحدى الفضائيات، قبل دقائق قليلة من البث المباشر، غير عابئين بتفويت الفرصة عليهم والظهور على التلفزيون،"فالفرص في هذه الأيام كثيرة، وما أكثر المحطات التي تريد استضافتنا. أما السبب"فتصرفات غير لائقة من المحطة بحقنا المعارضة"، تقول الفتاة، وتتابع:"وصلنا في الوقت المناسب. احترمنا خصوصياتهم. لكن فجأة ومن دون سابق إنذار، يشيرون الى الشبان شبان المعارضة فقط بالانسحاب من القاعة. نسأل عن السبب، فيقولون لنا ان ملابسهم غير محتشمة، لأن أكمامهم قصيرة... نعم ملابس الشباب غير محتشمة". تضحك وتكمل الحديث قائلة:"كان لا بد من أن نصطدم معهم، فالحجة التي فبركوها لا تقنع أحداً، لكن طبعاً، الاصطدام لم يتجاوز حدّ الكلام تضحك مجدداً. وفي النهاية ما كان منا إلا الانسحاب جميعاً، وعندما أقول جميعاً، أعني حتماً شبان المعارضة. قد يظن المرء انه قد يتم ايقاف الحلقة بعد أزمة من هذا النوع، لكن لا، بقيت الحلقة شغّالة. كيف؟ بالموالاة حصراً، حتى أن بعضهم ادعى انه معارض ليقال إن الجميع ممثل في هذه الحلقة الديموقراطية"! "يا للعجب"يعلّق سامي زميل نادين من أنصار حزب آخر."لا يسعني أنا أن أصدق ما يحدث في أروقة بعض التلفزيونات، ولا تعرفون كم حمدت الله اننا لم نشارك في ذلك البرنامج، فالأجواء كانت حامية منذ البداية، ولو صورنا الحلقة لكان لا مجال إلا للعراك، بعد أن وضعت هذه الفضائية اللالبنانية نفسها، والتي يشاهدها قليل من اللبنانيين، طرفاً في القضية". لن يعيدها! بلال، شاب آخر من شبان ساحة الحرية، اعتكف منذ زمن عن الظهور على الشاشة الصغيرة. شارك مرة في إحدى الحلقات التلفزيونية، وبعدها أقسم ألا يعيدها مجدداً."طبعاً لن أعيد الكرة، فأنا لا أطيق أن يعلمني أحد ماذا أقول ومتى أقوله كما يفعلون في بعض التلفزيونات قبل بدء الحلقة حينما يحضرونك لتقول ما يناسبهم، ويوقفونك عن الكلام متى يشاؤون إن تخطيت الحدود المرسومة مسبقاً، لا إن تخطيت الوقت المحدد". المشاكس ريان، كان أوفر حظاً من زميله بلال. فهو مثله لا يحب أن يعلمه احد ماذا يقول ومتى يقوله، ومع هذا لم يتخل عن الشاشة الصغيرة طالما أتيح له ذلك، فإما أن يقطفها و"هي حامية، وإما أن ينسى الأمر برمته"كما يقول. لكن ريان قرر ان يقطفها، بل لم يوفر مناسبة إلا وينتهزها... مشكلاته مع ممثل حزب نجاح واكيم في إحدى الحلقات وإصراره على الإمساك بالميكروفون فقأت عين المتفرج. قد يكون فهم اللعبة التلفزيونية وعمل بمبدأ"خالف تعرف"مميزاً نفسه عن بقية الحضور. لم لا؟ أوليست هذه هي ديموقراطية الإعلام؟ هذا نظرياً... فما هو الجديد الذي يمكن استخلاصه من حضور كل هؤلاء الشبان على التلفزة؟ الجيد في الأمر هي ان الروح الشبابية التي كانت المحرك الأساس في صناعة الأحداث في الظاهر طبعاً؟! انعكست بدورها على المحطات التلفزيونية نفسها محدثة صورة ايجابية، كاسرة نمط عمل ثابرت عليه تلك المحطات لفترة طويلة وصلت الى حدود الروتين القاتل، آخذة من هذا الشباب روحه، مجددة نفسها وكأنها ولدت من جديد. "المستقبل"مثلاً قبل 14 شباط فبراير 2005 ، لم تعد هي نفسها بعده. صورتها تبدلت. اهتماماتها اختلفت، ولم يبق منها إلا الوجوه ولكن بفكر ولسان آخرين. فجأة قفزت الى خارج دائرة المنافسة، آخذة على عاتقها حمل رسالة متجذرة في ضمير ووجدان كل مواطن عربي بعناوين وشعارات لا يمكن الا ان يسلم بها الجميع طالما تتحدث عن حقيقة وحرية. lbc تماشت بدورها مع الأحداث المستجدة. لاحقت الأخبار بروح شبابية أيضاً، عكست حركة ونشاط مراسليها الشباب أمثال ندى اندراوس ومنى صليبا وعبدو الحلو وغيرهم.. على أي حال كان هناك، في نهاية الأمر تشابه، حتى أننا في محطات كثيرة لم نكن نفرق بين المحطتين، مع هامش بسيط، ذلك أن lbc نقلت الحدث، فيما كانت"المستقبل"هي الحدث. "تلفزيون الجديد"انقلبت حاله رأساً على عقب بعد الأحداث الأخيرة محاولاً تدارك التغيير الحاصل في الشارع اللبناني، و"المنار"لم يكن بعيداً من هذا الجو، وإن كان في الاتجاه المعاكس، ما أرخى بظلاله على الفضائيات العربية التي انقسمت بين معارض وموالٍ. بعد هذا كله أيسعنا في النهاية أن نغض الطرف عما قالته الفتاة التونسية ببراءة؟ لا. حضرت العائلات والطوائف والآباء والأمهات، بانقساماتهم وإلحاحهم على الوحدة الوطنية... متحدثين عن قيامتها. وفي هذا الإطار بدا ذا دلالة ذاك الذي قال: لو كانت موجودة حقاً لما احتجنا الى الحديث عنها. أما حين وقفت إحدى المسؤولات السياسيات لتصرخ في الشبان: لقد أتينا لنسلمكم البلد... فكر كثيرون انها تسلمه الى اجيال جديدة ليست بسنها فقط، بل بفكرها ايضاً. لكن الجواب كان على لسان صبية، لم تبدأ حديثها، مثلاً، عن العلمانيين إلا في الأيام الأخيرة... وفقط حينما تبين أن العلمانية باتت ضرباً من التوافق بين زعامتين تقليديتين في البلد...!