أدى الانهماك العربي في التعامل مع سياسات القطب الأميركي وتوجهاته والتداعيات المترتبة عليها خلال الفترة الأخيرة، الى التغاضي عن بناء استراتيجيات فردية او جماعية عربية للتعامل مع القوى الكبرى الأخرى في النظام الدولي والاستفادة من فرص التعاملات معها. لن نشهد خلال العقدين الحالي والمقبل على أقل تقدير بروزاً لنظام التعدد القطبي يكون بديلاً عن نظام القطبية الأحادية الذي نحياه الآن، غير أن الأمر لا يمنع من تتبع القوى البازغة في النظام الدولي سواء من حيث أوضاعها في موازين القوى العالمية أو سياساتها الاقليمية والدولية، سعياً الى الافادة من ذلك في تشكيل علاقاتنا معها، واحدى هذه القوى التي تصدق عليها هذه المقولة هي اليابان. وتتسم التفاعلات العربية - اليابانية اجمالاً بالمحدودية بل الضآلة الشديدة، فعلى المستوى الفردي للتعامل بين الدول العربية واليابان لا يزيد عدد التفاعلات بين معظم الدول العربية كل على حدة واليابان من جانب آخر عن تفاعل واحد أو تفاعلين سنوياً، ولم تؤد نهاية الحرب الباردة وبروز خصائص جديدة للنظام الدولي وتفاعلاته وظاهرة العولمة الى تغيير محسوس في التفاعلات العربية - اليابانية فظلت تتسم بالمحدودية، كما أن الناتج السياسي لهذه التفاعلات ظل ضئيلاً، فالاهتمام الياباني بالقضايا السياسية العربية لم يصل الى درجة تتناسب مع وضع اليابان كقوة عالمية كبرى ومع طموحات العالم العربي للاستفادة من ذلك، كما أن السياسات اليابانية تجاه المنطقة العربية ظلت مرتبطة الى حد كبير بتوجهات الحليف الاميركي. وخلافاً لما سبق، فإن السياسة الخارجية اليابانية شهدت منذ مطلع التسعينات توجهات جديدة في اطار سعيها لزيادة دورها العالمي، وأهمها السعي الى الحصول على العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وزيادة المعونات المقدمة لدول العالم الثالث، والمساهمة في قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة، والسعي الى تولي اليابانيين مناصب رفيعة في المؤسسات الدولية الكبرى. غير أن الفترة الاخيرة شهدت صعود قضية حصول اليابان على العضوية الدائمة في مجلس الأمن الى قمة أجندة السياسة الخارجية اليابانية وسيطرت على تفاعلاتها مع دول العالم، وأصبح المطلب الياباني بضرورة تأييد حصولها على مقعد العضوية الدائم بمجلس الأمن قاسماً مشتركا في الاتصالات والتفاعلات الخارجية. ويلاحظ أن الخطاب الياباني اصبح خلال الآونة الاخيرة مركزاً على الاهتمام بالقضايا والمشكلات الدولية وأساليب حلها والتعامل معها في شكل أكبر من ذي قبل، وذلك ما يتواءم مع وضعها كدولة تسعى للحصول على العضوية الدائمة. وارتباطاً مباشراً مع علاقاتها بالعالم العربي كان ملحوظاً انه من بين خمس أو ست عبارات قصيرة فقط تضمنها خطاب المبعوث الياباني لمؤتمر القمة العربي الاخير في الجزائر برزت عبارته المفصلية وهي"أيدوا حصول اليابان على مقعد العضو الدائم في مجلس الامن"، ويطرح ما سبق ضرورة اهتمام العالم العربي ببروز هذه القضية في طرح اشكال جديدة من الحوار والتفاعل مع القطب الياباني يمكن أن تكون لها آثارها الايجابية على المصالح العربية، بشرط جماعية الدول العربية في المشاركة في الحوار والاتفاق على اهميته وأبعاده. وأحد الأبعاد المقترحة للحوار قيام الدول العربية بتأييد حصول اليابان على مقعد العضو الدائم في مجلس الامن في مقابل تأييد اليابان حصول مصر على مقعد العضو الدائم، باعتبار ذلك مطلباً اتفقت الدول العربية عليه خلال القمة الاخيرة، وأحد الابعاد الأخرى تأييد حصول اليابان على هذا المقعد في مقابل قيامها بدور اكبر في القضايا الاستراتيجية للعالم العربي وبما يتفق مع المصالح العربية ويتواءم مع وضعها كدولة تطمح في الحصول على العضوية الدائمة. وقد يبدو ان من الصعوبات التي تواجه ما سبق هو تأخر طرحها، فقد كان من المنطقي او المفترض ان يتم طرح السياسة العربية في التعامل مع هذه القضية خلال القمة العربية الاخيرة، غير انه يمكن حل ذلك بتناول هذا الموضوع في نطاق المؤسسات الأخرى للجامعة العربية، كما أن المواقف العربية من عضوية اليابان لا تتسم بالاتساق، اذ ظهرت اختلافات عدة بين الدول العربية خلال طرح هذه القضية في السنوات الاخيرة، ما يستلزم التوصل الى اتفاق عربي حولها قبل بدء الحوار. * كاتب مصري.