في 23 حزيران يونيو قدمت شركة النفط الصينية التابعة للحكومة CNOOC، عرضاً بقيمة 18.5 بليون دولار لشراء شركة النفط الأميركية"يونوكال"، متفوقة على عرض قدمته"شيفرون". وأثار خطر الملكية الصينية لشركة نفط أميركية، معارضة سياسية في واشنطن. وفي 2 آب أغسطس، تراجعت شركة النفط الصينية عن عرضها لشراء الشركة الأميركية. في هذا المقال يشكك جوزف ستيغليتس الحائز جائزة نوبل، في رد الولاياتالمتحدة: في كانون الثاني يناير حين بدأ تسرب اشاعات بأن شركة النفط الصينية التابعة للدولة قد تقدم عرضاً قوياً للحصول على شركة النفط الأميركية"يونوكال"على غرار ما فعلت في 23 حزيران، ساد شعور لدى معظم الأميركيين بأنهم أخذوا على حين غرة. لم يكن هناك أي مبرر لهذا الشعور، فخطوة الصين كانت منطقية جداً نظراً الى وضعها الخاص في مسألة الطاقة، كما لم يجدر بهم أن يغضبوا. لا شك في أن الصينيين الذين يملكون احتياطاً نقدياً قيمته 700 بليون دولار، كانوا سيسعون في النهاية الى ايجاد طريقة أفضل لاستثمار هذا الفائض بدل إبقائه في شكل سندات خزينة أميركية منخفضة المردود. ومع نهاية عصر الدولار القوي أصبحت سندات الخزينة تمثل خطراً، بل كان فائض الصين الاحتياطي سيصل الى بلايين من الدولارات لو وضعت مزيداً من احتياطها باليورو. لكن ذلك يثير مشكلة: فالصين أرادت أن تبقي سعر صرف عملتها تنافسياً، لأن ذلك ساعدها في تصدير بضائعها، وساهمت حركة التصدير في تعزيز النمو، علماً أن النمو السريع ضروري في حال سعت الى ايجاد فرص عمل لملايين ينضمون الى القوة العاملة كل سنة. في وقت سابق، جذبت الصين بعض الانتباه عند شرائها قسماً من شركة"آي بي أم"يصنع أجهزة الكومبيوتر الشخصية. لكن هناك فرقاً في عملية الشراء: ففي تلك الحال، كانت الصين ببساطة تستلم زمام مصانعها الخاصة وتبين أنها لا تحتاج الى ادارة غربية، وهذا برهنته شركاتها بوضوح. لكن"يونوكال"أمر مختلف، إذ كانت الصين تنافس شركة أميركية للحصول على النفط وتقدّم عرضاً أعلى منها. كما أن أسعار النفط المرتفعة زادت خطورة المسألة. ولكن يفترض أن هذه الخطوة متوقعة. فالصين تعتمد على استيراد النفط أكثر من أميركا لأن احتياط النفط الذي تملكه أقل بكثير من الاحتياط الأميركي. التحكم بالاسعار وفي الأسواق العالمية، يمكن دولة أن تتحكم بخطورة تقلّب أسعار النفط، وبالطاقة في شكل أشمل، حتى لو كانت تفتقر الثروة النفطية. باختصار، يمكنها شراء شركات نفط، وإن ارتفعت أسعار الطاقة ستكون الدولة على الأقل محمية جزئياً، لأن قيمة أسهم النفط سترتفع أيضاً. وكان من المنطقي جداً شراء شركة نفط أميركية لأن ذلك يؤمّن الضمانة من دون رفع سعر الصرف، كما الوضع في حال الاستثمار باليورو. كان لعرض الصين شراء"يونوكال"، وهي شركة صغيرة معظم موجوداتها خارج الولاياتالمتحدة، الأهمية الرمزية ذاتها لشراء شركة يابانية مركز روكفلر عام 1989. فجأة لم تعد الصين مجرد صانع ألعاب وأقمشة رخيصة، بل أصبحت منافساً في مجال الثروات الاستراتيجية. وكان التباهي السياسي حافزاً للرد الأميركي عبر استغلال المخاوف غير المنطقية، كما لم تعزز قضية العولمة والأمن في شكل جيد. على الأقل، قليل من الاستقامة كان سيجعل موقف أميركا محرجاً. فإن عارضت امتلاك دول أخرى أصولاً نفطية اميركية، يمكن الدول الأخرى أو بالأحرى يجدر بها معارضة امتلاك اميركا موجوداتها النفطية. وفي أذهان الزعماء الصينيين، ربما تخطى الأمر الرغبة في إدارة حذرة للأخطار. فالأسواق تعمل جيداً في أوقات السلم العادية، وفي الأوقات الأقل سلماً قد لا تتجاوب في شكل جيد. وقد يُعتمد التوزيع تبعاً للحصص، كما حصل عقب هزّات أسعار النفط في السبعينات من القرن العشرين، حين لم تتمكن الولاياتالمتحدة من الحصول على كمية النفط التي أرادتها بأي ثمن. كانت السيطرة على النفط مهمة حينئذ، إذ حددت من يمكنه النفاذ الى النفط، وكان الأمر مرتبطاً بأكثر من مجرد ضمانة في مقابل سعر النفط. وبدل أن تحاول الولاياتالمتحدة إقناع الصين بأن المخاوف من النقص في النفط بلا أساس، كان رد الفعل لديها مبالغاً فيه، إذ اعتبرت الولاياتالمتحدة انها تواجه خطر فقدان السيطرة على نفطها، على رغم ان القليل من نفط"يونوكال"موجود في أميركا. بالتالي رد الكونغرس بخطوات جعلت مضي الصين في عملية الشراء مستحيلاً مع انها قدمت عرضاً أعلى من عرض"شيفرون". أسواق حرة أم مصالح وطنية معروف ان الولاياتالمتحدة تشدد على أهمية الأسواق الحرة، لكن رفضها العرض الصيني يناقض هذه الرسالة. فهي برهنت عن غير قصد ان المصالح الوطنية تأتي قبل أعمال السوق. كما برزت رسالة أخرى مفادها ان لا داعي للصين أو لأي طرف كي يصدق أن آليات السوق ستعمل خلال فترة نقص عالمي في الطاقة. في المقابل، فهمت الصين ان عليها السيطرة على الموارد التي تحتاج اليها، ليس لأسباب تتعلق بالإدارة المالية فحسب بل لتأمين الامدادات في المستقبل. لربما منعت الحكومة الأميركية الصين من شراء النفط في الولاياتالمتحدة ولكن لا يمكنها أن تمنعها من شرائه في مكان آخر في العالم. وهي ساهمت في تعزيز فكرة ان الصين في حاجة الى الحصول على أكبر كمية ممكنة من النفط حول العالم. لقد شكل عرض الصين شراء"يونوكال"نقطة تحول في الاقتصاد العالمي. فعلى مدى عقد ونصف عقد بعد سقوط جدار برلين، كانت الولاياتالمتحدة القوة العظمى الاقتصادية الأولى من دون منازع. وهي التقت مع أوروبا لتعيد صوغ شروط اللعبة التي تشجع الرأسمالية العالمية، كما تنافست أميركا بحدة مع أوروبا، لكنهما كانتا في الجهة ذاتها في كل المواضيع المهمة تقريباً. الاقتصاد الصيني ما زال اقتصاد الصين أصغر بكثير من اقتصاد الولاياتالمتحدة أو أوروبا، وسيبقى اقتصادها أفقر، لكن عدد سكانها يزيد على سكان الولاياتالمتحدة أربعة أضعاف، وهي في الأصل تعد من الاقتصادات الكبرى، وإن استمرت معدلات النمو الحالية ستصبح اقتصاداً كبيراً جداً. وستتنافس مع الشركات الأميركية والأوروبية في كل ناحية بعدما برهنت قدرتها على التفوق عليها في كثير من مجالات التصنيع. فضلاً عن ذلك، وبمعدل ادخار يناهز 50 في المئة مقارنة بپ14 في المئة في أميركا، مع معدل ادخار للأسر يصل الى صفر أو أسوأ تجمع الصين أموالاً هائلة، يمكنها استخدامها في استثمارات وهي ستفعل، بما في ذلك استثمارات في الموارد الطبيعية النادرة كالنفط. انه واقع جديد علينا تقبّله، وله تداعيات. أولها اننا قد لا نكون قادرين على اللجوء الى العقوبات الاقتصادية كأداة لفرض سياسة، بما في ذلك تعزيز حقوق الانسان. مثلاً، تحصل مجزرة في منطقة دارفور في جنوب السودان، وقد تُدفع شركات النفط الغربية في النهاية الى تقدير تداعيات تعاملاتها مع الحكم المستبد في الخرطوم. ولكن، اذا رغبت الصين في التعامل مع هذا النظام سيكون مستحيلاً اللجوء الى الضغط الاقتصادي الحاسم للتأثير فيها. ثانياً، يجب ان يصبح الغرب اكثر حساسية تجاه اخطار اعتماده على النفط. وقد لا نتمكن من إلغاء هذا الاعتماد، ولكن يمكننا الحد منه عبر التقنية وتطوير بدائل كالنفط البيولوجي. فاستراتيجية ادارة بوش توسيع التنقيب في الولاياتالمتحدة، ليست الحل، بل هي مقاربة ل"استنزاف اميركا أولاً"، ستجعل الأجيال المقبلة معرضة أكثر للخطر. والأهم من ذلك، ان علينا تغيير اطار تفكيرنا حيال الصين، فنحن لا نعيش في عالم تكون فيه خسارتها مكسباً لنا. فالصين تركز على رفع مستوى معيشة مواطنيها وتسعى الى ضمان أمنهم الاقتصادي. وهي تعرف ان كل دولار تنفقه على جيشها لا يُنفق على التنمية، بالتالي قلصت انفاقها العسكري. حتى من منظور النسبة المئوية من الناتج المحلي، يبلغ الإنفاق العسكري الصيني نصف إنفاق أميركا، وإذا احتُسب بالدولار لا يشكل المجموع سوى نسبة ضئيلة من إنفاقنا العسكري. من خلال تصرفنا كأعداء، قد ندفع الصينيين الى الرد بطريقة مماثلة. ولكن، في حال أخذنا الدرس العام لاقتصاد السوق بجدية، أي إذا اعتبرنا ان التفاعلات الاقتصادية بما فيها التجارة والاستثمارات تفيد كل الفرقاء، يُرجح أن يتجاوبوا بطريقة مشابهة. حائز جائزة نوبل للاقتصاد عام 2001، أستاذ في جامعة كولومبيا، وخبير سابق لدى البنك الدولي، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس بيل كلينتون. و المقال خاص بپ"الحياة"من خدمة"نيويورك تايمز".