"ماتت السينما ... عاش السينمائيون!". هذا الشعار قد لا يكون دقيقاً تماماً وقد يؤدي الى قدر كبير من سوء التفاهم، لكنه يجول في خاطر المرء في شكل أو في آخر، إن حاول هذا المرء أن يفكر في أحوال السينما في العالم، كما ظهرت من خلال عروض العام المنصرم 2005. فإذا استثنينا السينما الهوليوودية الضخمة السائدة والتي لا تزال قادرة على ضخ الصالات الكبيرة بأفلام صاخبة تغوص في التكنولوجيا أكثر وأكثر، وتبتعد عن الانسان أكثر وأكثر، لن نجد أمامنا تيارات أو بلداناً كثيرة تعيد الى لعبة الانتاج السينمائي المتراكم وضعيتها التي كانت عليها أيام العصر الذهبي. فمن الصعب اليوم ان نتحدث عن"سينما إيطالية"أو"سينما روسية"أو"برازيلية"... أو غيرها، ولا سيما اذا نظرنا الى الأمور كونياً، من زاوية ما في الأرض. صحيح ان الهند لا تزال قادرة على أن تنتج مئات الأفلام سنوياً، وان"الهزليين الجدد"في مصر لم تجف"منابع الهامهم"بعد، وأن فرنسا تواصل المقاومة، لكن هذا كله يبدو وكأنه يعيش حركة هابطة بالنسبة الى التصور الشامل لكلمة انتاج سينمائي. غير ان هذا لا يعني، في المقابل، ان ليس ثمة أفلاماً، وبالعشرات إن لم يكن بالمئات، أطلت علينا خلال العام، لتعيد لنا إيماننا بفن السينما... أو بالسينما كفن لا تزال له كل قوته وقوة مواضيعه، ولا يزال صانعوه قادرين على العثور على تجديداتهم اللغوية. بل أكثر من هذا: السينما ربما كمكان أخير لقول كل ما هو انساني وعميق وملتزم في هذا العالم الذي نعيش فيه. غير ان هذه الأفلام، وأكثر من أي وقت مضى من تاريخ الفن السابع، لم تعد بأي حال تظهر منتمية الى فضاءات قومية محددة، أو كجزء من انتاج منطقة جغرافية، أو مجموعة ايديولوجية محددة، بل تطلع كإنتاجات فردية، بالقطارة أحياناً وبالجملة في أحيان أخرى، لتغوص في عولمة انسانية معيدة الى السينما اعتبارها الأول، كميدان تحرك للفن الحقيقي، ومكان تعبير عن مشاغل المبدعين. الإنساني العميق ونعرف ان هذه العودة الى طفولة السينما وارتباطها بالابداع الفردي لأصحابها، لم تحدث بناء لخطة شاملة، أو انطلاقاً من تنظير عام، بل حدثت بالتدريج، وبالتحديد من خلال حال التأزم التي راحت السينما تعيشها منذ بداية الفورة التلفزيونية... ما حتم فرزاً راح ينمو شيئاً فشيئاً بين نظرة الى السينما تعتبرها مجرد صناعة بالجملة، ونظرة اليها تعتبرها فناً ابداعياً يقوم على الصناعة والتجارة. وهكذا في مقابل المشاريع المسلسلة الضخمة التي اجتذبت ولا تزال تجتذب مئات ملايين المتفرجين وتحسب ابداعاتها بالأرقام، وصل الى ذروته في العام الذي ينتهي، ذلك الانتصار - الذي كان مشكوكاً في حقيقته لسنوات خلت - الذي حققته سينما المؤلف، ولا سيما حين كفّت عن اعتبار نفسها سينما مؤلف: حين انخرطت في العمل والانتاج، من دون إعلان نيات نظرية مسبقة. وإذا كانت الضحية الأولى لهذا كله هي سينما الستينات التي كان الفرز فيها بين"المؤلف"وپ"الحرفي"اختياراً ثقافياً نخبوياً، فإن الممكن قوله هو أن السينما الجديدة التي تصنع في العالم اليوم، وتلقى نجاحاً كبيراً لدى جمهور عريض يحب السينما لذاتها معتبراً إياها فناً حقيقياً أي يتضمن اعتبارات المتعة والفائدة في وقت واحد، فإن المسألة ظاهرية فقط، لأن ما نراه اليوم إنما هو اندماج خلاّق بين نمطين من النظرة الجادة الى السينما كان يخيل لكثر انهما لن يلتقيا: تحديداً النمط التأليفي والنمط الحرفي. ولعل العلامة الأساسية في هذا كله هي ذلك الانزياح الكبير من وضعية كان ابتكار اللغة السينمائية، بإطار شكلاني بحت عمادها الأول، الى وضعية عاد فيها السرد الكلاسيكي سيداً على عرشه في تبسيط لغوي واضح يترك مجالاً واسعاً لجوهر القول، من دون أن يزحم رأس المتفرج بضرورة فك الألغاز والطلاسم. عودة الى الموضوع إنها العودة الى الموضوع بصفته تكاملاً أساسياً بين الشكل والمضمون، على حساب ذلك النمط من الأداء الذي كان يفصل بينهما. طبعاً ليس هنا المكان الأمثل لتفصيل هذه الأمور النظرية، لكنها كانت إشارة يمكن الاستناد اليها لوصف ما يحدث في زمننا هذا بالنسبة الى فن لعل من أهم فضائله انه يعيش دائماً هاجس البحث عن لغته وهويته، في الوقت الذي يقدم فيه انتاجاته. وهذا الهاجس اذا كان في الماضي وقفاً على المهرجانات، حين كان ينظر اليها على انها المكان الأفضل للتجريب بصرف النظر عن الرواج الى درجة ان كلمة فيلم مهرجاني كانت تعني، تحديداً، فيلماً غير قابل للنجاح التجاري، فإن ما يمكن ملاحظته اليوم، ونموذج الدورة الأخيرة لمهرجان"كان"ماثل أمامنا، هو أن الأفلام الأساسية التي تلقى اجماعاً"نخبوياً"في المهرجانات، باتت هي هي الأفلام الأكثر نجاحاً"جماهيرياً"في صالات العرض - مع استثنائنا مرة أخرى للأفلام الهوليوودية الضخمة لأنها حال خاصة -. وحسبنا للدلالة على هذا أن نذكر أسماء وودي آلن ودافيد كروننبرغ وجيم جارموش وميكائيل هاينكه والأخوين داردين، وصولاً الى ما - بعد - كان، أي الى جورج كلوني - كمخرج هذه المرة - وسام مندس... ويمكن هنا التوقف عند عشرات الأسماء الأخرى من أوروبية وأميركية، قد لا تكون عرضت هذا العام جديدها... لكنها تنتمي الى السياق نفسه، ناهيك بمخرجي الصين واليابان وغيرهما من بلدان الشرق الآسيوي الأقصى، من الذين صارت لهم أخيراً أسماء يعرفون بها، دونما أي حاجة الى تعيين بلدانهم للتذكير بهم: جانغ ييمو، ادوارد يانغ، هو هسياو هسيبن، ميازاكي ، ايمامورا... وبالطبع وونغ كار واي وشين كيغي... فما هو القاسم المشترك بين أصحاب هذه الأسماء؟ ببساطة كونهم جميعاً مخرجين وپ"مؤلفين"لأفلامهم في الوقت نفسه. انهم أصحاب ما سماه فرانك كابرا مرة"الاسم فوق العنوان". بيد أن هذا لا يكفي في حد ذاته، لأن هذا التعريف كان ينطبق عليهم أيضاً حين كانوا نخبويين بالكاد يعرفهم جمهور عريض... فإذا عرفهم تعامل معهم كطرفة. فهم اليوم صاروا - ومن دون أدنى ريب - نجوم السينما، وبعضهم تفوق شهرته شهرة الممثلين الذين يلعبون في أفلامهم. ومعظمهم كان يكفيه للوصول الى هذا، أن يحقق تلك المعادلة الذهبية بين الرغبات الفنية الفردية واستكشاف ما يمكنه ان يثير اهتمام المتفرجين. وهل ثمة ما يثير الاهتمام اكثر من الانسان نفسه وأحواله وآماله والمشهد العام للعصر الذي يعيش فيه؟ استعادة التاريخ إذاً، هي بكلمات بسيطة عودة الى الانسان. عودة الى الهم الإنساني، سواء تجلى هذا في أفلام غاصت مباشرة في السياسة وأحوالها وتاريخها - فيلمان عن كارثة رواندا ومذابحها، أفلام ألمانية عدة تعيد النظر في تاريخ النازية "السقوط" وتعيد الاعتبار الى مقاومة ظل مسكوتاً عنها طويلاً مقاومة الألمان للنازية كما في"صوفي شول"، وفي موقع الأفراد من السياسات الكبرى "الشمس"عن هيروهيتو خلال الحرب العالمية الثانية لألكسندر سوكوروف، كجزء ثالث من سلسلة أفلامه حول كبار شخصيات القرن العشرين -، أو تجلى في هموم تبدو أقل استعراضية إنما أكثر عمقاً، مثل العائلة والبحث عن الماضي الخاص والهوية، والوحدة والغوص في أخلاقيات طبقية ولدينا هنا للتمثيل على هذا سلسلة لا تنتهي من أفلام تحمل تواقيع وودي آلن"ضربة المباراة"، وجيم جارموش"زهور محطمة"وكروننبرغ"تاريخ من العنف"...، ثم لدينا تلك السينما التي تغوص باحثة عن التصدي لإفراطات السياسة والحروب من"مساء الخير وحظاً سعيداً"لجورج كلوني الذي يستعيد، وفي لغة إدانة قاسية فصلاً من فصول العار الأميركي أيام الماكارثية، الى"ماندرلاي"الذي يسائل فيه لارس فون تراير التاريخ الأميركي مساءلة تمزج بين قضية الرقيق، وما يفعله جورج بوش في العراق وغيره اليوم من أكره الناس على اعتناق نوع مدمر من الديموقراطية، مروراً بشرائط تتساءل حول الحروب والجدوى منها، وآخر تجلياتها حتى الآن"رأس الجرة"لسام مندس عن الحرب الأولى التي شنتها قوات التحالف بزعامة الأميركيين ضد صدام حسين ونظامه الدامي. انها، الآن، السينما وقد وجدت أخيراً؟! طريقاً تقول عبرها همها السياسي والكوني، من دون أن تبدو ثقيلة الظل والوطأة ومجرد ثرثرة ايديولوجية لا طائل من ورائها ولا تصل في نهاية الأمر الى أحد. غير ان هذه السينما إذ تغوص الى هذا الحد فيما هو عام ويهم الناس من منطلق عموميته، لا تنسى في طريقها الفرد نفسه، سواء أكان هذا الفرد نجماً من نوع ما، عاش زمنه وترك أثره فيه مثل هاوارد هيوز في"الطيار"لمارتن سكورسيزي، أو فرانسوا ميتران في فيلم"متنزه شان دي مارس"، أم انساناً عبر العالم بخطوات هادئة تاركاً مأساته ذكرى معينة مثل الفتاة الملاكمة في"طفلة المليون دولار"لكلينت ايستوود... السينما هذا العام، وعبر هذا النمط من الأفراد، أحياناً في بعد ميلودرامي وأحياناً في سرد خطي مؤدلج الى حد ما، عرفت أيضاً كيف تعيد الى الفرد اعتباره. التماهي مع هموم الداخل لقد قدمت سينما العام 2005 هذا كله، انطلاقاً من انشغال حقيقي بمسألة الاشتغال على الموضوع، معيدة الى المشاعر والحوارات الذكية والمواقف المفاجئة اعتباراً بدا ان السينما كانت تفتقر اليه... وفي هذا الاطار لم يكن صدفة أن تعود الخلية العائلية لتبرز، منذ أفلام"كان"حتى أفلام مهرجان"مراكش"آخر العام، بصفتها المكان الذي يسمح للمشاعر والاهتمام بالهوية ومحاسبة الماضي، أن تبرز بقوة. لم يكن صدفة أن البحث عن الماضي العائلي، أو محاولة الفكاك من الحاضر العائلي أو التساؤل عن مستقبل العائلة، شكل الموضوع المشترك لما لا يقل عن دزينتين من الأفلام عرضتا ونجحتا هذا العام. فإنسان زمننا هذا، الانسان الذي ينتمي اليه مبدعو السينما، كما ينتمي اليه متفرجوها، وجد أخيراً في السينما ضالته، ليس للتماهي مع نجوم يفبركون في مصانع أحلام مؤمثلة، وليس للعثور على نفسه في مواضيع واقعية مؤدلجة، بل للنظر الى الشاشة باعتبارها مرآة حقيقية تصور أموراً تشغل جوانيته ووعيه الباطني. حتى وإن لم يكن ليشك في أنها موجودة حقاً. فهل يقول لنا هذا، بعد كل شيء سوى أمر واحد وهو أن السينما عادت في العام 2005 الى الانسان، الى الانسان في بساطته وتعقيده... وعادت اليه في لغة بسيطة وكأنها تطبق، في مجال آخر، ما كان الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول ينصح به الذاهبين الى الشرق : "روحوا الى هذا الشرق المعقد ولكن بأفكار بسيطة". من هو مخرج العام من بين الأميركيين الأربعة ؟ من الصعب التكهن منذ الآن أين ستذهب جوائز الأوسكار، وغيرها من الجوائز الكبرى التي تحدد فيلم العام ومخرج العام وما الى ذلك، بالنسبة الى العام 2005، خصوصاً أن هذا العام الذي ينقضي حفل بأفلام كبيرة. وخصوصاً أيضاً أن ستيفن سبيلبرغ آثر أن"يلحّق حاله"ويعرض فيلمه المثير للسجال والضجيج"ميونيخ"في الولاياتالمتحدة في موعد يمكّنه من أن يشارك في التباري على الجوائز: ومع هذا يمكن أن نقول منذ الآن أن الأربعة الأبرز في السينما العالمية كانوا أميركيين هذا العام، لكنهم جميعاً من أبناء"الطبقة الأولى"الذين سجل كل منهم عودة كبيرة بفيلم كبير يؤهله للفوز باللقب. وفي مقدم هؤلاء، بالطبع، وودي آلن الذي فاجأ العالم كله، بعد سنوات قدم فيها أعمالاً جيدة انما من الصعب اعتبارها أساسية في مساره، فاجأه بفيلم"ضربة المباراة"الذي أعاده الى الصف الأول بقوة. أما مارتن سكورسيزي الذي يكرم هذه الأيام تكريماً خاصاً في باريس، بعد أن كان كرّم في مراكش، فإنه بدوره، ومن دون أن يغيب عن السينما الكبيرة طويلاً تحفته"عصابات نيويورك"لم يختتم العام الثالث من عمره بعد، قدم تحفة استثنائية هي"الطيار"عن حياة المنتج وپ"المخترع"هاوارد هيوز... والفيلم أتى ليثبت مكانة سكورسيزي كواحد من كبار السينمائيين الأحياء في سينما أيامنا هذه، وليعيد الى الأذهان فصلاً من تاريخ هوليوود وتاريخ السينما. بعد آلن وسكورسيزي لدينا، بالطبع، جيم جارموش، الذي، اذ بَسّط أسلوبه في أحدث أفلامه"زهور محطمة"لم يتخل عن دأبه في معالجة وحدة الانسان البسيط وتعاطيه مع ماضيه معرّضاً من دائرة معجبيه ومحبي سينماه الى مستوى لم يكن وصل اليه في أي من أفلامه السابقة. بيد أن المفاجأة الأكبر أتت من كلينت ايستوود، الذي عرف في"طفلة المليون دولار"كيف يصفّي أسلوبه الفني ويبسطه، في الوقت نفسه الذي أوصل فيه التعاطي مع الموضوع الى ذروة لم يكن دنا منها من قبل، كما أوصل المشاعر والأحاسيس في فيلمه الى عمق انساني مدهش، كان وحده كافياً لتبرير كمّ الدموع الهائل الذي ذرفه متفرجون كثر مع ظهور كلمة"النهاية"في آخر الفيلم. وفي يقيننا ان كل واحد من هؤلاء، اذ قدم هذا العام أفضل ما عنده... وأبسط ما عنده، يستحق لقب مخرج العام... مهما سيكون من شأن الجوائز، الأوسكارات وغيرها، ومن شأن حساباتها. ستة أو سبعة أفلام دافعت عن السينما العربية موجودة ... ولو على آخر رمق بدا الصديق واثقاً من نفسه حين لفت نظرنا الى أن ملحق السينما في"الحياة"تحدث خلال العام 2005 عن السينما المغربية، أكثر كثيراً نسبياً مما تحدث عن السينما المصرية. بثقة مشابهة قلنا له ان السبب بسيط: لقد انتج المغرب هذا العام من الأفلام التي يمكن الحديث عنها في شكل جدي، أكثر مما أنتجت مصر. فإذا استثنينا فيلماً لمحمد خان وآخر لكاملة أبو ذكرى، وبعض الشرائط القصيرة "يوم الاثنين"مثلاً تبدو السينما المصرية في هذا العام في حال غير مريحة، حتى وإن كان في استطاعة أي كان أن يكتب عن ملايين الجنيهات التي كسبتها أفلام هزلية وغير هزلية، وحتى وإن كان جديد عادل إمام"السفارة في العمارة"حقق من النجاح والضجيج ما نعرف. لم تأت من القاهرة أعمال كبيرة هذا العام، على رغم"بنات وسط البلد"... وذلك على عكس العام الذي سبق والذي شهد فورة لا بأس بها للسينما الجيدة، كان من أبرز علاماتها أعمال ليوسف شاهين ويسري نصرالله، وشرائط مثل"سهر الليالي". مهما يكن، إذا كانت القاهرة تراجعت هذا العام مقارنة مع المغرب الذي ينفتح على الانتاج السينمائي أكثر وأكثر، وحده أو مشاركة مع فرنسا وعودة مؤمن سميحي في"العيّل"تشي بهذا، الى جانب شرائط مثل"طين جا"وپ"الرحلة الكبرى"وما الى ذلك، فإن حال السينما السورية لم تكن أفضل، إذ كان ثمة طوال العام فيلم واحد، هو"باب المقام"لمحمد ملص، يدافع عن حضور هذه السينما على الأقل في المهرجانات العالمية، من دون أن يتمكن لأسباب غامضة من الدفاع عنها في... دمشق. في لبنان كثرت المشاريع والأحلام، في وقت لا يزال برهان علوية يحاول انجاز فيلمه الجديد بعد غياب عقد ونصف العقد! مغيّراً اسمه للمرة المئة. مهما يكن، الذين شاهدوا الفيلم في صيغته الحالية، ومنهم المخرج سمير حبشي، تحدثوا عن"تحفة سينمائية استثنائية". تحف أخرى وعدنا بها في لبنان، على خطى نجاحات السنوات الماضية دانيال عربيد، ميشال كمون، أسد فولادكار، فؤاد عليوان... وصولاً الى نادين لبكي، لكن الذي تحقق وشوهد بالفعل كان"البوسطة"لفيليب عرقتنجي، الذي تنوعت الآراء من حوله، ولم يستطع أن يعيد الى السينما الروائية اللبنانية بريقاً فقدته منذ زمن. حال بقية السينمات العربية لم تكن أفضل... وعلى وجه الخصوص منها السينما الفلسطينية، التي بعد حضور طاغ خلال السنوات السابقة، لم تشهد هذا العام، اضافة الى"انتظار"رشيد مشهراوي الذي لم يقيض لنا مشاهدته في أي مهرجان أو عرض، لم تشهد سوى فيلم واحد... لكنه كان، بالتأكيد، كافياً وحده للتشديد على حيوية سينما تنبعث دائماً من مأساة أهلها ووعيهم الجديد، لتفرض حضورها على العالم، ليس في شكل تعاطفي، بل بقدرتها الخلاقة على المزاوجة بين القضية، وأسلوب تناولها. والفيلم الذي نعنيه هنا هو"الجنة الآن"الذي افتتح العام السينمائي العربي في مهرجان برلين ثم واصل طريقه حاصداً نجاحاً، وسجالات كانت تعنف أحياناً، مثله في هذا مثل شريط"دنيا"اللبناني - المصري - الفرنسي، الذي حققته جوسلين صعب وعرض في القاهرة ودبي ليثير تلك السجالات الحادة التي سبق الحديث عنها. مهما يكن من شأن رأينا في"دنيا"، من المؤكد انه يمكن اعتباره سنونوة أخرى تبشر بعودة الربيع، الى جانب نصف دزينة من أفلام عرفت كيف تقول ان السينما العربية موجودة... ولو على آخر رمق.