أخذت التداعيات السياسية لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري تؤثر سلباً في الاوضاع التنظيمية لعدد من احزاب الموالاة اضافة الى انها فرضت على وزراء ونواب كانوا شاركوا في اللقاء الوطني الاول في عين التينة اعادة النظر في مشاركتهم فغاب بعضهم عن اللقاء الثاني الذي عقد الاسبوع الماضي. ولعل النداء الذي وجهه في اليومين الاخيرين عدد من قيادات وكوادر الحزب الشيوعي اللبناني المستقل عن الموالاة والمعارضة الى قيادته تحت عنوان"انقاذ الشيوعي من سياسة الخيار الملتبس"يعكس حركة اعتراضية في داخل القواعد الحزبية كان بادر ابرز الرموز فيها وبمبادرة فردية الى الانخراط في التحركات التي ما زالت تشهدها بيروت والمناطق في اطار التعبير عن الغضب الشعبي تظاهراً واعتصاماً، معتبرين ان مشاركتهم هي لحفظ ماء الوجه من جهة وانقاذ القيادة من حال الارتباك التي تمر فيها. كما ان الاجتماعات تتواصل داخل قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي في محاولة لبلورة رؤية سياسية جديدة تكون في مستوى الاحداث التي يمر فيها البلد، لا سيما ان لقاءات تتزامن مع هذه الاجتماعات على خلفية ابداء ملاحظات اساسية إزاء اداء قيادة الحزب التي تسعى للامساك بزمام المبادرة والعمل على وجه السرعة في سبيل تصحيح المسار العام للحزب في ضوء المراجعة التي تقوم بها القيادة، رغبة منها في استيعاب الحال الحزبية. وعلى صعيد آخر لم يكن تخلف بعض الوزراء والنواب عن حضور الاجتماع الاخير للقاء عين التينة الا محاولة لتمييز انفسهم في ظل الصراع المتأزم على الساحة اللبنانية، خصوصاً ان محازبيهم كانوا وجهوا لهم انتقادات اضطروا للأخذ بها، رغبة منهم في الحفاظ على حد أدنى من الانسجام مع قواعدهم، على رغم ان اللقاء رفض ان يصنف نفسه على انه قوة سياسية تقف ضد لقاء المعارضة في البريستول وأبدى حرصاً في الانفتاح عليها ومحاورتها من دون شروط. ويبقى الاهم ما يدور في داخل حزب الكتائب بعد مبادرة ثلاثة من اعضاء مكتبه السياسي الى اعداد مذكرة رفعوا نسخة منها الى القيادة وأخرى الى البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير وحملت تواقيع جورج القسيس وعادل بو حبيب وجورج مغامس. وفي هذا السياق علمت"الحياة"من مصادر كتائبية ان تحرك القسيس وبو حبيب ومغامس لم يفاجئ الكتائبيين وجاء نتيجة تراكمات مزمنة مضى عليها اكثر من عام ونصف ولم يفلح الحوار مع رئيس الحزب كريم بقرادوني في وقف اندفاعه من دون ضوابط الى جانب السلطة. ونقلت عن عضو في المكتب السياسي مناوئ في الوقت نفسه للسياسة التي يتبعها بقرادوني قوله ان لجاناً عدة كانت شكلت من اجل درس الاوضاع السائدة في الحزب على قاعدة ادخال تغيير جذري على الخطاب الرسمي للكتائب لكنها وصلت الى طريق مسدود ولم تتمكن من القيام بخطوة على طريق تصحيحه. وأكد العضو في المكتب السياسي ان المعترضين على خطاب بقرادوني كانوا يقولون له"اننا لا نريد اللحاق بالمعارضة لكن لا بد من التحرك تحت سقف بكركي التي تعبّر عن رأينا وتتيح لنا الحفاظ على الخصوصية التي يتمتع بها الكتائب وصولاً الى استرداد استقلاليته التي ضاعت تارة في لقاءات الاحزاب وتارة اخرى في اجتماعات عين التينة". وسأل العضو:"اين دور الكتائب من الدعوة الى الحرية والسيادة والاستقلال؟ وهل من الجائز ان نعارض القرار الرقم 1559 في الوقت الذي يبدي اكثر من مسؤول سوري استعداد بلاده للتجاوب معه؟"، مشيراً الى ان الهوية السياسية للكتائب ضاعت في متاهات خطاب بقرادوني. ولفت الى"اننا كنا نصر على بقرادوني على العودة الى الخطاب الكتائبي احياء لهوية الحزب وانسجاماً مع ذاته". ورداً على سؤال اوضح العضو:"لا نريد ان نكون الفصيل الرابع في الحزب"في اشارة الى الانشقاقات التي يعاني منها حزب الكتائب بعد ان تزعم الرئيس امين الجميل الحركة الاصلاحية، وبادر الرئيس الاسبق للحزب ايلي كرامة الى قيادة ما سماه المعارضة الكتائبية اضافة الى كتائب البيت المركزي. وأكد ان"ما نطمح اليه من خلال تحركنا يكمن في العودة الى الاصول الكتائبية علىاساس رعاية حركة تصحيحية تعيد للحزب وحدته من جهة وتحافظ على قواعده في بلاد الاغتراب", رافضاً تصنيف التحرك في خانة أي فصيل كتائبي موجود على الارض، ومشيراً الى الانفتاح على الجميع من دون استثناء بغية تأمين الحد الادنى من القوة الكتائبية الضاغطة لانقاذ الكتاب. وعلى هذا الصعيد، يستعد اكثر من مئة كتائبي بين مسؤول حالي وسابق لتلبية الدعوة الى اللقاء المفتوح الذي سيعقد في الحادية عشرة قبل ظهر الاحد المقبل في فندق"لا سيغال"في ضبية والمخصص للتباحث في الوضع الحالي للكتائب. وعلمت"الحياة"ان العديد من"العسكر القديم"في الحزب سيشاركون في اللقاء ومن ابرزهم الوزير السابق ادمون رزق، الرئيس السابق للكتائب منير الحاج وأعضاء سابقون في المكتب السياسي كجوزف الهاشم وخليل نادر وموريس سابا اضافة الى القسيس وبو حبيب ومغامس. وقال رزق ل"الحياة"ان الحركة تتفاعل منذ فترة بين لبنان وديار الانتشار العالمي انطلاقاً من ان الكتائبيين ليسوا في وارد القبول بالخطاب الراهن للحزب، مؤكداً ان المجتمعين لا يمثلون حالة من حالات الشرذمة في الحزب وانما يسعون الى تصحيح مسار الحزب في ظل المسلمات الوطنية التي تجمع حالياً بين اللبنانيين، آملين في ان يكون الكتائب جزءاً من الصف الوطني. ورداً على سؤال اكد رزق ان اللقاء سيطلق عليهم اسم مؤتمر المصالحة والتصحيح مع الحفاظ على عدم قطع الخطوط مع كل القوى في الكتائب. وبالنسبة الى موقف البطريرك صفير قال العضو في المكتب السياسي انه"تمنى لنا التوفيق في توحيد الحزب، وأعطانا مثالاً يتعلق بالانقسام الذي كان حاصلاً في البلد ايام حزب الكتلة الوطنية والحزب الدستوري اللذين جمعا في صفوفهما لبنانيين من كافة الطوائف". وأضاف العضو ان صفير اشار الى انه لم يسبق ان تجمع اللبنانيون حول الاستقلال والسيادة كما يجتمعون الآن. وقال:"كنا مشينا في اتفاق الطائف لكن لا اعرف لماذا لم يطبق بحذافيره، وهناك اكثر من قاسم مشترك بين الطائف والقرار الرقم 1559 ونحن نتمنى الوصول الى نتائج ملموسة ولا نريد الدخول في خلاف او سجال مع احد". وشدد صفير على ضرورة قيام الدولة العادلة التي تساوي بين اللبنانيين وتكون المرجعية لهم، ولا تتلقى أوامرها من الخارج،"ونحن مع ان يتوحد الجميع، فكيف بالأحرى ابناء الصف الواحد". وكانت الرسالة التي اعدها القسيس وبو حبيب ومغامس اشارت الى حال الانحراف الخطيرة المتمثلة بمواقف القيادة الحزبية المخالفة لنهج الكتائب ورسالتها التاريخية والمتناقضة مع المصلحة اللبنانية العليا. وقالت:"ولأننا لا يمكن ان نتصور الكتائب في مواجهة خط بكركي الذي نعتبره مرجعية وطنية فقد رفعنا هذه الرسالة". وبعد ان استعرضت الرسالة ابرز المواقف المصيرية للكتائب، قالت:"لا يمكن تصور الحزب مارقاً عليها او خارجاً عن طرحها الاستقلالي السيادي الجامع". ثم دعت القيادة الى تصحيح مسارها بادانة جريمة اغتيال الحريري وتأييد"انتفاضة الاستقلال العارمة والتمسك بتطبيق الطائف بما فيه المطالبة بتحديد موعد لانسحاب القوات السورية وأجهزة استخباراتها من لبنان، وتأليف حكومة انقاذ مصغرة، واعتبار تطبيق وثيقة الوفاق الوطني بحذافيرها اولوية مطلقة، والطلب من رئيس الحزب ونوابه وأمينه العام وضع استقالاتهم في تصرف المكتب السياسي". كما طالبت الرسالة بتشكيل هيئة طوارئ ذات صلاحية لاعادة توحيد الحزب عبر الدعوة الى مؤتمر استثنائي للمصارحة والمصالحة يشارك فيها جميع القوى الحزبية على اساس التلاقي في البيت المركزي تعبيراً عن ايمانهم برسالة الكتائب، والوقوف الى جانب المؤسسة العسكرية.