هل كان الرئيس جورج بوش على صواب؟ هل يترتب على أولئك الذين عارضوا الرئيس الاميركي في تدخله في العراق، ان يجروا اليوم نقداً ذاتياً؟ هذا غيض من فيض الاسئلة التي تطرحها اليوم الاوساط السياسية والاعلامية. وطرحت هذين السؤالين وسواهما، لأنني من جملة معارضي الحرب على العراق. ولأن هذه الحرب، كسائر الحروب، أقلقتني لأسباب انسانية -ثقافية بالدرجة الاولى، ولأن منطق المحافظين الجدد، في اميركا وسواها، هو ان سقوط صدام حسين من شأنه ان يجلب للشرق الاوسط جرعة من الاوكسيجين، وعدوى ديموقراطية في المنطقة بأسرها، وان الحرية، في الواقع، لا تني تسجل انتصارات في هذا الجزء من العالم. لقد انتخب الفلسطينيون فعلاً، وخاض المعركة عندهم مرشحون عدة. وما من مخالفة ذات شأن أفسدت ذلك الانتخاب، وقد خرج منه منتصراً رجل سلام فذ. وفي ربوعنا، ثمة انتفاضة عارمة، قوية لأنها لا عنفية، تطالب بالحقيقة والاستقلال وانتخابات حرة. وفي العراق بالذات، وعلى رغم الموت الذي سيطرت اجواؤه اخيراً على مراكز الاقتراع، انطلق المواطنون بقوة الى صناديق الاقتراع. تمنّع اهل السنّة عموماً عن الادلاء بأصواتهم، ولكن الاكراد وأهل الشيعة انتخبوا بكثافة، ما يشير، على رغم عدم انتظام الامور كلياً، الى ان الديموقراطية فازت بالغلبة، ولو جزئياً. حتى في سورية، نرى ان الزلزال اللبناني الاخير بات يدفع اكثر الناس شجاعة الى إسماع اصواتهم. الامارات العربية تتحرك، ويبدو ان مصر، تتنازل، في اعلى مستويات حكامها، عن الامتيازات والتفرد، عبر الركون الى انتخابات عامة، جديدة كل الجدة الشكلية. اجل، ان مؤشرات وافرة يبدو انها تحكم للرئيس جورج بوش، ولكن، هل ثمة ادراك للأسباب الموجبة؟ لا، لأنه ليس التدخل في العراق هو الذي حمل آرييل شارون على التحقق من ان القوة لا تقوى على كل شيء، وان اسرائيل لا يمكنها ان تحكم ملايين عدة من الفلسطينيين الى الابد، وان عليها ان تخطو الخطوة الاولى المتمثلة بالجلاء عن قطاع غزة. وليس التدخل الاميركي في العراق هو الذي تسبب بموت ياسر عرفات وأتاح انتخاب خلفه محمود عباس. ان التحولين اللذين استعاد الفلسطينيون والاسرائيليون بفضلهما درب الحوار، لا يمتان بأي صلة بسقوط صدام حسين. اما في ما هو من بلادنا وما صارت اليه، فمرد الامور أولاً وعلى الخصوص وفي الاساس، الى ان الرئيس بشار الاسد خلف أباه، ذا الذكاء المميز، ولم يعد النظر في النظام الذي ورثه. فبعد اكثر من عشر سنوات من السلم الاهلي، تطلع اللبنانيون عموماً الى ان يحكموا انفسهم بأنفسهم فاغتيل الرجل الذي جسد، ولما يزل، ذلك الامل. عندها، جيش الاميركيون والفرنسيون الأممالمتحدة دفاعاً عن لبنان وربما لاشاحة النظر، ولو قليلاً، عما تتخبط فيه الدولة العظمى في المستنقع العراقي... ونحن نعرف التتمة، والسؤال هو: هل كانت اختلفت الاشياء في معزل عن المغامرة في العراق؟ او: هل تبدل الاتجاه او نقطة الانطلاق او الاسبقية في ما هو من النشر"الغربي"ل"الديموقراطية"على الطريقة"الغربية"؟ لا شك في ان جورج بوش ماضٍ، بسبب تجربته العراقية، في تغيير سياسته. وهو، في هذا، لعلى صواب في رأينا. لبنان - د. جهاد نعمان