يعيش سكان قرية فلسطينية صغيرة ترقد بهدوء عند أقصى الطرف الجنوبي الشرقي لقطاع غزة، حالاً من"انعدام الوزن"والترقب والحذر قبل ثلاثة أشهر فقط من بدء الانسحاب الاسرائيلي من القطاع والذي يشمل هذه القرية ذات الواقع المختلف عن بقية مدن القطاع وقراه. انها قرية الدهينية التي أغلقتها سلطات الاحتلال قبل 20 عاماً من كل الجهات وأحاطتها بالاسوار الالكترونية وحولتها الى غيتو مغلق بعدما أسكنت فيها ابناء"العملاء والمتعاونين"مع الاحتلال وزوجاتهم وأطفالهم. ولا تسمح لسكانها الاربعمئة بمغادرتها الى اراضي القطاع، بل في اتجاه واحد يقودهم عبر بوابة الى داخل اسرائيل فقط. عدد من سكان هذه القرية نحو 250 مواطناً يرغب في العيش تحت سلطة فلسطينية بعد الانسحاب الاسرائيلي في الصيف المقبل. اما البقية 150 مواطناً فترغب في ترك القرية والسير في ذيل جيش الاحتلال المنسحب منها تنفيذاً لخطة رئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون للانسحاب الاحادي الجانب من القطاع. وتقول مصادر في القرية المغلقة التي لا يسمح للصحافيين، وحتى الاسرائيليين منهم، بدخولها، ان سكان القرية من غير العملاء منقسمون على أنفسهم ازاء عودة القرية الى السلطة الفلسطينية، فهم تارة يريدون تلك العودة الميمونة، وتارة يفضلون العيش في اسرائيل، وهم في كل الاحوال لا يعرفون ما هو مصيرهم او مصير قريتهم حتى الآن. وتضيف المصادر ان الجميع في انتظار ما تحمله الأيام المقبلة من مفاجآت أو أنباء، علماً أن موضوع القرية غير مطروح حتى لمجرد النقاش في أوساط المواطنين في القطاع الذين لا يلمون بأي معلومات عنها، أو أحيانا بمعلومات قليلة، وفي أحيان أخرى معلومات مغلوطة. فالانطباع لدى الفلسطينيين ان كل سكان القرية هم من العملاء والمتعاونين مع جهاز الامن العام الاسرائيلي شاباك، لكن الحقيقة تقول ان نحو 25 شاباً من أبناء عملاء كبار في السن توفوا في سنوات سابقة، ما زالوا يقطنون القرية هم ونساؤهم وأطفالهم ويشكلون ما مجموعه 150 فرداً. كما ان البقية الباقية من المواطنين، هم مواطنون لهم اقارب واهل في المناطق المتاخمة للقرية في الجزء الجنوبي الشرقي لمدينة رفح على مقربة من مطار غزة الدولي. تاريخ القرية وتفيد المعلومات ان سلطات الاحتلال الاسرائيلي أغلقت القرية البالغة مساحتها كيلومتر مربع واحد للمرة الاولى عام 1985 وأحاطتها بالاسلاك الشائكة التي جعلت فيها بوابة تربطها مع محيطها في مدينة رفح التي هي جزء أصيل من اراضيها. وينحدر سكانها من بدو شبه جزيرة سيناء من عشائر الرميلات والترابين التي عاشت في المناطق الممتدة بين جنوبفلسطين وشبه جزيرة سيناء المصرية. والمعروف ان عدداً من العملاء والمتعاونين مع"شاباك"من بدو سيناء، خرج مع الاحتلال عندما أعادت اسرائيل سيناء الى السيادة المصرية عام 1982 بموجب معاهدة"كامب ديفيد"الموقعة عام 1979، وأسكنتهم القرية قبل ان تحولها الى معزل عام 1985. وفي اعقاب اندلاع الانتفاضة الاولى في التاسع من كانون الاول ديسمبر 1987 ومطاردة العملاء والمتعاونين والتحقيق معهم واعدام بعضهم، سمحت سلطات الاحتلال لعدد كبير من هؤلاء العملاء بالعيش في القرية التي أحكمت اغلاقها وجعلت لها مخرجاً في اتجاه اسرائيل. وفعلاً انتقل عشرات وربما مئات المتعاونين الى القرية ابان سنوات الانتفاضة السبع، وما تلاها من عمر السلطة الفلسطينية، فتحولت الى ما يطلق عليه الفلسطينيون"ماخور العار". لكن معظم هؤلاء توجهوا للسكن في اسرائيل والبعض الآخر مات. عهد السلطة الفلسطينية وفي أعقاب قيام السلطة الفلسطنيية عام 1994، شرعت السلطة بالاشراف على العيادة الصحية الوحيدة في القرية التي يعمل فيها خمسة موظفين، اربعة منهم يأتون من مدينة رفح فيما الخامس من القرية نفسها. وكذلك الحال بالنسبة الى المدرسة الوحيدة التي يعمل فيها 14 مدرساً، بمن فيهم مديرها، وكلهم من رفح، وكذلك البلدية التي يعمل فيها 10 موظفين، اربعة منهم من رفح، فيما شبكة الكهرباء والماء من اسرائيل. الدخول والخروج ولا تسمح سلطات الاحتلال لسكان القرية بالتوجه الى مدينة رفح، او لسكان رفح بدخولها، بل تسمح فقط بدخول الموظفين القادمين للعمل فيها من رفح، وهم يحملون بطاقات وتصاريح خاصة، ويدخلونها بعد اجراء فحوص امنية دقيقة ومشددة عند البوابة الالكترونية عند مدخلها. ويقول سكان القرية من الفلسطينيين الذين يعملون في الزراعة في قرية تعاونية اسرائيلية تقع على بعد سبعة كيلومترات عنها داخل اسرائيل، انهم يجهلون مصيرهم. ويضيف هؤلاء ان احداً من المسؤولين الاسرائيليين او الفلسطينيين لم يتحدث اليهم عن اي اجراءات او ترتيبات حول الانسحاب، لذا فان مستقبلهم مجهول حتى الآن. اما هؤلاء المئة وخمسين من ابناء العملاء وأحفادهم فمصيرهم بات معروفاً، اذ قررت سلطات الاحتلال انها ستأخذهم معها للعيش في اسرائيل. وتقول مصادر أمنية اسرائيلية ان اسرائيل ستستوعب هؤلاء"كمواطنين فعلاً". وتشير الى ان نحو" 1200 على الأقل من المتعاونين الفلسطينيين السابقين يعيشون في اسرائيل، ويحصلون في اطار برنامج لاعادة التأهيل يرعاه"شاباك"على بطاقات هوية جديدة وتصاريح اقامة، وفي بعض الاحيان يحصلون على الجنسية". لكن سلطات الاحتلال تواجه مشكلة في توطين هؤلاء العملاء، اذ يرفض فلسطينيو 1948 اسكانهم في القرى والبلدات والمدن العربية، ويعتبرونهم خونة يستحقون الموت لا العيش وسط شعبهم في منطقة 1948.