نزل تقرير اللجنة الدولية لتقصي أسباب وظروف ومضاعفات اغتيال رئيس الوزراء السابق الشهيد رفيق الحريري كالصاعقة على رؤوس المسؤولين اللبنانيين وفتح الباب على مرحلة جديدة من التجاذب الدولي ? السوري في لبنان، بعدما حمّل دمشق مسؤولية التوتر السياسي الذي سبق جريمة الاغتيال، واعتبر ان اجهزة الامن اللبنانية والاستخبارات السورية تتحمل مسؤولية الثغرات الامنية في الاغتيال والتحقيق، وانتهى الى اقتراح تشكيل لجنة تحقيق دولية، أيدها الامين العام للأمم المتحدة كوفي انان في رسالته الى رئيس المجلس حين رفع التقرير. وتضمن التقرير معلومات سياسية وأمينة، بعضها معروف والآخر يذاع للمرة الاولى، تضع كلاً من سورية ولبنان الرسمي في موقع حرج وفي وضع المساءلة، منها تهديدات للحريري على لسان الرئيس بشار الأسد، الى تفاصيل ترسم شكوكاً حول التحقيق بالجريمة، صدرت للمرة الاولى في وثيقة دولية علنية. راجع ص 2، 3، 4 و5 وانتقل الجانبان اللبناني والسوري الرسميان اللذان سهر بعض مسؤوليهما حتى الفجر يقرأون التقرير، الى الدفاع، ازاء الشبهات التي تركها التقرير حولهم، بفعل مقدمات وتداعيات الجريمة. فأعلنت مصادر سورية مطلعة ل"الحياة"في دمشق ان التقرير"سياسي وليس قانونياً"، مشيرة الى وجود مخطط تآمري كبير. وتولى أربعة وزراء لبنانيون هم وزراء الداخلية سليمان فرنجية، والخارجية محمود حمود، والعدل عدنان عضوم والدفاع عبدالرحيم مراد، الرد على التقرير ما جاء فيه بأنه"وصفي"و"سياسي"و"يتضمن استنتاجات شخصية لكاتبيه"و"بوليسي". الا ان الارتباك بدا على بعضهم، في الموقف في اقتراح فريق التقصي الدولي قيام لجنة تحقيق دولية، مقابل دعوة رئيس الجمهورية اميل لحود الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ليل أول من أمس، حين اتصل به لابلاغه بالتقرير، الى"استخدام كل الوسائل"لكشف جريمة اغتيال الحريري. لكن الوزراء اللبنانيين تمسكوا بفقرة واحدة، من أصل 64 فقرة وردت في التقرير هي الآتية:"بعد اجراء تحليلات النماذج المجمّعة كلها والتباحث فيها، توصل خبراء اللجنة الى ان الانفجار وقع فوق سطح الارض، وان المتفجرة المستخدمة هي من نوع"تي ان تي"وتزن حوالى 1000 كلغ". ورأى الوزراء ان هذا يثبت ان ما كانت تقوله المعارضة في ان المتفجرات زرعت تحت الارض كان خاطئاً. ونص ملخص التقرير على الملاحظات الرئيسة لبعثة التقصي، برئاسة نائب قائد شرطة ايرلندا بيتر فيتزجيرالد، فاعتبر ان"الاغتيال حصل في اطار سياسي وأمني يتسم بالتأثير المباشر لسورية على السلطات اللبنانية، وفشل الاخيرة بضمان أمن مواطنيها. وتوصلت اللجنة الى ان التفجير تم بواسطة مادة ال"تي ان تي"ويبلغ وزنها ألف كلغ. ويرجح ان تكون وضعت فوق الارض. ويشير التحقيق بعد مراجعته الى غياب الالتزام الجدي من الاجهزة الامنية اللبنانية لفتح تحقيق فعلي في الجريمة، وان التحقيق الذي اجري حتى الآن لا يتطابق مع المعايير الدولية. والى ان التحقيق اللبناني"يفتقر الى الصدقية بين اللبنانيين بما يجعل نتائجه مقبولة". ومما جاء في التقرير:"توصلت اللجنة الى ان اجهزة الامن اللبنانية وأجهزة الاستخبارات السورية تتحمل المسؤولية الاساسية في الثغرات الامنية وعدم قدرتها على فرض الامن وتطبيق القانون والنظام في لبنان. وأبدت الاجهزة الامنية اللبنانية اهمالاً كبيراً للدور الذي يوكل عادة لأجهزة الامن المحترفة. وبسبب هذا الاهمال، فقد فشلت هذه الاجهزة بضمان أمن مواطنيها، وفرض حد أدنى من الامان، وهي بالتالي ساهمت في نشر ثقافة الترهيب وعدم المحاسبة. ويشارك جهاز الاستخبارات السوري في هذه المسؤولية لأنه يساهم في ادارة الاجهزة الامنية اللبنانية". وحمل الحكومة السورية المسؤولية الاساسية في التوتر السياسي الذي سبق اغتيال الرئيس الحريري. لأنها"استعملت نفوذها في شكل مبالغ يتخطى الممارسة المعقولة لعلاقات الجوار وتدخلت في تفاصيل الحكم في لبنان بيد من حديد وأسلوب غير مرن ادى الى احادية القطب السياسي. ومن دون استخلاص الاحكام المسبقة من التحقيق، الا ان الاغتيال جاء على خلفية هذا الجو". وأكد انه"للكشف عن الحقيقة لا بد من توكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة تتضمن كافة الخبرات اللازمة وتتمتع بصلاحيات تنفيذية تسمح لها باجراء استجوابات وتفتيش ومهمات اخرى ذات صلة. وأكثر من ذلك، لا يمكن للجنة التحقيق الدولية ممارسة مهماتها في شكل مرضٍ والحصول على تعاون السلطات المحلية مع وجود رؤساء الاجهزة الحاليين". واعتبرت بعثة التقصي ان"اعادة بناء نزاهة الاجهزة الامنية اللبنانية وصدقيتها اساسية لاعادة الامن والاستقرار وللوصول الى هذه الغاية لا بد من بذل جهود حثيثة لاعادة هيكلة الاجهزة واصلاحها وتدريبها، وهو ما يتطلب التزام المجتمع الدولي ومساعدته الفاعلة. وختاماً، ترى اللجنة ان الدعم الاقليمي والدولي سيشكل طوق النجاة لوحدة لبنان الوطنية وحماية حياته السياسية الهشة من الهزات غير المضمونة. ويشكل دعم السلام والامن في المنطقة حجر الاساس في اعادة الامور الى نصابها في لبنان. لكن متن التقرير، تضمن نقاطاً محددة ووقائع منقولة عن شهادات مصادر مختلفة، بعد ان اشار الى ان بعثة التقصي طلبت الاجتماع بالرئيس السوري بشار الأسد وان السلطات السورية رفضت الطلب. ومما نقله التقرير ان الرئيس الاسد أبلغ الحريري بعد ان ذكره بطلبه عدم التمديد للحود بأن لحود ممثله الشخصي في لبنان وانه يفضل ان"يكسر لبنان على رأس الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على ان تكسر كلمته في لبنان". اضاف التقرير: ثم هدد الاسد الحريري وجنبلاط بالايذاء الجسدي اذا اعترضا على التمديد". كما اشار الى ان الحريري"اغتيل في لحظة حساسة من صراعه مع سورية". لكنه اكد ان"تحقيقاً فعلياً وليس تحليلاً سياسياً، قادر على تحديد منفذ الجريمة ومهندسها والآمر بها. ومن المجحف القفز الى النتائج وتحديد المسؤولين من دون تحقيق مستقل وأدلة قاطعة ومحاكمة عادلة". وفند التقرير اتصالات البعثة مع الاجهزة الامنية المختلفة ليوضح انها فشلت في اتخاذ اجراءات لحماية الحريري"الشخصية السياسية الابرز في لبنان"وجنبلاط. وفي كل الاحوال، فإن بعضاً من اركان المعارضة وجد في التقرير ما يؤكد وجهة نظره، في وقت وجه فيه عدد من الوزراء شكوكاً حول التقرير، ووجه الوزير مراد هجومه، كذلك قوى سياسية موالية على نائب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية ديفيد ساترفيلد لوجوده في لبنان وتدخله في الشؤون اللبنانية. وهاجم مراد ما يتضمنه التقرير عن اصلاح الاجهزة الامنية، محذراً من وصاية دولية عليها. وأكد مراد ان الحكومة اللبنانية مستقيلة"ولم تجتمع ولن تجتمع لأخذ موقف من لجنة التحقيق الدولية"، ما يعني ابقاء الموقف اللبناني من لجنة التحقيق معلقاً. وعلمت"الحياة"في بيروت ان ثمة استعجالاً دولياً لتشكيل لجنة التحقيق الدولية وان بعض الترتيبات بدأ يتخذ لاحتمال صدور قرار عن مجلس الامن الدولي في شأنها ربما الثلثاء أو الاربعاء المقبلين. وفي باريس، علمت"الحياة"من مصادر مطلعة ان مجلس الامن بدأ مشاوراته حول نص قرار يقضي بانشاء لجنة تحقيق دولية تتولى الكشف عن ملابسات اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري. وذكرت المصادر ان عدداً كبيراً من الدول ومن بينها دول عربية تريد معرفة الحقيقة حول اغتيال الحريري، وان لا مفر من متابعة تقرير المحقق فيتزجيرالد،"اذ ان التقرير مستقل وينقل وقائع ويتضمن اتهامات قوية". وقالت ان فكرة نص القرار تقضي بالتركيز على لجنة التحقيق الدولية لكي تتعاون مع السلطات اللبنانية والسورية، وليس تحميل السلطات المزيد من المسؤولية عما تضمنه التقرير. وأوضحت ان المهم هو التركيز على الخلاصات والتوجهات التي ينص عليها، والعمل سريعاً على تشكيل اللجنة التي ستتعاون معها الحكومتان المعنيتان في شكل بنّاء، بحيث ينجز التحقيق الدولي بأسرع وقت. وعلمت"الحياة"ان فرنسا والولايات المتحدة على الموجة نفسها بالنسبة الى نص القرار المطروح حالياً للنقاش. وفي بروكسيل، اكد الممثل الأعلى لسياسة الاتحاد الاوروبي الخارجية خافيير سولانا امس"دعمه الشديد"للتوصية بتأليف لجنة تحقيق دولية، ودعا الاطراف الى تفادي اي"تدهور جديد للمناخ السياسي".