من المعيب ان ينبري بعضهم الى اظهار الشماتة بدولة قطر بعدما اصابتها شظايا ظاهرة العنف الأعمى من خلال عملية المسرح، على خلفية قيام فضائيتها الأشهر"الجزيرة"بتغطية انباء التنظيمات الجهادية في طبعتها البنلادنية ? الظواهرية، من خلال بث مقتطفات من الرسائل التي ينشرها الرجلان ومن تعاون معهما او آمن بخطهما. نقول ذلك لأن"الجزيرة"لم تصنع الظاهرة ولم تروج لها، حتى لو نشرت بعض اخبارها، بل ان المسؤول الأول عن منحها ذلك الانتشار هي الولاياتالمتحدة، ليس فقط باستهدافها للأمة الإسلامية، وهو السبب الحقيقي للظاهرة بعيداً من هراء الطروحات الأميركية حول كراهية النموذج الأميركي والحرية الأميركية، بل ايضاً بالمبالغة المفرطة في قوتها وحضورها وانتشارها، مع اننا كمتابعين لتحولاتها منذ البدايات ندرك تمام الإدراك ان"القاعدة"لم تأخذ ابعادها الأممية إلا بعد الاستهداف الأميركي ومن ثم الترويج الأميركي. وقد كان اسامة بن لادن في السودان يبني الجسور ويشق الطرق ويعيل الأيتام والمشردين قبل ان تطارده الآلة الأميركية وتلجئه الى افغانستان ضيفاً على الملا محمد عمر. عودة الى ملف الانفجار، اذ بصرف النظر عما اذا كان منفذه شاباً مصرياً او قطرياً او غير ذلك، فإن من الطبيعي ان نضعه ضمن السياق ذاته الذي تحركت وما زالت تتحرك فيه جملة من الأحداث المشابهة، والتي امتدت من السعودية الى المغرب الى اليمن الى الأردن الى الكويت الى اندونيسيا, وصولاً الى دول غربية كما حصل في اسبانيا. والخلاصة هي انه واحد من نتاجات الظاهرة الجهادية في طبعتها الأخيرة، والتي اطلقها اسامة بن لادن عام 1998، تحت عنوان"الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين"، ثم بلغت ذروتها بهجمات 11 ايلول سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدة، وهي فكرة عاد عنها لاحقاً في رسالته الى الشعب الأميركي وفي عرض الهدنة مع الأوروبيين، حين طرح في الأولى سؤاله الشهير:"لماذا لم نستهدف السويد مثلاً؟". من الواضح ان هذه الظاهرة فقدت الحد الأدنى من الرشد في الكثير من تجلياتها الأخيرة، اكان في معظم العمليات التي وقعت في البلدان المشار إليها آنفاً، ام حتى في العراق الذي كان من المؤمل ان يكون لها فيه صولات وجولات تعيد لها بريقها القديم ايام افغانستان والبوسنة، يوم كانت تعين اهل البلاد المستضعفين على مواجهة العدوان الواقع عليهم من دون تدخل في شؤونهم او خلافاتهم الداخلية. من الصعب إنكار الجهد الكبير الذي بذله بعض هؤلاء في العراق، لا سيما في البدايات من خلال اطلاق فكرة المقاومة في وقت كان العراقيون لا يزالون يعانون هول الصدمة، لكن ما جرى بعد ذلك كان مؤسفاً من حيث حرف بوصلة الجهاد الواعي الذي يستنزف العدو الأميركي عبر تحويله الى عمليات قتل للعراقيين, فضلاً عن تصدرهم في ميادين السياسة وتحديد ما يجوز وما لا يجوز، الأمر الذي اخذ يخدم الاحتلال وأهدافه في العراق ويشوه صورة المقاومة. ما جرى في قطر هو جزء لا يتجزأ من هذا الانحراف في البوصلة السياسية، بل والفكرية ايضاً، فسياسياً لا تصب مثل هذه الأعمال بإجماع عقلاء الأمة في سياق المصلحة العامة للإسلام والمسلمين، أما فكرياً فهي تعاني انحرافاً منهجياً، ليس باستسهالها لمنطق التكفير فحسب، بل وبتجاهلها لحرمة الدم المسلم، الذي هو اهم عند الله من حرمة الكعبة، كما في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن استهانتها بأرواح المستأمنين من الأجانب. إن مواجهة هذه البضاعة الفاسدة في الساحة الإسلامية لا بد من ان تأخذ في الاعتبار الرؤية التي تستند إليها وإخلاص اهلها المفرط لها، لكن المواجهة لا بد من ان تتم من طريق عملاء ثقاة من المدرسة الفكرية نفسها ممن لهم حضورهم ودورهم، في الوقت ذاته يمتلكون القدرة على الحوار وفهم تعقيدات الأوضاع القائمة عربياً وإسلامياً ودولياً وإدراك مصالح الدين والأمة، والنتيجة هي قدرتهم على اقناع اولئك القوم بضرر ما يفعلون على الإسلام والمسلمين، الأمر الذي يضعه في دائرة الحرمة، لأن مصلحة المسلمين هي التي تحدد الجواز من عدمه في مثل هذه الوقائع، حتى لو كان الفعل في اصله جائزاً. وقد نشير هنا الى ان رسائل لأمثال هؤلاء توجه الى اسامة بن لادن قد تكون مفيدة، لا سيما في ضوء رسائله التي توحي بإمكان إحداث تغيير في رؤيته. خلاصة القول هي ان ما جرى في قطر هو جزء من مسلسل لا بد من مواجهته بالعقل والمنطق والحكمة، ليس فقط من اجل مصلحة الإسلام والمسلمين, بل ايضاً من اجل انقاذ شبان مخلصين يعتقدون انهم ينصرون دين الله فيما هم يضعون الحب من حيث لا يدرون في طاحونة عدوهم. * كاتب اردني.