يبدو أن السويد ستدخل على خط اللوثة الأمريكية للإرهاب، فما هي سوى أيام قليلة على عملية التفجير التي استهدفت وسط العاصمة (ستوكهولم) حتى أُعلن عن 200 مسلح رصدتهم الأجهزة الأمنية، الأمر الذي يدخل من دون شك في باب التهويل والمبالغة، ولا عجب أن يكون البلد الذي انسجم مع واشنطن في مطاردتها لجوليان أسانج، صاحب موقع ويكيليكس قد قرر الانسجام معها في لوثة الإرهاب التي يجري تعميمها في الساحة الأوروبية برمتها في سياق من تبرير استمرار الحرب في أفغانستان بشكل خاص، وكذلك الحال في العراق. علامات استفهام كثيرة تحيط بالعملية التي نفذها الشاب العراقي تيمور عبدالوهاب في العاصمة السويدية، والتي لم يقتل فيها سواه، بينما جرح اثنان آخران جروحاً طفيفة، فهي إذا استبعدنا تماماً نظرية الاختراق، لا تعدو أن تكون محاولة فردية من النوع البائس، أي أن صاحبنا هو من الشباب الذي انضم إلى ساحة الجهاد تأثراً بالأدبيات الجهادية على الإنترنت، وحاول تنفيذ عملية بمفرده، من دون استبعاد حصوله على مساعدة من شخص آخر أو أكثر. السيارة كانت مفخخة بطريقة بسيطة، وكذلك الحزام الناسف، ما يرجح أنهما من إعداده شخصياً، الأمر الذي تتوفر أبجدياته على شبكة الإنترنت، ويبدو أن قرار الاستشهاد قد ملك عليه عقله وقلبه من دون تفكير بالأدوات ومدى التأثير، فكانت العملية البائسة التي نحمد الله أنها لم تقتل أحدا، لأن قتل الناس الأبرياء ليس من شيم الإسلام في شيء. والحق أن السويد لم تدخل في قائمة الدول المستهدفة من قبل القاعدة، وقد ذهب أسامة بن لادن في رسالة له في العام 2004 إلى التساؤل بوضوح قائلاً: «لماذا لم نستهدف السويد مثلا؟»، معتبراً أن الأمر مرتبط بالعدوان الأمريكي على الأمة الإسلامية، ولما كانت السويد غير متورطة في العدوان، فإنها لا تدخل في باب الاستهداف، والكلام الذي نشره منفذ العملية عن السخرية من النبي عليه الصلاة والسلام، وعن المشاركة في حرب أفغانستان ليس مقنعاً، إذ لا يتوفر توجه رسمي يدعم الجانب الأول، فيما يعرف أن القوات السويدية في أفغانستان (500 جندي) ليست من القوات القتالية، تماماً كما هو حال القوات التركية على سبيل المثال، مع بقاء الجدل قائماً حول تلك المشاركة وخدمتها لمشروع الاحتلال. مثل هذه الرسالة (رسالة بن لادن) لا يبدو أن تيمور عبدالوهاب قد سمع بها، فهو تأثر وخطط ونفذ دون الرجوع لأي أحد (مراسلات الإنترنت، بخاصة مع الشبكات الجهادية مراقبة تماماً)، ولو كانت له صلات معينة لاكتشفته المخابرات البريطانية، هو الذي يعيش في مدينة «لوتن» البريطانية منذ سنوات، ومعه زوجته وأبناؤه الثلاثة. كل ذلك لا ينفي البعد السياسي للعنف، بل يؤكده، فهذا الشاب الناجح في حياته، والذي عاش في السويد (جاءها وعمره عشر سنوات)، والمتزوج وله أولاد، لم يفعل ما فعل إلا بسبب السياسة، من دون أن ينفي ذلك أن اللون الفكري الذي تأثر به هو لون يتميز بالتطرف الفكري والعمى السياسي. ما يشكك في العملية ويذهب بالمحلل نحو مسار الاختراق يتعلق بسؤال لماذا ترك تيمور عبدالوهاب بريطانيا (حيث يدرس) وذهب لتنفيذ عمليته في السويد، مع أن الأولى أكثر تحالفاً مع الولاياتالمتحدة. ولماذا لم تكتشفه المخابرات البريطانية التي تراقب هذا اللون من الشبان، بل وتدفع مخبرين إلى مصاحبتهم في كثير من الأحيان وتقديم مقترحات جهادية لهم من أجل اكتشاف نواياهم، لاسيما أن إمام المسجد الذي كان يصلي فيه في «لوتن» كان يشكو من تطرفه. في أي حال، هذه عملية بائسة لا ينبغي تجاهل عامل السياسة الذي شكل دوافعها، من دون غض الطرف عن الأبعاد التي بررتها وحملتها من محطة التفكير إلى محطة التنفيذ، وهي أبعاد لا بد من التصدي لها، ليس فقط من الناحية الشرعية التي ترفضها جملة وتفصيلاً، ولكن من الناحية السياسية أيضاً بما تنطوي عليه من إساءة للإسلام والمسلمين، لا أعني تداعياتها على الجالية المسلمة في السويد أو المسلمين في الغرب عموماً، بل على صورة الإسلام في وعي العالم أجمع، مع أن قليلاً من الإنصاف ينبغي أن يذكّر بأن التطرف موجود في كل الأديان والمذاهب، وليس في الإسلام وحده، بينما لا ينسب العنف لدين رموزه إلا في الحالة الإسلامية، الأمر الذي ينم عن موقف سيئ مسبق من الإسلام والمسلمين. [email protected]