ثمة لجنة تحقيق اميركية كبرى أعدت تقريراً عن البرنامج النووي الايراني ستقدمه الى الرئيس هذا الشهر، وكل الأخبار المتوافرة عن التقرير يقول ان اللجنة وجدت جهد الاستخبارات الأميركية عن ايران غير كاف ولا يسمح بإصدار حكم على حقيقة البرنامج الايراني. قبل خمسة اشهر، وتحديداً في تشرين الأول أكتوبر الماضي أرسل بورتر غوس رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، تقريراً الى الكونغرس يزعم ان ايران تواصل"بنشاط كبير برنامجاً لانتاج أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية". كيف هذا؟ لجنة التحقيق تألفت من اعضاء من الحزبين وترأسها القاضي المتقاعد لورنس سيلبرمان وعضو الكونغرس والحاكم السابق تشارلز روب، وهي قررت عدم وجود معلومات استخبارات أكيدة بعد ان سمح لها باستجواب كبار المسؤولين، والاطلاع على جميع الملفات والتقارير السرّية التي تريدها. غوس عيّنه الرئيس بوش في محاولة"لاصلاح"الاستخبارات بعد ان عجزت هذه عن تقديم المعلومات التي تحتاج اليها الادارة لتبرير حربها على العراق. ويبدو ان تقريره من النوع الذي تريده الادارة، وهو من نوع التقارير عن العراق التي طلعت بها عصابة اسرائيل في وزارة الدفاع عن أسلحة دمار شامل لم توجد، وعلاقة مع القاعدة لم تقم يوماً. هناك مراكز قوى في الادارة الأميركية وحولها تحاول ان تدفع هذه الادارة الى مواجهة مع ايران لخدمة اسرائيل. وفي حين انني لا أنفي وجود برنامج أسلحة ايراني سري، فنحن نعرف ان العالم الباكستاني عبدالقدير خان باع ايران معدات"لتشبيع اليورانيوم"فإنني مع ذلك ألاحظ إصرار الادارة على عدم التفاوض مع ايران، بل على معارضة جهد بريطانيا وفرنسا وألمانيا في التفاوض. واذا كان لي ان أعطي مثلاً واحداً على سوء النية المبيت، ففي 24 شباط فبراير الماضي نشرت"نيويورك تايمز"خبراً بعنوان"بوش قد يدرس استخدام حوافز لاقناع ايران"بعدم انتاج سلاح نووي، ونشرت"واشنطن تايمز"خبراً بعنوان"بوش يرفض دعوة ألمانيا الى تقديم حوافز لايران". الخبران كانا عن موضوع واحد، وكتبت الجريدة الليبرالية ما اعتبرت انه الصحيح، في حين عبرت الجريدة القريبة من المحافظين الجدد عن أمانيها. وفي 27 شباط، قالت"الاندبندنت أون صنداي"ان الولاياتالمتحدة غيرت موقفها وستحاول تقديم حوافز الى ايران، كما ان"لوس أنجليس تايمز"قالت في الثامن من هذا الشهر ان"الولاياتالمتحدة تبدو ميالة الى تأكيد الحوافز الأوروبية لايران". اذا كانت الصحيفة اليمينية أخطأت لأنها تريد مواجهة، فليس في الامر سر و"واشنطن تايمز"نفسها كانت نشرت في 21 شباط خبراً عنوانه"اسرائيل تدفع أميركا أو تضغط عليها لحل مشكلة الأسلحة النووية الايرانية"، وخلاصة الخبر ان اسرائيل تريد من ادارة بوش ان تتصرف لأنها اذا لم تفعل لا يبقى عند اسرائيل خيار غير ضرب المنشآت النووية الايرانية. هذه هي القضية، وما يعود بنا الى اغتيال رفيق الحريري، رحمه الله، وتظاهرات الموالين والمعارضين في لبنان. أنصار اسرائيل سعوا من البداية الى دفع الادارة الاميركية نحو ضربة جوية للمنشآت النووية الايرانية، فتستعدي الولاياتالمتحدة الشيعة بعد السنّة في الشرق الأوسط، ولا يبقى لها صديق أو حليف سوى اسرائيل، كما تتمنى هي وأنصارها. وأستطيع ان اقدم ملفاً في ألف صفحة رقم حقيقي على ما كتب المحافظون الجدد ضد ايران، منذ التسعينات، وقبل الحرب على العراق وبعدها، فهم يريدون اسقاط نظام"الملالي"المعادي لاسرائيل، وبعضهم يعتبر اسقاطه أهم من اسقاط صدام حسين. غير ان"حزب الله"دخل على الخط في شكل خطر ماثل على اسرائيل، فاذا ضربت هي أو الولاياتالمتحدةايران، فالحزب سيشن حرباً على اسرائيل من لبنان، وهو يملك نحو 20 ألف مقاتل، كل واحد منهم استشهادي انتحاري، وصواريخ يقدر عددها بعشرة آلاف، مع ان الرقم 20 ألفاً مطروح أيضاً. بكلام آخر،"حزب الله"قادر على ان يوقع باسرائيل خسائر تزيد على ما خسرت في أي حرب كبرى مع الدول العربية، وهنا جاء اغتيال الرئيس الحريري ليضع سورية في قفص الاتهام ويضعفها. ومع انتفاضة اللبنانيين على الوجود السوري تصورت الولاياتالمتحدة انها تستطيع ان تدعم في الحكم في لبنان حكومة تطلب تجريد"حزب الله"من سلاحه، كما نص اتفاق الطائف نفسه وأيضاً القرار 1559. غير ان التظاهرة الهائلة التي رعاها"حزب الله"في بيروت، وكانت أكبر من أي تظاهرة أخرى في تاريخ لبنان المستقل، أعادت خلط الأوراق مرة اخرى، وقررت الولاياتالمتحدة انها لن تستطيع الاتيان بحكومة لبنانية تنفذ رغباتها، فكان ان تحدث مسؤولون أميركيون علناً عن التعامل مكرهين مع"حزب الله"على اعتبار انه جزء مهم من التركيبة السياسية اللبنانية. الوضع لم يحسم بعد، وفي حين نرجو ان تغلب البراغماتية السياسية والتعقل في واشنطن، فإننا نلاحظ مع ذلك ان طلاب المواجهة مع ايران أقوياء، ونائب الرئيس ديك تشيني قال في مقابلة اذاعية أخيراً:"اذا نظرت حول العالم عن أماكن اضطراب محتملة تجد ايران على رأس القائمة". أعتقد بأن كوريا الشمالية على رأس القائمة، وهي تقول ان عندها قنبلة نووية وتهدد بها، فتهملها الولاياتالمتحدة وتركز على ايران، لأن هذه قريبة من اسرائيل، اما كوريا الشمالية فبعيدة جداً. ولعل في هذا وحده الدليل على ان اسرائيل وأنصارها يحاولون توريط أميركا في مواجهة مدمرة جديدة. وأختار ان أصدق، رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية الدكتور محمد البرادعي، فهو انتقد ايران بحدة لعدم تعاونها، الا انه أصر على ان مفتشي الوكالة لم يجدوا برنامج قنبلة نووية... وهو دعا الولاياتالمتحدة الى الالقاء بثقلها وراء الدول الأوروبية لاقناع ايران بالتعاون، غير انها لم تفعل بعد لأن هناك من يسعى الى مواجهة تفيد اسرائيل على حساب المصالح الأميركية قبل غيرها.