كما عوّدنا المؤلف والناقد محمد عبدالفتاح في كتبه السابقة الصادرة عن مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي, وتناولت حياة كل من ماري كويني, اسماعيل ياسين, حسن الإمام, الأخوين حسين فوزي, عباس كامل, وأحمد الحضري, رائد الثقافة السينمائية, الى جانب مشاركته في كتب أخرى عن عبدالحليم حافظ, ونجيب محفوظ, جاء كتابه الجديد"سينما نيازي مصطفى"الذي صدر عن"الهيئة العامة لقصور الثقافة"ضمن سلسلة"آفاق السينما"مميزاً، إذ استطاع فيه ان يربط بين رحلة مصطفى الإخراجية والكثير من الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في صورة تبدو أقرب الى سيناريو شديد التماسك وبجهد يفوق الوصف. ويقع الكتاب في 327 صفحة من القطع الكبير, وهو مقسم الى أربعة أبواب يتناول الباب الاول منها مسيرة حياة نيازي مصطفى الذي وُلد في 11 تشرين الثاني نوفمبر 1911 لأب سوداني صاحب أطيان, وأم تركية كان يتردد معها على دار السينما الوحيدة في مدينة اسيوط في صعيد مصر. وبعدما انتقل الى المدرسة الثانوية في القاهرة اشترك في مجلة سينمائية كانت تصدر في لندن، وعقب حصوله على البكالوريا سافر إلى ألمانيا وعمره 16 عاماً لدراسة العلوم السينمائية في معهد ميونيخ وادعى لأسرته أنه سافر لدراسة الهندسة ولكنه أخبرهم بعد فترة بالحقيقة فوافقوا. اول اكاديمي سينمائي وعاد نيازي الى مصر بعد حصوله على شهادة تؤكد أنه أول مصري يحصل على دراسة أكاديمية في الاخراج, وعمل بعد عودته مساعد مخرج مع يوسف وهبي, كما كتب سيناريو وتوليف فيلم"الدفاع". وكانت النقلة الكبيرة له حينما التقى طلعت حرب الذي عيّنه في معمل التحميض والطبع الذي انشأه فوق مطبعة مصر. وعيّن رئيساً لقسم التوليف المونتاج منذ اليوم الأول لافتتاح ستوديو مصر. وهو بدأ مشواره بإخراج فيلم تسجيلي عن شركات"بنك مصر". وعقب نجاح الفيلم قدم أفلاماً عدة تسجيلية ودعائية وروائية قصيرة, وتولى التوليف للأفلام الأولى التي انتجها"ستوديو مصر"وهي:"وداد", و"لاشين", و"الحل الأخير", وتدرب على يديه في هذا القسم كثير من المخرجين والمؤلفين ومنهم شقيقه جلال مصطفى, حسن الإمام, صلاح أبو سيف, كمال الشيخ, محمد عبدالجواد, وابراهيم عمارة. وبعد أكثر من عامين أخرج أول أفلامه الروائية"سلامة في خير"1937 من بطولة نجيب الريحاني الذي فُتحت شهيته لتقديم أفلام أخرى بعدما كان أعلن اعتزاله السينما وتفرغه للمسرح, وكل ذلك لأن الفيلم قدّمه في صورة مغايرة لما سبق ان قدّم على الشاشة، ما أدى الى تقديم فيلمهما الثاني"سي عمر"عام 1941. وكان مصطفى قدّم عام 1939 فيلم"الدكتور", وعام 1941 فيلم"مصنع الزوجات"الذي لم يحقق النجاح التجاري المنشود لأنه كان يدعو الى تحرر الفتاة المصرية وضرورة تعليمها. وتضافرت ضد مخرجنا عوامل أخرى منها الرقابة وهجوم الصحافة والنقاد, فتخلى مصطفى عما كان يحلم به وبدأ يفكر في الوصول الى النجاح التجاري الذي تحقق في صورة كبيرة في فيلم"رابحة"من بطولة بدرلاما وكوكا التي تزوجها لاحقاً. وأصبح هذا الفيلم علامة مميزة في أفلامه وقدّم في العام نفسه فيلم"طاقية الاخفاء"وبدأت تتحدد ملامح سينماه وحدودها التي تنوعت ما بين أفلام الكوميديا والحركة والمغامرات البدوية و"الوسترن العربي"وأفلام الحيل والخدع السينمائية والافلام ذات الصبغة الاجتماعية، وإن اعتمدت على الحركة والمغامرات. علماً أنه قدم النوعيات السينمائية كافة ومنها الأفلام الغنائية والدينية. ويشير المؤلف محمد عبدالفتاح الى أن مصطفى لم يعتمد كثيراً على الأعمال الأدبية في أفلامه باستثناء خمسة في المئة منها. ومن هذه الافلام:"رابحة"لمحمود تيمور, و"فارس بني حمدان"لعلي الجارم, و"فتوات الحسينية", و"التوت والنبوت"لنجيب محفوظ, و"عنتر بن شداد"لمحمد فريد حديد. نوعيات غائبة أما الباب الثاني، الذي يضم تسعة فصول، فيؤكد فيه عبدالفتاح أن نيازي مصطفى كان رائداً في نوعيات فيلمية كثيرة لم تتطرق اليها السينما المصرية إلا نادراً لأنه أول من قدم فيلماً مصرياً تدور أحداثه في غابات افريقيا وادي النجوم عام 1943 وأول من أبرز مفاهيم الشهامة والاخلاق والكرم والعادات الطيبة للبدو في فيلمه"رابحة"، وكان أول من كشف عن مواهب كوكا, وإلهام حسين وليلى فوزي, وهدى سلطان, ومحمود مرسي, وجمال فارس, وهاني شاكر, كما كان أول من أعطى البطولة السينمائية لعادل إمام, محمد صبحي, نادية لطفي, كمال الشناوي, محمد الكحلاوي, منيرة سنبل, ومحمود فرج. كما أنه استثمر فيلم"رابحة"استثماراً ناجحاً فقدم الكثير من الافلام التي تعد تنويعاً على هذا الفيلم ومنها:"حبابة"1944,"عنتر وعبلة"1945,"راوية","سلطانة الصحراء","ليلى العامرية","وهيبة ملكة الغجر""الفارس الأسود","سمراء سيناء","عنتر بن شداد","أميرة العرب","كنوز","فارس بني حمدان","البدوية العاشقة","بنت عنتر", و"عنتر يغزو الصحراء". وحتى الفيلم الديني الوحيد الذي قدّمه"رابعة العدوية"عام 1963، تحول الى فيلم مغامرات. ويخصص المؤلف أحد الفصول لأفلام الحركة لدى مصطفى. وهي افلام برز فيها وجعلته علماً في هذه النوعية. ويفوق ما قدمه من أفلام حركة ما قدمه أي مخرج آخر ومنها:"فتوات الحسينية","أبو حديد","حميدو","رصيف نمرة 5", اضافة الى تفوقه في تقديم تقنية عالية في إخراج هذه الافلام. كما عمل على استغلال الأحداث السياسية والوطنية الجارية وحاول عرضها ولو في مشاهد وحوار يشي بنوع من التسجيلية,"فهو استغل أحداث العدوان الثلاثي على مصر وسجّل بعض وقائعه في فيلم"سجين أبو زعبل"عام 1957, و"سمراء سيناء"عام 1959, أو قضية فلسطين في فيلم"أرض الأبطال"عام 1953". كوميديا ويخصص المؤلف فصلاً عن الكوميديا في سينما مصطفى، ويؤكد انه كان"حريصاً على التعامل مع عدد كبير من كتاب الكوميديا المختلفين فكراً ومضموناً ورؤية وفي فترات زمنية مختلفة أو متداخلة، وأضاف وجهة نظره الحرفية ورؤيته لوظيفة السينما التي تتلخص في التسلية وإمتاع الجماهير بما تريد، ومنها"البني آدم"عام 1945,"غني حرب","قمر 14","لقمة العيش","جناب السفير","أخطر رجل في العالم","فضيحة في القاهرة", و"أذكياء ولكن أغبياء"، الى جانب أفلام الخدع والحيل في سينماه. وأدى"النجاح الكبير الذي حققه فيلم"طاقية الاخفاء"عام 1944 إلى تتويجه ملكاً للخدع, ورائداً أول لها, وكان عاد الى هذه النوعية عام 1952 بفيلم"من أين لك هذا؟", وعام 1959 ب"سر طاقية الاخفاء", وعام 1966 ب"صغيرة على الحب", وعام 1984 بفيلم"فتوة الناس الغلابة". وكان مصطفى حصل خلال مشواره الفني على عدد كبير من الجوائز ابرزها تكريم الدولة له في عيد العلم عام 1965، وحصوله على جائزة الريادة من"الجمعية المصرية لفن السينما"عام 1986. كما كرمته"الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما"ومنحته الشهادة الذهبية عام 1976. أما الباب الثالث فيخصصه الكاتب لمساهمات مصطفى بعيداً من الاخراج, ومنها التوليف, التصوير, الموسيقى, كتابة القصة, السيناريو والحوار, كما نادى بإنشاء"المركز الأهلي لصناعة السينما"من أجل حل مشكلات السينما المصرية وعبور أزمتها وكان يؤمن بأن السينما صناعة أولاً ثم فن واقتصاد, وكان يرى أن الحل الحقيقي لمشكلات السينما وخروجها من أزمتها الاقتصادية والانتاجية يتمثل في انشاء دور عرض جديدة واحدة في كل قرية وعشرة في كل محافظة كما كان أحد المنادين بضرورة دبلجة كل الأفلام الاجنبية التي تُعرض في مصر، ونادى بأن تتحول نقابة السينمائيين من نقابة عمالية الى نقابة مهنية. أما الباب الرابع فعبارة عن فيلموغرافيا لأفلام نيازي مصطفى الروائية، وبلغت 106 أفلام, الى جانب سبعة أفلام من انتاج لبناني, وعدد من الأعمال التلفزيونية، منها:"غالية","الرجل الذي قال لا","من عظماء الاسلام"و"هروب".