من الواضح خلال تاريخ حياة نيازي مصطفى (1911 - 1986) أنه لم يقترب من التمثيل أو عرف عنه الانضمام إلى أي فرقة مسرحية، على رغم كونه أحب التمثيل وانضم إلى فريقه في المدرسة، ولكن طبيعته لم تؤهله لأن يصبح ممثلاً وأيضاً لم تبشر حياته بأنه سيصير مخرجاً سينمائياً متميزاً. يذكر الكاتب والناقد السينمائي محمد عبدالفتاح في كتابه «سينما نيازي مصطفى» - الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة آفاق السينما- أن نيازي مصطفى كان أول طالب مصري يدرس السينما أكاديمياً، إذ سافر عام 1929 لدراسة السينما في ألمانيا لمدة ثلاث سنوات وفيها درس الطبع والتحميض والعدسات والتصوير وكل ما يتعلق بفن التصوير والإخراج. وهو بعد عودته عمل كمساعد مع يوسف وهبي في الإخراج والمونتاج وكتابة السيناريو لفيلم «الدفاع». جاءت بداية نيازي كمخرج للأفلام القصيرة وأفلام الدعاية وكان أول عمل له في ستديو مصر فيلماً تسجيلياً عن شركات بنك مصر وبعدها قدم أفلاماً تسجيلية ودعائية وروائية قصيرة عدة، منها واحد عن النشاط الرياضي في الجامعة وآخر عن شاي الشيخ الشريب وسوق السلاح وغيرها. وفي الواقع لم يستعجل نيازي مصطفى فرصة إخراج فيلم روائي طويل، بل ظل قانعاً في دوره كرئيس لقسم المونتاج في ستديو مصر. إضافة إلى الأفلام التسجيلية القصيرة التي أخرجها. ولم تقتصر جهوده على الأفلام التسجيلية والقصيرة فحسب؛ وإنما قام بأعمال المونتاج لكل أعمال ستديو مصر كالجريدة السينمائية التي كانت تصدر أسبوعياً وأيضاً أفلام «وداد ولاشين والحل الأخير». ويضيف عبدالفتاح: «لم تقتصر مساهمات نيازي مصطفى في مجال السينما على الإخراج فقط، وإنما تعدت ذلك إلى ممارسة أعمال فنية أخرى كالتصوير والموسيقى بل والكتابة للسينما في مجالات القصة والسيناريو والحوار». كان نيازي يرى ضرورة أن يؤمن المخرج أن السينما صناعة أولاً ثم فن واقتصاد كي ينجح في عمله... وينبغي عليه أن يفهم كل خفايا صناعته وأن يجيد صناعة «الصناعة» أي يجيد حرفته وأن يفهم كيف يتعامل معها ويستخدمها بطريقة غير مكلفة، فالصناعة والفن توأمان لا يمكن أن ينفصل أحدهما عن الآخر، ولعل أخطر ما كان يؤمن به هو أن السينما خلقت لتكون أداة تسلية وترفيه للجماهير وليست للتثقيف وعرض القضايا الاجتماعية. ويمكننا رصد أهم ملامح سينما نيازي مصطفى في الفترة الأولى من حياته (1937-1942) والتي قدم فيها أربعة أفلام من إنتاج شركة مصر للتمثيل والسينما («سلامة في خير»، «الدكتور»، «سي عمر»، و «مصنع الزوجات») في الاعتماد على الكوميديا الراقية وكوميديا الموقف ومحاولة الاعتماد على الصورة وتقليل الحوار وأيضاً نزعته التجريبية التي سادت أفلامه ومحاولة تقديم ما لم يسبق تقديمه على الشاشة. وتبرز الكوميديا في سينما نيازي مصطفى (106 أفلام)، باعتبارها أحد المكونات الفيلمية التي قدمها كمخرج ومؤلف سينمائي، فاحتوت المواقف والمشاهد الكوميدية التي يبدعها بهدف تخفيف حدة التوتر في الأحداث أو ترويحاً للمشاهد بين المواقف التراجيدية أو أفلام الحركة والتشويق والفروسية التي تعتمد على العنف. ولا يمكن أن نغفل سلسلة الأفلام التي قامت ببطولتها زوجته الفنانة كوكا (1917-1979)، والتي برعت وتخصصت في أدوار البدوية - حوالى 16 فيلماً - ومن أشهرها («رابحة»، «بنت عنتر»، «سلطانة الصحراء»، «عنتر بن شداد»، «الفارس الأسود»، «وهيبة ملكة الغجر»...). ولم يتوقف إبداع نيازي مصطفى على تقديم نمط أفلام الخدع والحيل السينمائية، بل قدّم أفلام الحركة المطعمة بالحيل والخدع السينمائية،؟ ومزج مزجاً كاملاً بين الحركة والخدعة بحيث لايمكن اعتبار هذه الأفلام... أفلام حركة فقط ... أو أفلام خدع سينمائية فقط. ولهذا يعد نيازي أحد رواد الإخراج في مصر، ويمكن القول إنه كان سابقاً لعصره، فقد ساهم بعلمه وخبرته في إثراء السينما المصرية، كما كان مكتشفاً لنجوم عدة، وكان أول من قدمها ولفت الأنظار إليها، وبينهم كوكا وإلهام حسين وليلى فوزي وهدى سلطان ومحمود مرسي وجمال فارس، وعمل أيضاً تحت رئاسته بقسم المونتاج كل من صلاح أبوسيف وكمال الشيخ وحسن الإمام وإبراهيم عمارة وجمال مدكور وغيرهم.