يراهن زعيم"التيار الوطني الحر"النائب العماد ميشال عون على ان مهادنته لجميع القوى السياسية سواء اكانت في الموالاة ام المعارضة باستثناء"اللقاء النيابي الديموقراطي"بقيادة وليد جنبلاط ستجعل منه واحداً من ابرز المرشحين لرئاسة الجمهورية في حال حصول الانتخابات في موعدها، او تقرر اجراؤها في وقت مبكر على خلفية ما ستؤول إليه التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في ضوء اتهام الضباط الأربعة بالتورط في الجريمة. ولم يكن اللقاء الذي عقد اخيراً بين عون و"حزب الله"ممثلاً برئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بعيداً من الرغبة التي يبديها الأول في الترشح لرئاسة الجمهورية منطلقاً من كتلة"الإصلاح والتغيير"التي يتزعمها ومحاولاً الانفتاح على الأطراف الأخرى من خلال تشكيل لجان مشتركة وتحديداً مع حركة"أمل"بزعامة رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري الذي كان التقى في باريس النائب نبيل نقولا موفداً من"الجنرال". فالعماد عون يسعى الى ترتيب اوضاعه مع القوى السياسية بمن فيها تلك التي كان على خصومة مباشرة معها في الانتخابات النيابية الأخيرة، ولم يكن اجتماعه مع النائب رعد سوى محاولة جدية اولى لفتح حوار مع"حزب الله"من موقع الاختلاف في وجهات النظر وخصوصاً بالنسبة الى القرار 1559 الذي ينص على حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية. ومهد عون للحوار مع"حزب الله"الذي هو بدوره يحتاج إليه، بمواقف جديدة مخالفة لمواقفه السابقة، اذ اعتبر ان سلامة المقاومة هي من سلامة لبنان، بينما كان اتهم الحزب في السابق بأنه يقيم دولة ضمن الدولة اللبنانية، اضافة الى افتخاره بأنه من صانعي القرار 1559. وإذ لقي اتهام عون لپ"حزب الله"بأنه يقيم دولة ضمن الدولة اللبنانية انتقادات مباشرة وغير مباشرة صدرت عن قيادة الحزب التي استأخرت الحوار معه، ولم تبدأه إلا بعدما قرر ان يسحب موقفه هذا من التداول، فإنه يحاول الآن توضيح ما قصده بقوله في اجتماعه مع رعد بأن حقه من القرار 1559 قد وصله فور مبادرة الجيش السوري الى الانسحاب من الأراضي اللبنانية، وأن الأمور الأخرى الواردة فيه والمقصود بها سلاح المقاومة الإسلامية تبقى خاضعة للنقاش الداخلي من موقع واحد. كما ان عون يعتبر في مجالسه الخاصة انه ادى قسطه للعلى بالنسبة الى القرار 1559 وأن تطبيق ما ورد فيه من بنود يقع على عاتق الدول المعنية بتنفيذه، مشيراً ايضاً الى انه لن يكون رأس حربة في القتال من اجل تطبيقه. وهكذا فإن عون وجد ان كلامه السابق عن"حزب الله"سيحول دون قيام حوار مباشر فاضطر الى تعديل موقفه ليمهد الأجواء السياسية امام بدء التواصل بين التيار الوطني والحزب الذي لا يستهان بقوته في انتخابات الرئاسة. ورد الحزب على مبادرة عون الى تعديل موقفه، بتأكيده على لسان رعد في اللقاء الأخير ان ليس لديه موقف مسبق من عون وأن معركة رئاسة الجمهورية مفتوحة على كل الخيارات وأن لا مرشح معيناً للحزب يأخذ على عاتقه توفير الدعم له. وعليه، فإن الحوار بين عون وپ"حزب الله"انطلق من تبادل"التطمينات"ولم يتطور الى بحث الأمور السياسية في العمق، خصوصاً ان الحزب لن يتفرد في موقف من انتخابات الرئاسة قبل انتظار جلاء الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ليبني موقفه على ضوء النتائج التي سينتهي إليها التحقيق اضافة الى التشاور مع حلفاء له، هم بالتحديد بري وجنبلاط والحريري. كما ان الحزب الذي يشارك للمرة الأولى وبطريقة مباشرة في الحكومة لن يتفرد في موقف من الرئاسة الأولى نظراً الى انه يتعامل معها على انها محطة سياسية رئيسة لا بد من توظيفها في حماية المقاومة وسلاحها وعدم التفريط بهذه الورقة. وما مبادرة الحزب فور انتهاء اللقاء الأول بينه وعون، الى ايفاد النائبين محمد رعد وعلي عمار الى المختارة للقاء جنبلاط، إلا تأكيد منه على عمق تحالفه مع الحزب التقدمي الاشتراكي من جهة ولقطع الطريق على لجوء البعض الى التعاطي مع حواره والتيار الوطني وكأن الحزب يبحث عن حلفاء جدد. وقد ابدى جنبلاط - بحسب المعلومات المتوافرة لپ"الحياة"- تفهمه بالكامل للأسباب الآيلة الى فتح حوار بين الحزب والتيار الوطني والتي تبقى في حدود السعي من اجل تحقيق فك اشتباك سياسي مع عون. ناهيك بأن جنبلاط لا يبدي أي قلق حيال انفتاح الحزب على عون وإن كان الأخير يحاول من خلال بعض نوابه توظيف هذا اللقاء في اطار العمل لعزل"اللقاء الديموقراطي"تماماً كما سعى في السابق عندما انفتح على كتلة"المستقبل"النيابية. وتبين لاحقاً ان الحوار بينهما لم يمهد الطريق امام اشتراك التيار الوطني في الحكومة. على صعيد آخر، تدرس القوى الحليفة لسورية امكان اعادة النظر في"انتشارها"السياسي بعد الانكفاء الذي تعرضت له جراء نتائج الانتخابات النيابية التي اتاحت لخصومها السيطرة على البرلمان وحالت دون وجودها بقوة في المجلس بخلاف الدورات الانتخابية السابقة. وعلمت"الحياة"ان هذه القوى بدأت تنشط لإعادة تجميع قواها السياسية اعتقاداً منها انه آن الأوان للقيام بهجوم سياسي مضاد على قاعدة ان التحقيق الذي يجريه القاضي الألماني ديتليف ميليس في جريمة اغتيال الحريري لن يتوصل الى ادلة وقرائن لتوجيه الاتهام لسورية ومن خلالها الى أبرز رموز النظام الأمني السابق في لبنان الذي كان حليفاً لها. وفي هذا السياق تردد ان قضية اعادة تجميع القوى السياسية على الضفة المناوئة للغالبية النيابية في البرلمان والحكومة كانت نوقشت بعيداً من الأضواء في الغداء الذي اقيم في القصر الجمهوري في بعبدا الأسبوع الماضي وضم لحود والنواب السابقين سليمان فرنجية وطلال ارسلان وعبدالرحيم مراد. لكن الانطلاق باتجاه قيام جبهة سياسية معارضة للغالبية النيابية يحتاج بالدرجة الأولى الى دعم مباشر من حركة"امل"وپ"حزب الله"المشاركين في الحكومة الحالية ولا يبديان أي حماسة للانخراط في تكتل سياسي ويفضلان في الوقت الراهن مواكبة نتائج التحقيق من اجل جلاء الحقيقة في جريمة الاغتيال. كما ان"امل"والحزب ليسا في وارد الدخول في معركة مباشرة ضد الغالبية النيابية التي تتعاون معها داخل الحكومة وخارجها، وهذا ما يشكل ثغرة في أي مشروع لإعادة تنشيط القوى المدعومة من سورية. يضاف الى ذلك ان عون غير مستعد للانضمام الى جبهة مناوئة للغالبية النيابية وهو يستعد لخوض معركة الرئاسة الأولى وبالتالي قد يتناغم مع نواة هذه الجبهة في بعض المواقف وليس في كلها نظراً الى ان لديه حسابات اخرى قد تتعارض مع حسابات حلفاء سورية الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه ويحاولون الآن العودة الى تنظيم صفوفهم اعتقاداً منهم بأن التحقيق سيؤدي الى إضعاف الغالبية النيابية بسبب عدم وجود أدلة لتوجيه الاتهام لسورية وللضباط الأربعة.