ينتظر ان يطلق الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ اليوم الاثنين، مفاوضات مع تركيا في شأن عضويتها فيه، الامر الذي انتظرته انقرة على مدى أكثر من أربعة عقود. وتبدأ المفاوضات وسط شكوك الكثيرين من الجانبين والقناعة بأن المسيرة ستكون طويلة امام الأتراك وان المفاوضات ستواجه صعوبات كبيرة تتصل بتطورات الأوضاع في تركيا ومواقف الرأي العام الأوروبي في الأعوام المقبلة. وتعثرت المحادثات التمهيدية بين البلدان الأوروبية، بحكم رفض تركيا الاعتراف الكامل بحكومة قبرص ما لم يتم توحيد الجزيرة وطلبات قدمتها بعض الجهات الأوروبية، ورأت انقرة فيها شروطاً جديدة تمييزية، مثل مطالبة البرلمان الأوروبي الاعتراف بإبادة الأرمن في الحرب العالمية الأولى وبخاصة تصلب النمسا في اللحظات الأخيرة وطلبها من دول الاتحاد صوغ اقتراح بديل يعرض على تركيا"شراكة مميزة مع الاتحاد بدلاً من العضوية الكاملة". وتستند مواقف المحافظين في النمسا الى مخاوف الرأي العام الأوروبي من عواقب انضمام تركيا المسلمة، الفقيرة وذات الثقل الديموغرافي الكبير. وفي المقابل، فان انصار ضم تركيا الى عضوية الاتحاد يعتقدون في أهمية"الدور الاستراتيجي الذي تضطلع به انقرة في استقرار منطقة الشرق الأوسط ومناطق آسيا الاسلامية". مخاوف بريطانية - ايرلندية وحذر وزير الخارجية البريطاني جاك سترو من ان رفض ضم تركيا الى الاتحاد الاوروبي سيزيد اتساع الهوة بين العالمين المسيحي والاسلامي. وقال لشبكة"بي بي سي"امس:"اننا قلقون مما يقال عن صدام الحضارات المزعوم"، مضيفاً:"نشعر بالقلق من هذا الانقسام الديني السياسي الذي قد يعمق اكثر الهوة بين الدول التي يقال انها تنتمي الى التقاليد المسيحية وتلك التي تنتمي الى التقاليد الاسلامية". كذلك شدد رئيس الوزراء الايرلندي برتي اهيرن على ضرورة ان تبدأ مفاوضات انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، معتبراً ان الوقت متأخر "لفرض شروط مسبقة جديدة"على غرار ما تفعله النمسا. وقال لشبكة"سكاي نيوز"التلفزيونية:"لا اؤيد فرض شروط مسبقة جديدة"اليوم. الى ذلك، صرح كبير المستشارين في مركز السياسات الأوروبية اربيهاريد رهاين الى"الحياة"بان الاتحاد"لا يسعه تخييب تركيا لأن رفض فتح افاق العضوية الكاملة أمامها سيدفعها الى قلب المواقف واحتمال وقف الاصلاحات"التي تقوم بها. وتوقع رهاين عزلة موقف النمسا: وقال انها"تعجز عن اقناع الشركاء ال 24 في الاتحاد بخيار"الشراكة المميزة بدلاً من العضوية الكاملة". وينتظر ان يعاود المجلس الوزاري الأوروبي في لوكسمبورغ اليوم، التأكيد على المعايير الاقتصادية والسياسية للعضوية الكاملة وتقتضي ان تنفذ تركيا 80 ألف صفحة من التشريعات الأوروبية. ويتوقع الخبراء ان تستمر المفاوضات على عقد كامل ويرون انضمام تركيا، في حال نجاح المفاوضات، في الفترة ما بين 2015 و2020. وقال اربيهاريد رهاين بان المفاوضات"ستتأثر بتطورات الأوضاع في الشرق الأوسط وترتيبات البيت الأوروبي وتحديات العولمة". وفي الأثناء فان الاتحاد سيستوعب كل من رومانيا وبلغاريا في 2007 وكرواتيا في 2012. وكان حلم العضوية الأوروبية يراود تركيا منذ توقيعها اتفاقية الشراكة مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية في 1963 والتي نصت في ديباجتها على"التطلع الأوروبي لتركيا". ومرت العلاقات بين الجانبين بمراحل توتر عال على اثر أزمة تقسيم جزيرة قبرص بين اليونانيين والقبارصة الاتراك. وكادت العلاقات تجمد بعد الانقلاب العسكري في 1980 وسيطرة الجيش على الحياة السياسية والمدنية طوال ثلاثة أعوام اضطرت القيادة العسكرية في نهايتها الى تسليم السلطة الى المدنيين وتنظيم الانتخابات النيابية. وحظيت تركيا في هذه الأثناء بدعم الولاياتالمتحدة لأسباب أهمية موقعها الجغرافي في جوار الاتحاد السوفياتي وايران الاسلامية وحقول النفط في الشرق الأوسط. وتعد تركيا ثاني قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي. وقدمت انقرة طلب العضوية في الاتحاد في شكل رسمي في 1987 وظلت تواجه الردود الواعدة والأحكام السلبية على مدى اكثر من عقد شهدت خلالها القارة الأوروبية تغيرات تاريخية تمثلت في سقوط جدار برلين وتفكك المعسكر الشيوعي. لكن تركيا لم تفقد ثقلها الاستراتيجي على حدود منطقة التوتر في الشرق الأوسط والخليج وامتداده حتى افغانستان. وفي وقت توصلت تركيا الى استيعاب الاصلاحات السياسية والاقتصادية الأوروبية والانخراط في عضوية الاتحاد في 2004، فان انقرة لا تزال في مرحلة تعديل قوانينها وبداية مسار تمكين الأكراد من حقوقهم الثقافية، علاوة عن تأخرها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.