بدأ القلم يحدد وجودها منذ كانت في التاسعة. بين 1891 و1895 اصدرت فرجينيا مع شقيقتها فانيسا وشقيقها توبي مجلة"هايد بارك غيت نيوز"التي صدر المجلد الاول منها اخيراً عن دار هسبيرس برس. تضمنت المجلة العائلية قصصاً ورسوماً وأشعاراً ومعلومات جمعت الدقة والخبث والمرح. انتقد اطفال اسرة ستيفنز المنتمية الى الطبقة المتوسطة العليا ممرضة كانت"كتلة من دهن لا شكل له"والمسافرين في القطار الذين"لم يغتسلوا أو يسرحوا شعرهم بل صبغوا ورسموا انفسهم واعتمروا الشعر المستعار". توقف اصدار المجلة فور وفاة والدتهم جوليا التي تسببت بالانهيار النفسي الاول لمن نعرفها باسم فيرجينيا وولف. جيمس كنغ يرى ان وفاة الوالدة حددت رغبة فرجينيا:"عناق دافئ متملك من امرأة اخرى". اشار كنغ في السيرة التي اصدرها عن الكاتبة في 1994 الى الوثائق التي توحي علاقة مع شقيقتها فانيسا في بيت بارد تعيس اثر وفاة جوليا التي انجبت مع السر لزلي ستيفنز اربعة اولاد انضموا الى اولاد ثلاثة من زواجها الاول وابنة من زواج السر لزلي الاول. كبرتها فانيسا بثلاثة اعوام وشكلت معها حلفاً ضد جورج وجيرالد واكوورث، اخويهما من والدتهما اللذين ستتهمهما فرجينيا في ما بعد بالتحرش بها."لا ازال ارتجف من الخزي كلما تذكرت"قالت عن جيرالد الذي تحرش بها منذ كانت في السادسة. في عشريناتها باتت موضوعاً لرغبة جورج. أصر على خروجها معه ليلاً وساعدها على خلع ملابسها عند العودة و"نشر مخالبه على كل جسدي". عزا البعض برودها الى تجربتها في الطفولة لكنها وجدت من يشكك في صحة قولها. اتهمت جورج وجيرالد في اواخر حياتها بعد تعرضها لأكثر من نوبة جنون سمعت خلالها العصافير تزغرد باليونانية والملك ادوارد يتلفظ بكلام مشين قرب شجيرات حديقتها. ذكرت وولف ايضاً ان والدها نسي احياناً ان يزرّر سرواله، فعزز ميتشل ليسكا نظريته في"غرانيت وقوس قزح: الحياة الخبيئة لفرجينيا وولف"الذي صدر في 1998. كتمت فرجينيا حباً محرماً لوالدها الذي أسس"قاموس السيرة الوطنية"وعزا ليسكا نوبات جنونها الى عاطفتها الممنوعة. تناولها في كتابه ضحية وامرأة مريضة، فغيّب الناقدة العدائية اللامعة والكاتبة التي اختلف الرأي حولها. هل كانت كاتبة كبيرة أم ان انتحارها منحها حجماً لا تتسع له خصوصاً بين النسويات؟ عرفت الخسارة والتهديد الذي يواكبها باكراً. توفيت والدتها وهي في الثالثة عشرة فأصيبت بأول نوبة جنون. أجلت اختها من أمها، ستيلا، زواجه ثم تزوجت وحملت وماتت بعد عامين. توفي والدها السر لزلي بعد عامين آخرين فأصيبت فرجينيا بانهيار عقلي آخر، وحاولت الانتحار بالقفز من النافذة. بعد زواجها من لينارد وولف وهي في الثلاثين عاودها الانهيار الذي دام ثلاثة اعوام. تقول جوليا بريغز في"فرجينيا وولف: حياة داخلية"الذي صدر الربيع الماضي انها قرأت رواية"العذارى الحكيمات"لزوجها الذي تناول فيه امرأة باردة فرجينيا ورجلاً يهودياً كان الوحيد الذي ساعدها على رغم يأسه من الجنس البشري. اصابها الانهيار بعد اسبوعين ورفضت رؤية زوجها لكنه هو الذي اعتنى بها حتى استعادت سلامتها العقلية. كتبت"ليل ونهار"رداً على انفصال الرجل والمرأة في"العذارى الحكيمات"وجمعت حالمين يتصالحان بالزواج على رغم انتمائهما الى خلفيتين مختلفتين. كانت"ليل ونهار"روايتها الثانية وكتبتها على فترات اقتصرت على نصف ساعة وهي مريضة. تجاهلت فيها الحرب العالمية الاولى التي كانت في ذروتها، وروت"الماضي بالتقسيط وفق حاجتي". لعب لينارد دور الأم والوصي والسجان، ورفض الانجاب لئلا تؤثر الانفعالات في صحة زوجته. تعرفت اليه عندما استأجر غرفة في المنزل الذي سكنت فيه مع شقيقها ادريان بعد وفاة الشقيق الآخر توبي بالتيفوئيد عن ستة وعشرين عاماً وزواج فانيسا. عندما طلب الزواج منها استاءت وأهانته. قالت في رسالة اليه:"اشعر بالغضب من قوة رغبتك. تبدو اجنبياً للغاية، وانا مضطربة الى درجة تثير الخوف. كما قلت لك بقسوة... لا اشعر بأي انجذاب جسدي نحوك. مع ذلك يغمرني اهتمامك بي". كان جسدها ميتاً وقالت:"لا اتذكر ابداً أي متعة لجسدي". نام كل منهما في غرفة بعد فترة، لكن لينارد بقي مخلصاً لئلا يحزنها. كان انهيارها العقلي إثر زواجها موجهاً مباشرة ضد زوجها:"لا أحب الصوت اليهودي. لا أحب الضحكة اليهودية". شاعت اللاسامية في طبقتها وجماعة بلومزبري التي انضمت اليها وتبادل افرادها، من كتاب وفنانين، اطراء بعضهم بعضاً. لا تُعرف اسباب مرض وولف التي كانت اكثر تشرباً للحساسية الرهيفة في طبقتها واسرتها من سائر اخوتها. اعتبر الادباء والفنانون في الطبقة المتوسطة العليا انهم اكثر تأثراً بالمعاناة من الطبقات الوضيعة، وتنافس والداها على لقب"ملك وملكة الحساسية"."الالم الذي تشعر به مرّ بي أولاً"قالت الأم لزوجها. حفظت فرجينيا الدرس جيداً وبرهنت انها الوارثة المثالية."كم اعاني. لا احد يعرف كم اعاني". تجاهلت الحرب وغرقت في عذابها ولم تأبه لمصير بعض الشبان المجندين الذين عرفتهم لأنهم انتموا الى الطبقة السفلى المنيعة ضد العذاب. عندما طردت طباخها قالت ان الشجار مع الخدم اصعب من أي مواجهة مع"امثال المرء". أحبت البشرية نظرياً لكنها لم تطق عملياً من افتقر الى المؤهلات العلمية أو الاجتماعية الرفيعة. شوهت طبقيتها ذائقتها الادبية وقالت في نقد"يوليسيس"لجيمس جويس:"كتاب أمي، هجين ... كتاب رجل عامل تعلم على نفسه، وكلنا نعرف كم هم ابناء الطبقة العاملة محزنون، انانيون، لجوجون، فظون ومثيرون للغثيان". واجهت غيرتها بالفوقية الطبقية وتمجيد اسلوب عيش الارستقراطية الانكليزية، وقد يكون افتتانها بفيتا ساكفيل - وست ارتبط اساساً بأرستقراطية المرأة التي لم تعجبها فكرياً بل بهرها منزلها واثاثه وشجرة عائلتها. كتبت فرجينيا الى شقيقتها فانيسا التي رسمت معظم اغلفة كتبها:"بيلي المسكين ليس هذا الشيء او غيره، ليس رجلاً ولا امرأة. ماذا يفعل اذاً؟". دعت نفسها بيلي، وعندما قويت علاقتها بفيتا في 1924 كتبت في يومياتها:"لو استطيع مصادقة النساء، يا لها من متعة أن تكون العلاقة سرية وخاصة مقارنة بتلك مع الرجال". فضلت النساء لكن جسدها بقي مغلقاً، وقالت ان خوفها من الحياة ابقاها في رهبنة طوال حياتها. عرفت اربعة اعوام خصبة اثناء علاقتها بفيتا وكتبت"الى المنارة"و"أورلاندو"و"غرفة خاصة". سحرتها السيرة واستكشف معظم كتابتها معنى حياتها وعلاقتها بالآخرين."الكتابة وحدها تركب وجودي ولا شيء يجعله كاملاً الا اذا كتبت". كانت محدثة ومبتكرة لكن مدى ادبها ضاق وانحصر بعالمها الداخلي متجاهلاً الحرب وغيرها. كتبت عن اسرتها في"الى المنارة"وعن شقيقها توبي في"غرفة جاكوب"واستندت الى اعراض جنونها لتصف انهيار الجندي سبتيموس من جراء القصف في"مسز والواي". لم يثر الخارج فضولها، ومع انها اسست مطبعة هوغارت مع زوجها في 1917 لم تقرأ كتب فرويد التي اصدرتها الا في 1924، الجسد ايضاً غاب عن رواياتها في وقت تحدى د.ه. لورنس وجيمس جويس القيم الفكتورية وفصّلا بصراحة وبذاءة علاقة الرجل بالمرأة. لم تهتم وولف ببناء الشخصية، وركزت على الداخل والنص الذي اختبرت فيه دائماً لتصقل تقنيتها وتشدد على مسار الخبرة المستمر وتيار الوعي. مثل الشاعرة الاميركية سيلفيا بلاث، تقرأ حياة فرجينيا وولف بموتها كأن هذا اكثر ما يثير الاهتمام بها. قالت لنايجل نيكلسن، ابن فيتا ساكفيل - وست ان لا شيء يحدث اذا لم يوصف. علقت في يومياتها على كل جوانب حياتها. من عرفت والتقت، ماذا لبست، كم مرة غسلت شعرها اسبوعياً."كيف كانت معلمة الفرنسية؟". سألت نايجل."كيف كان حذاؤها؟ هل تشم رائحتها عندما تدخل الصف؟ ماذا فعلت اليوم؟ لا شيء؟ كيف؟ ماذا ايقظك؟ الشمس؟ كانت شمساً سعيدة أم غاضبة؟ هل ارتديت الجورب اليمين اولاً أم الشمال؟ اذا لم تلتقط الافكار بسرعة لن يعود لديك أي منها". رمت الخبز يوماً للبط مع نايجل وشقيقه وسألتهما عن صوت ارتطام الخبز بالماء."سبلاش؟". لا. سبلوش، ثم قالت."لا وجود لهذه الكلمة"احتجا."باتت موجودة الآن". ردت. في القطار رأت رجلاً يدخن الغليون وقالت:"انه قاطع تذاكر من ليدز كان يمضي عطلة مع عمه الذي يملك مزرعة قريبة من هنا". قالا انها تراه للمرة الاولى فأصرت:"لا شك لدي في ما قلته". اهدت فرجينيا وولف"اورلاندو"الى فيتا التي جعلتها شخصية متحولة تبدأ حياتها فتى في العهد الاليزابيثي في القرن السادس عشر وتنتهي امرأة في القرن العشرين. خيّب البعض لخيانته جمالية وولف الجدية، لكنه باع ضعفي ما باعه"الى المنارة"ونقلته السينما مرتين، وأسر كتاباً شباناً بنسخته الخاصة من الواقعية السحرية. تناولت في"الامواج"الذي قد يكون افضل اعمالها مع"الى المنارة"ست شخصيات تروي حياتها من الطفولة الى الشيخوخة. توقفت عند"لا وجود"مديري المدارس والملوك الذين يحملون"اباريق شاي ذهبية"على رؤوسهم وأمين المكتبة في كيمبريدج الذي سد طريقها كلما ارادت ان ترى مخطوطة. باع خمسة آلاف نسخة في الاسبوع الاول وصعقت لنجاحه مع ان كل كتبها لاقت رواجاً."هذا الكتاب غير المفهوم استقبل افضل من أي كتاب آخر لي. وهو يبيع ? كم هو غير متوقع وغريب ان يستطيع الناس قراءة هذه الاشياء الصعبة الطاحنة". تحدثت عن التسويات والعراقيل المفروضة على النساء، كاتبات وقارئات، لكنها كانت ناقدة نافذة وحققت كتبها دخلاً محترماً. مطبعتها حررتها من سلطة الناشرين خلافاً لجيمس جويس ود.ه. لورنس. كتبت في"ثلاثة جنيهات"انه على النساء الا يرتكبن خيانة العقل بالكتابة من اجل الكسب، علماً ان هذا ما فعلته وكانت ذات دخل خاص. بدأت نصها النسوي"في غرفة خاصة"بكلمة"ولكن"واختارت لجوديث شكسبير الذكية الموت غرقاً. ستقلد الحياة الفن في 28 آذارمارس 1941. امضت بعض الوقت في كوخ الحديقة وكتبت رسالة انتحار ثالثة وأخيرة. اعتقد لينارد انها كتبت الرسائل الثلاث في اليوم نفسه، لكن ثمة من يقتنع بأنها حاولت الانتحار مرتين قبل ذلك. قالت احدى الرسائل:"أنا اكيدة انني اجن ثانية، وأشعر اننا لا نستطيع مواجهة وقت صعب آخر. لن اشفى هذه المرة. بدأت اسمع اصواتاً ولا استطيع التركيز، لذا سأقوم بما يبدو افضل ما يمكن فعله... لا استطيع افساد حياتك اكثر مما فعلت". مشت المرأة الطويلة القامة الى نهر أوز ووضعت حجراً كبيراً في جيب معطفها. اجادت السباحة لكنها تركت نفسها تغرق. رأى لينارد الذي لقبته ب"اليهودي"الرسائل وركض الى النهر. كانت العصا التي استخدمتها في المشي تعوم. تمنت فيتا الا يجدوا جثتها، لكن اطفالاً رأوها بعد ثلاثة اسابيع وظنوها قطعة من جذع شجرة. احرقت ودفن الرماد في حديقة منزلها"بيت الراهب"وذكر النقش على الضريح العبارة الاخيرة في"الامواج":"عليك ألقي نفسي بلا هزيمة أو استسلام يا موت".