في ربع الساعة الأخير، من الموعد النهائي لقبول طلبات الترشيح لعضوية مؤتمر اتحاد الكتّاب العرب في دورته الجديدة التي ستعقد في مطلع أيلول"سبتمبر"المقبل، فاجأ علي عقلة عرسان الجميع بترشيحه مرة خامسة، وربما سادسة، فلا أحد يذكر تماماً، متى استلم قيادة الاتحاد أول مرة، وهو بذلك يستخدم السيناريو نفسه الذي استخدمه في الدورة الماضية: انتظار هاتف مجهول يدعوه لخوض"الانتخابات". الخبر كان أشبه بالصاعقة، بالنسبة لعد كبير من أعضاء الاتحاد، فقد توقع هؤلاء أن زمن علي عقلة عرسان، قد مضى إلى الأبد، بعد خمس دورات متتالية، امتدت من الربع الأخير للقرن العشرين، إلى مطالع الألفية الثالثة، فالرجل عمل طويلاً"في خدمة الأدب وقضاياه"، بحسب الشعار المزمن للاتحاد، وكتب آلاف المقالات القومية الغاضبة، وركب مئات الطائرات إلى معظم أنحاء العالم"لتعزيز العلاقات الأدبية والثقافية مع الشعوب الصديقة"، من أوزبكستان، إلى الصين، وحتى كولومبيا. وتحت بند التطبيع مع"العدو الصهيوني"، فُصل أدونيس من عضوية الاتحاد، وقبله هاني الراهب، ووافق على انسحاب سعد الله ونوس احتجاجاً، ورفض عضوية عشرات الأدباء لأسباب"ايديلوجية"، بمن فيهم عبد السلام العجيلي الذي لم يستوف شروط العضوية، بغياب وثيقة"غير محكوم"التي يشترط الاتحاد وجودها بين الأوراق الثبوتية، كما حصر رقابة المخطوطات الأدبية والفكرية بلجان القراءة في الاتحاد، وافتتح فروعاً للاتحاد في المحافظات السورية كافة، على طريقة الجمعيات الاستهلاكية، بعد أن اتسب إليها عشرات"الكتبة"المجهولين، هؤلاء الذين سيشكلون نسبة أصوات عالية في الانتخابات الديمقراطية في إحدى الدورات الانتخابية، وزعت أوراق التصويت مرقمة بالحبر السري، لمعرفة لمن تذهب أصواتهم. تجاوز الرجل الخامسة والستين ولم يتعب. كتب المسرحيات والدراسات والشعر والرواية وأدب الرحلات، واختيرت روايته"صخرة الجولان"، من بين أهم مئة رواية عربية، اختارها اتحاد الكتّاب العرب للترجمة إلى الإنكليزية، وكُتبت عنه مئات المقالات في المديح والهجاء. ولعل أبرز مآثره أنه الشخص الوحيد الذي مُنح شهادة الدكتوراه من جامعة، فتحت أبوابها خصيصاً لمناقشة أطروحته الظواهر المسرحية عند العرب، ثم أغلقت أبوابها إلى الأبد! وكان وليد إخلاصي أطلق دعابة، حين تم تعيين كاتب قصة مجهول يدعى"عبدو محمد"، رئيساً لفرع الاتحاد في حلب"بدأ عصر التنوير العربي بمحمد عبده وانتهى بعبدو محمد"، وعلى رغم طرافة التعليق، إلا أنه يعبر عن واقع الحال تماماً، بعد ان سيطرت على قيادات الفروع أسماء مجهولة، ومن دون أي وزن إبداعي، مثل رئيس فرع حماة، وهو لواء شرطة مرور سابق، وكان أن استلم فرع اللاذقية عقيد متقاعد إلى وفاته، ويدير فرع الحسكة رئيس بلدية سابق. وتشير إحصائية جديدة إلى أن عدد أعضاء الاتحاد، وصل إلى نحو700 عضو، بينهم طابور من الأعضاء المرشحين، وهو مصطلح تم اختراعه أخيراً، إذ يشترط في العضو الجديد أن يبقى في لوائح المرشحين لمدة سنتين، عليه أن يثبت خلالهما مقدرته الإبداعية بنشر كتاب جديد، وإلا سيبقى في قوائم الانتظار سنة أخرى، كما يشترط الاتحاد في قبول أعضاء جدد، أن يكون الكاتب، قد أصدر كتابين في حقل واحد من حقول الابداع قصة، رواية، مسرحية، نقد، ترجمة، أدب الأطفال، وعلى هذا الأساس، وبحسب تعليق أحدهم، فإن شاعراً عاثر الحظ مثل رامبو، سترفض عضويته، لأنه لم يكتب غير"فصل في الجحيم"، والأمر ذاته بالنسبة لشاعر مثل بودلير، فپ"أزهار الشر"وحدها، لا تكفي لتقييم أصالته الشعرية، على عكس عشرات أصحاب الاطروحات الجامعية المنحولة، الذين ضاقت بهم كواليس مبنى الاتحاد، وكذلك بالنسبة لشاعر يعمل نجاراً، أهدى الأدب وقضاياه غرف نوم أنيقة، أكثر مما كتب إبداعاً، قبل أن يحوز دكتوراه فخرية من إحدى الجامعات، للتخلص ربما من اللقب الذي أطلقه عليه فايز خضور:"الشاعر الخشبي". على أبواب مؤتمر اتحاد الكتّاب العرب، هناك عشرات الأسئلة المؤجلة عن مصير الاتحاد، ومستقبل الإبداع في سورية، في ظل رئيس أبدي، أفقد وجوده في المرحلة المقبلة، أية فسحة أمل في استعادة الأدباء دورهم، بعد أن صار الاتحاد يشبه رئيسه، وكأن الأمر يجري في شريط سينمائي، يعاد تصويره على الدوام:"كلاكيت سادس مرة".