خطت الحكومة المصرية أمس خطوة، هي الأكبر، على طريق المصالحة مع الحقبة الأكثر حساسية في التاريخ الحديث للبلاد والتي بدأت مع الوالي محمد علي وسلالته من الأسرة المالكة، وذلك بافتتاح الرئيس حسني مبارك وقرينته امس"قصر محمد علي باشا الكبير"في ضاحية شبرا الخيمة المتاخمة للقاهرة، بعد ترميمه وتجديده. وبعدما كان التطرق الى كل ما له صلة بالأسرة الحاكمة من الأمور الشائكة على المستوى الرسمي، وهو ما انعكس سنوات طويلة في نوع المعلومات المتعلقة بتلك الحقبة في مناهج التاريخ المدرسية، والمادة الاعلامية الرسمية التي اتسمت باتجاه واضح الى طمس بعض الحقائق أو تجاهلها... افتتح الرئيس المصري في حضور رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف وعدد كبير من الوزراء والمحافظين، القصر الذي تقرر أن يكون مركزاً للاحتفالات القومية والاستقبالات الرسمية، بعدما استخدم فترة طويلة كمخزن للقمح تابع لوزارة الزراعة. خمس سنوات كاملة استغرقتها أعمال الترميم والتجديد التي خضع لها قصر مؤسس الدولة المصرية الحديثة، الوالي محمد علي الذي لا يعود إليه الفضل في تأسيس الجيش المصري الحديث فحسب، بل ان سكان حي شبرا الخيمة وحي شبرا المتاخم له يزيد عددهم على ثلاثة ملايين شخص يدينون له بازدهار منطقتهم، وذلك قبل نحو قرنين من الزمان، حين أصدر أوامر برصف طريق بين القاهرة وقصره الجديد الذي شيّد عام 1808 ليسهل الوصول اليه. خمسون مليون جنيه مصري حوالي 9 ملايين دولار أنفقت على بث الحياة مجدداً في القصر، بعد سنوات رزح فيها تحت وطأة الإهمال الذي كاد أن يمحو قيمته الأثرية والتاريخية. والواقع ان التوجهات السياسية الحالية خدمته بتسليط الضوء عليه، ومن ثم على أسرة الوالي محمد علي الذي تنحدر منه الأسرة الملكية التي أطاحتها ثورة تموز يوليو 1952، وأمعنت العقود التالية في إطاحة معظم إنجازاتها وإيجابياتها. يحوي القصر مجموعة من الأعمدة الضخمة التي تحمل أسقفه ذات القيمة الفنية الرائعة، إذ أتت كلها منقوشة بحرفية مميزة، لذلك استنفد ترميم الأسقف وحدها نحو 15 مليون جنيه. وشملت أعمال الترميم الداخلية في القصر كل غرفه وأهمها الغرف الأربع الرئيسة المشرفة على الجهات الرئيسة، وهي: الغرفة القبلية وتعرف باسم"صالة الجوز"لأن أرضياتها مغطاة بخشب الجوز، إضافة الى الصالتين الشرقية والغربية، حيث"صالة البلياردو"، والرابعة حيث مائدة الطعام الرئيسة وتحوي صوراً ولوحات لأبناء محمد علي رسمها فنانون عالميون. يقول مسؤول في المجلس الأعلى للآثار إن المرممين حاولوا قدر الإمكان الحفاظ على ما بقي في حديقة القصر من مزروعات نادرة، بعدما اختفى تماماً بستان كبير، ولم يبق منه سوى الجوسق. وأزيل 51 مبنى عشوائياً من حول القصر الأثري، وهو جزء من تاريخه لم تغفله الدولة، وأُنجز فيلم تسجيلي تضمن تاريخ بنائه، وأهم المناسبات التي شهدها، ومراحل تدهوره والتعدي على أروقته ومبانيه، الى أن قاربت حافة الانهيار. وكان القصر شهد اعمال ترميم وصفها وزير الثقافة فاروق حسني بأنها"خاطئة"مطلع الثمانينات من القرن العشرين.