شهدت مصر خلال العام الماضي نشاطاً أثرياً مكثفاً سواء في مجالات الكشف عن الآثار او المتاحف او ترميم الآثار غير ان اكثر الاحداث اثارة للجدل في الاوساط الاثرية المصرية والدولية، تمثل في اختيار عالم المصريات الدكتور جاب الله علي جاب الله أميناً عاماً للمجلس الأعلى للآثار. ويجيء ذلك الاختيار ليؤكد سياسة التغيير المستمر لشاغلي ذلك المنصب من قبل وزارة الثقافة المصرية، اذ سبق ان تولاه ستة مسؤولين في ألاعوام التسعة الاخيرة، بدءاً من العام 1988، بعضهم تولى المنصب لفترتين منفصلتين، وأغلبهم كان من غير العاملين في "المجلس الأعلى للآثار"، اذ يتم انتدابهم من أساتذة الجامعات، كما كان الحال مع كل من الدكتور عبدالحليم نورالدين والدكتور سيد توفيق والدكتور ابراهيم بكر واخيراً الدكتور جاب الله الذي كان يشغل منصب عميد كلية الآثار في جامعة القاهرة. ويعود ذلك الى سياسة وزير الثقافة المصري السيد فاروق حسني والذي يميل الى الاعتماد على اساتذة الجامعات لشغل المنصب بدلاً من قيادات المجلس، سيما بعد تجربة صدامه المرير مع الدكتور أحمد قدري رئيس "هيئة الآثار المصرية" لدى توليه منصب وزير الثقافة. وفي الوقت نفسه فإن "المجلس الأعلى للآثار" يعاني من نقص الدرجات الادارية القيادية به، ما يؤدي الى هرب الكفاءات منه الى الجامعات وعودتهم بعد سنوات لشغل مناصب ادارية عليا بالانتداب في المجلس الاعلى للآثار، إذ تقدم خلال العام الماضي 60 من أفضل العاملين في المجلس بطلبات للعمل في الجامعات. المتاحف ويعد العام الماضي عام المتاحف في مصر، إذ افتتح فيه عدد من المتاحف الجديدة اهمها متحف النوبة الذي دشن في شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي. وساهم في انشائه كل من مصر وهيئة اليونسكو وبلغت كلفة بنائه وتجهيزة 55 مليون جنيه مصري. ووضع تصميم المتحف المهندس المكسيكي ابيدرو رافميز فاسكز مصمم "متحف الحضارة" في المكسيك. ويقع متحف النوبة على ربوة صخرية، ومبناه مستوحى من عمارة المنازل النوبية، وفيه حديقة بها مسرح مكشوف وبحيرة صناعية. ويحوي المتحف خمسة آلاف قطعة اثرية جمعت اثناء تنفيذ المشروع الدولي لإنقاذ آثار النوبة الذي بدأ في الستينات وانتهى آخر السبعينات. وتعود أهمية المتحف الى كونه أكبر وأحدث المتاحف العالمية. والمتحف الثاني الذي افتتح في مصر "متحف التحنيط" في الأقصر. ونشأت حاجة ملحة لإنشاء ذلك المتحف في البر الشرقي في الأقصر، نتيجة تساؤلات زوار وادي الملوك والملكات عن مومياوات ملوك وملكات الفراعنة وكيفية التحنيط. وبناء على ذلك تحول مركز الزوار في الأقصر الى متحف للتحنيط بعدما تم تجهيزه ليناسب العرض المتحفي. يحوي المتحف اقساماً للمومياوات الآدمية والحيوانية والزواحف والاسماك، وقسماً للآثاث الجنائزي. وتشرح للزائر في قسم خاص عملية تحنيط الموتى. وصورت في ذلك القسم رسوم منقولة من مقابر فرعونية توضح مراحل التحنيط. وابرز مومياء معروضة في ذلك المتحف هي مومياء الكاهن ما ساهرتي. ويعد مدير المتحف حمد صالح حالياً قاعدة بيانات على شبكة الانترنت خاصة بالمومياوات المصرية الموجودة في متاحف العالم وكذلك عملية التحنيط. وثالث المتاحف المصرية التي افتتحت العام الماضي متحف "رامتان". ورامتان هي فيلا عميد الادب العربي الدكتور طه حسين، وكان ورثته عرضوا بيع الفيلا، لكن وزارة الثقافة اشترتها وحولتها الى متحف. وبدأ "المركز القومي للفنون التشكيلية" ترميم رامتان عام 1994. والمبنى عبارة عن منزل بسيط يحمل الطابع الاوروبي بتأثير اللمسات التي تركتها الفرنسية سوزان زوجة طه حسين التي عملت مستشاراً فنياً لزوجها. وهو مكون من طابقين، الاول خاص بالاستقبالات حيث يضم غرفة المكتبة، وقاعة صغيرة للاستقبال تفضي الى القاعة الرئيسية. اما الطابق الثاني فيضم ثلاث غرف نوم، الأولى للدكتور طه حسين، والثانية لزوجته سوزان، والثالثة للابن مؤنس، بالاضافة الى قاعة خاصة لسماع الموسيقى وغرفة للخادمة وقاعة جلوس. وتعقد في المتحف الندوات الخاصة بالأدب العربي. ويعد متحف بني سويف الذي افتتح العام الماضي أهم متاحف مصر الاقليمية. ويقع على طريق صعيد مصر السريع في مدينة بني سويف ويتكون من طابقين: الأول يشمل آثار العصر الفرعوني منذ عصر ما قبل التاريخ الى العصر اليوناني الروماني، بينما يشمل الطابق العلوي الآثار القبطية والاسلامية. كما يضم أيضا مقتنيات أسرة محمد علي. وهو المتحف الأول في سلسلة المتاحف الاقليمية التي يتوقع فتحها تباعاً بهدف نشر الوعي الاثري، وكذلك عرض التحف المخزونة في مخازن الآثار المصرية. يحوي المتحف ستة آلاف قطعة، أهمها تمثال الكاتب الجالس، الذي يعود الى عصر الدولة القديمة، وتابوت آدمي من الخشب من عصر الأسرة الثلاثين، وتميمة للإله حري شف، وتمثال للإله أوزيريس. وتم الانتهاء العام الماضي من مشروع مدّ شبكة انذار الكترونية لحماية المتحف المصري بعدما تعرضت محتوياته لمحاولات سرقة عدة في السنوات السابقة. وشمل المشروع تأمين المنطقة المحيطة بالمتحف، سيما بعد الحادث الذي وقع امام مبنى المتحف قبل اسابيع. كما انتهت اللجان المختصة من وضع التصور النهائي للمتحف المصري الجديد الذي سيشيد على مساحة 300 فدان بكلفة اجمالية تبلغ بليوني جنيه مصري نحو 550 مليون دولار. وتم وضع حجر اساس متحف امنحوتب في منطقة سقارة، على ان يشيد على مساحة 2500 متر بكلفة اجمالية مليوني جنيه مصري، واستعين في تصميم المتحف بالخبير الفرنسي فيليب لوير، في وقت بدأ العمل في تشييد متحف العريش. الآثار الفرعونية خلال العام الماضي شهدت مصر جدلاً واسع النطاق حول نقل تمثال رمسيس الثاني من ميدان رمسيس وسط العاصمة بعد ما حجب عن الرؤية نتيجة نصبه بين عدد من الجسور العلوية، وتأثره بتلوث هواء القاهرة، والاهتزازات الناتجة عن كثافة الحركة المرورية. ويبلغ ارتفاع التمثال 12 متراً، وكان نقل في الخمسينات من موضعه في ميت رهينة الى ميدان رمسيس، وتم تشكيل لجنة خبراء ضمت ممثلين من "المعهد الالماني للآثار" و"المعهد الفرنسي للآثار" وكلية الآثار في جامعة القاهرة، وانتهت اللجنة الى ان أنسب موقع للتمثال هو عودته الى موضعه الاول في ميت رهينة حيث الهواء النقي والمكان الواسع الذي سيتم تهيئته ليبرز جمال وروعة التمثال. وشهد العام الماضي كذلك افتتاح اهرامات دهشور امام حركة السياحة. وأعدت المنطقة لتكون مزاراً سياحياً، علماً انها تحوي عدداً من الأهرامات الفريدة، منها هرم سنفرو الجنوبي ذو الشكل المنحنى وهرم سنفرو الشمالي الذي يبلغ ارتفاعه 99 متراً والذي يضم ثلاث حجرات ذات سقف متدرج. وتحوي المنطقة أيضا هرم الفرعون امنمحات، وهرم الملك سنوسرت الثالث وهو مبني من الطوب اللبن ولذا يعرف بالهرم الاسود، وهرم الملك امنمحات الثالث الذي يعرف بالهرم الأبيض لأنه شيد من الحجر الجيري الأبيض. وظلت أهرامات دهشور بعيدة عن حركة السياحة المنظمة الى ان اقتنعت الشركات السياحية بأهميتها نظراً الى اقبال السياح على زيارتها، وهو ما جعل المنطقة تشهد العام الماضي رواجاً سياحياً كبيراً. وانتهى العام الماضي كذلك بتنفيذ مشروع فك وترميم واعادة تركيب بهو الأعمدة في معبد الأقصر، الذي يعد اكبر المعابد الفرعونية. واستغرق العمل في هذا المشروع عاماً وتكلف سبعة ملايين جنيه مصري. وتضمن المشروع فك 23 عموداً من أعمدة البهو، وتخفيض منسوب المياه الجوفية الى عمق مترين أسفل أرضية المعبد من خلال مواسير خرسانية. واحتفل بافتتاح المشروع في حفلة حضرها الرئيس المصري حسني مبارك. الآثار الإسلامية في مجال الآثار الإسلامية، انتهت المرحلة الأولى لترميم ودعم الجامع الأزهر بكلفة اجمالية تبلغ 20 مليون جنيه، وشملت هذه المرحلة ترميم المظلة الشمالية الشرقية والمظلة الجنوبيةالشرقية ومداخل المسجد. وسيتم الانتهاء، السنة الجارية، من ترميم المسجد بكلفة تبلغ 50 مليون جنيه. وفي القاهرة أيضا تم الانتهاء من ترميم مجموعة من الآثار الإسلامية منها خانقاة ومسجد الامير شيخو، ومسجد القاضي يحيى زيد الدين ومسجد يوسف آغا الحين، ومسجد يوسف الكردي. وبدأ العمل في ترميم مجموعة السلطان قلاوون بكلفة قدرها 12 مليون جنيه مصري. وخارج القاهرة افتتحت المرحلة الأولى لمشروع ترميم آثار مدينة فوة، الذي استغرق تنفيذه اربع سنوات وشمل ترميم مساجد نصرالله، وأبو المكارم وشعبان والنميري. وتتميز هذه المساجد بخصائص معمارية أثرية فريدة منها تعدد المحاريب وكذلك المآذن البيضاء، والمداخل ذات العقود المدائنية. وشمل المشروع ترميم ربع الخطابية وهو منشأة أثرية فريدة من نوعها، إذ انه الربع الوحيد في مدن الوجه البحري، ووكالة ماجور. كما أعيد بناء التكية الخلوتية في فوة، والتي جهزت لتكون مركزاً للوعي الاثري. الكشوف الاثرية وشهد العام المنصرم كشوفاً اثرية مهمة عدة منها الكشف عن اسوار صلاح الدين الايوبي في منطقة باب الوزير في القاهرة في مشروع يهدف الى إنقاذ السور المهدد بالزحف العمراني المستمر من الضياع، في وقت تتراكم التلال الترابية على أجزاء كبيرة منه. وعلى رغم اكتشاف أحد ابراج السور واجزاء كبيرة منه، إلا أن المشروع توقف فجأة ولم يستكمل. وثاني الكشوف الاثرية المهمة كان في جنوبسيناء في منطقة الراية التي تقع قرب مدينة الطور، وكذلك الكشف عن مجموعة من المخطوطات البردية النادرة التي تعود الى العصر الفاطمي. وعثر عليها قرب مدينة الفيوم. كما اكتشفت بعثة ايطالية - فرنسية في منطقة أم البريجات في مركز أطسا في الفيوم معبداً كبيراً للآلهة سوبك التي يمثلها التمساح. وكان الفلاحون في مصر الفرعونية ينتظرون هذا الإله كل عام ليبشرهم بفيضان ماء النيل. وفي منطقة اهرامات الجيزة عثر على صهريج ماء في داخله توابيت حجرية، وهو يعد الاول من نوعه الذي يتم الكشف عنه في تلك المنطقة. وفي سقارة عثر على مقبرة مرضعة توت عنخ آمون الفرعون المصري المشهور، وهي تعد كشفاً اثرياً ذا اهمية خاصة، اذ كان من المعروف ان توت عنخ آمون وحاشيته عاشوا ودفنوا في الاقصر وللمرة الاولى يعثر على مقبرة من عصره في سقارة. كما أدت الصدفة الى الكشف عن مقبرة رومانية في الاسكندرية وذلك على عمق عشرة امتار تحت سطح الارض. وتتكون المقبرة المنحوتة في الصخر من طبقات عدة وتعد اكبر مقبرة يتم الكشف عنها في مصر. وعثر ايضاً على 34 تمثالاً لابي الهول في طريق الكباش امام معبد الكرنك في الاقصر. وخلال العام الماضي حسمت قضيتان من القضايا التي اقلقت الرأي العام المصري، الاولى خاصة بمشروع ترميم الكنيسة المعلقة الذي ظل معطلاً طوال السنوات الخمس الماضية. ولتلك الكنيسة اهمية تاريخية لدى مسيحيي مصر والعالم. والقضية الثانية تتعلق بقصر المنيل، والذي كان يشغل حديقته فندق ألغي نشاطه بقرار من رئيس الوزراء المصري بعدما كان مقرراً إقامة منشآت حديثة في موقع الفندق وكان ذلك من شأنه ان يشوه القصر. سرقات الآثار وشهد العام الماضي انخفاضاً واضحاً في محاولات سرقة الآثار المصرية مقارنة بالسنوات الماضية، ويعود ذلك الى الاجراءات التي اتخذها "المجلس الاعلى للآثار" للحد من ظاهرة سرقة الآثار، وفي اعقاب الحكم الذي اصدرته محكمة بريطانية بعودة آثار مصرية كانت عصابة دولية سرقتها من منطقة سقارة. وكان أبرز محاولات تهريب آثار مصرية إلى الخارج تم بواسطة اميركي ادعى ان له صلة بالسفارة الأميركية في القاهرة، وحاول تهريب رأس الفرعون أحمس الخامس وهي من الحجر و تزن 50 كيلوغراماً ومعها لوحات مرمرية فرعونية ونماذج لمراكب الشمس عمرها ثلاثة آلاف عام. كما أحبطت محاولة قام بها مواطن مصري عثر أسفل منزله على آثار فرعونية بعدما عرضها للبيع بمبلغ 1.5مليون جنيه، بينها تماثيل وجعارين وبرديات نادرة. كما عثر على مجموعة من الاواني الفخارية كانت معروضة للبيع من قبل مصري يعيش في محافظة قنا، والاواني تعود الى العصر الروماني.