المنطقة"العازلة"التي أقر ارييل شارون اقامتها في شمال قطاع غزة تتجاوز الهدف"الامني"الذي يقدمه العسكريون الاسرائيليون، وفي مقدمهم وزير الدفاع شاؤول موفاز، لتبرير الاجراء. ادّعى هؤلاء ان تجمعات سكنية اسرائيلية تقع في مرمى الصواريخ الفلسطينية الصنع التي تطلق من هذه المنطقة، وبالتالي ينبغي منع اي وجود مسلح فيها، بما فيه الشرطة الفلسطينية وقوات الامن التابعة للسلطة. الاحصاءات الاسرائيلية، المستندة الى ارقام وزارة الدفاع، تؤكد ان مئات الصواريخ الفلسطينية ادت الى جرح عدد قليل من الاسرائيليين. وهذا لا يبرر الاجراء الذي يفرض على السلطة سحب قواتها الامنية التي من مهماتها وقف اطلاق الصواريخ، وإنما يستهدف في المقام الاول انتزاع الحق، باسم الامن، في إبقاء الرقابة والاعتداء داخل"المنطقة الحدودية"للقطاع مع اسرائيل، والقضاء على ما تبقى من رصيد للسلطة الفلسطينية التي تواجه في الضفة الغربية اقسى الاختبارات. لا بل قد يكون الهدف من فرض"المنطقة الامنية العازلة"في"الحدود"الشمالية للقطاع، النموذج الذي يمكن استعادته في الضفة، بعدما كان فك الارتباط مع غزة الضربة السياسية الاساسية الناجحة التي اقرها ونفذها شارون من جانب واحد ومن دون اي تنسيق مع السلطة. يتجه شارون الى انتصار انتخاب على رأس حزبه الجديد"كديما". وتعطيه استطلاعات الرأي اكثرية واسعة تتيح له تشكيل الحكومة بعد انتخابات آذار مارس المقبل. وهو يستطيع، بعد التخلص من الضغط الحزبي الداخلي من غلاة اليمين بعد انفصاله عن"ليكود"، الاعتماد على تأييد حزب العمل في اي خطوة يتخذها لفصل عن الضفة. والمعلن من برنامجه، حتى الآن، يؤكد الابقاء على المستوطنات الكبيرة ووحدة القدس، اي الحفاظ على الوضع الحالي في الضفة الغربية، في خطوطه العريضة. اي ان شارون، سيطلق في ولايته الحكومية المقبلة"خطة فصل"من جانب واحد في الضفة، وهي الخطة التي يطلق عليها اسم"السلام الدائم"مع الفلسطينيين. واذا كان القطاع يمثل وحدة ترابية وخالياً من الاستيطان، وهذا ما سهل عملية الفصل، فان الضفة المزروعة بالمستوطنات ستتضمن حدوداً متعددة بعدد التجمعات اليهودية فيها والطرق الموصلة اليها. وفي حال تطبيق"المناطق الامنية"لتفادي ان تكون هذه المستوطنات والطرق في مرمى نيران الفلسطينيين، يمكن تخيُّل نوعية الدولة الفلسطينية التي يبشر شارون بها. هذه الاحتمالات المرجحة تأتي في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الفلسطينية والسلطة وحزبها حركة"فتح"ازمة عميقة عشية انتخابات تشريعية، هذه الانتخابات التي يفترض ان تكون مناسبة للخروج بحكومة تتسع لكل القوى السياسية. لكن الواقع، وخشية التمثيل الاسلامي، زادا الانقسامات وتعمقت الخلافات على نحو يكاد يطيح الانتخابات. وهذا يعني المقامرة بالشرعية الفلسطينية، علما ان اسرائيل لم تتردد، في كل الاوقات، في التذرع بفقدان الشريك الفلسطيني، من اجل تثبيت الاجراءات الأحادية والتملص من موجبات السلام الحقيقي. واذا كانت هناك معركة ينبغي على الفلسطينيين ان يختاروا قيادتها، في اي اقتراع، فهي المعركة التي تتعلق بمصير الضفة حيث لن يكون الفلسطينيون في الوضع نفسه الذي ساد القطاع بعد الانسحاب الاسرائيلي، اي انها معركة الوضع النهائي التي سيفرضها شارون عليهم. ولذلك تبدو الخلافات على مشاركة التيار الاسلامي في الانتخابات وعلى القوائم والاسماء التي تتصدرها غير ملائمة لطبيعة المعركة المقبلة. وكان يجدر التركيز على المشترك السياسي الذي يجمع بين المرشحين وتركيب لوائح ائتلافية بدل إنهاك الذات في اتهامات يبدو ان"البولدوزر"الاسرائيلي لن يبقي منها ما ينفع الفلسطينيين.